شيرين فتحي
لدي العديد من الأفكار التي لا تنفذ أبدا في رأسي. تلك الأفكار تنهشني من الداخل. تملأ رأسي بالأصوات المزعجة فأضطر للتخلص منها جميعها وألقيها في عدة قصص متفرقة. القصص القصيرة تناسبني ، تستوعب نفسي القصير في الكتابة. تستوعب انفعالاتي المتباينة على عكس الرواية التي يكفيها انفعال واحد أو ربما انفعالين طوال العمل.
كنت أعتقد فيما مضى أن الكتابة فعل هادئ … أمر مريح للأعصاب يخلصنا من الانفعالات الزائدة ويمنحنا متعة في تحويل مشاعرنا وأفكارنا إلى قصص وحيوات ملموسة. لكنها لم تعد مريحة،كأنها تحولت فجأة من كائن مستأنس إلى آخر مفترس. لديه الاستعداد للتخلص مني متى شاء. لم أكن أعرف أن الكلمات مخيفة إلى هذا الحد. إنها تلعنني لو لم أتخلص منها كما يجب. ربما كنتُ أدرك ديكتاتورية الكتابة ومدى تسلطها على مريديها ولكني لم أكتشف وحشيتها إلا مؤخرا.
هل تتطبع الكتابة بشخصية صاحبها؟ هل تغير من طباعها لتتواءم معه؟ هل هي قرين لي يتغير كيفما أتغير؟ ولكن هل تتغير الكتابة ضدي أم لصالحي؟ الكتابة غدت قاسية جدا معي لا تترك لي وقتا لكي أهدأ ولا حتى لكي أحكي.. تريد أن تأخذ كل ما بداخلي من إحساس أو أفكار وتمضي بسرعة …. تفرغني تماما ثم تملؤني من جديد وبسرعة أيضا وبأفكار وانفعالات اكثر إرهاقا وقسوة.. وهكذا تظل تمنحني وتفرغني بلا هوادة أشعر بحدتها معي .. بسكاكينها حين تنزع الافكار من رأسي، بقسوتها حين لا أتألم معها بالقدر الكافي.
بداخلي العديد من المشاعر المتناقضة لا يجوز أن يحملها بطل واحد طوال العمل ولا حتى عدة أبطال في عمل واحد.
أنا دوما في حاجة للمزيد من الأبطال والأحداث… أنا في حاجة دائمة للتخلص من تلك المشاعر السيئة أولا بأول
هل تتخيل كم الفظاعة التي أشعر بها حين لا أتمكن من إفراغ مشاعري بصيغة مناسبة، … أنا أكتب لأتخلص من شرّي وغضبي وكراهيتي للكثيرين وربما أنا من ضمن المكروهين إن لم أكن أولهم.
أنا أكتب القصص كي أصنع شخصا مقربا لأتحدث معه. أنا أكتب القصص لأتخلص من نفسي، لأعرّي روحي وأتخفف منها، أكتب القصص ﻷروي أحلامي وأفعالي السيئة التي لا أحكيها لأحد، أكتب القصص لأصنع أشخاصا طيبين يتقبلون قبحي وعصبيتي أو حتى ليعاقبونني عليها لا يهم، المهم أن أحرر الغربان التي تنعق طوال الوقت في رأسي ولا تكف، أكتب القصص كي أطرد روحي الفاسدة أو لأحاول أن أستبدلها بأخرى، ،أكتب القصص القصيرة لأنني في حاجة للتخلص من روحي أولا بأول.