لنتخيَّل أنني النزعة التدميرية

لنتخيَّل أنني النزعة التدميرية
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

أشرف يوسف

وجوه يناير(1)

 نحن مشعلو الحرائق في العقائد واللغات، نحن لا أبطال ولا مثاليون، نحن هواة الحضيض الذي ضرب الأرض تحت قدميّ امرأة أحببناها كلنا، هي امرأة الجميع دون تفرقة بيننا في حبها لأحد أو حب أحدنا لها هي المرأة المرآة.

 

 

هي المرآة الشجرة التي نزغلل بها أعينًا لقراصنة بقطعٍ صغيرة من الشظايا عندما نكسرها في الأرض ثم نجري للمِّها واحتضانها في قبضة اليد الواحدة لنرفعها عالية في اتجاه الشمس حتى لا نصير هدفًا سهلا للقناصين القحايب أولاد الخنازير الهرمة. ويسقط رصاص المسدسات بعيدًا بعيدًا عن رؤوسنا التي تلعب الآن لينطلق جيش من الجرذان المشتعلة من شاشة مثبتة فوق مجمع التحرير لتؤكل المدينة.. تؤكل تؤكل.. لسنا منشغلين بالزمن فلتؤكل وخلاص، حتى يقال إننا فعلنا مرة في خرابنا شيئًا له أنياب صالحة وحرائق مفيدة للخلاص.

نحن مرتدو البناطيل الجينز وضاربو السرنجات ومحبو المزيكا والصخب، نمد الأرض بالفوضى عندما تضرب أرجلنا الهشة كالحيوانات الأليفة في جنة الأب والأم لإنقاذ روح مدينتنا من النسخ والنساخ، صرنا نظهر كالنعاج المتشابهة في الشجرة المرآة.

نحن شحاذو السجائر الفرْط من بعضنا بعضًا، وضاربو ساندويتشات الفول والفلافل في السكك، وفي راحة بين جولتين في معركة سقط فيها شبانٌ وشابات، وزعم الكهنة في التليفزيون أنهم ذاهبون إلى نعيم في السماء، وهذا كافٍ. نحن الهاربون من نيتشة إلى لاكان ومن الخفة إلى الثقل ومن الثقل إلى الخفة، ندير ظهورنا للبحر فرادَى وجماعات، ولا نريد شيئًا سوى الخراب فلتؤكل المدينة… تؤكل تؤكل.

نحن مقبلو العشاق والمثليين والعصاة بالتساوي في الساحات وفي الشوارع الخلفية لإعداد مانيفستو البيبسي والخل لإيقاف قنابل الغاز بالضحكات الهستيرية والنكات وسبِّ الدين لكل تلك الوجوه المخيفة التي جلبت لنا الخراء.

نحن مجربون فاضرب عدوك بي في ركوب الموتوسيكلات البخارية لإحضار السبيرتو والأقطان وأعواد الثقاب لنطلق ثورة المولوتوف في الهواء.. الهواء الهواء.

وجوه يناير (2)

لا تُلقِ بالحجارة.. انتظر حتى نتجمّع في نقطة فنحن قلة وضعاف وصغار وحلم تجزأ إلى لقطات متقطعة كأنه شبه نائم وممدد فوق سرير محاط ببقايا زبالة يومه الفائت وكأنه شبه نائم بلا شيء يراه ويصدق أنه رآه ولم يكن جزءًا من خيال ولم ‘نتذكر أنه حلم’ .

لا تلقِ بالحجارة وأنت تدخن سيجارة وتغمز لفتاة حلوة سمَّت نفسها مشيئة في لحظة حب مرَّت مع رجل وعبرت إلى أول طريق صادفها لتموت مصادفة، ولا دخل لثوانٍ مضت قبل تلك الثواني في مسار الأحداث، فالمصادفات لها أثر السحر لو ماتت منتحرة من فوق قمة جبل سيكون للروح مدار للتحليق لم تنله وهي حية عن جدارة فاتت مستحقيها.

لا تلقِ بالحجارة يا أخ.. نحن مسالمون مسالمون لنداري التطوُّح الذي يخفي رغبة قوية كالهيجان المصاحب لحلم متقطع بحبيبة قذرة وغائبة في الدم وأنخابه التي منعت عنا كمصاصي دماء طُرِدوا إلى النهارات الضائعة في الانتقال من كوكب الكيميا إلى كوكب الفودو.

لا تلق بالحجارة عليك أن تمد يدك لممرٍّ خفي إذا لمسته في موضع لصماء أن تخضع هي تحت لسانك مثل أي كلبة ذليلة تستجدي سيدها الكلب الذليل ألَّا يتوقف عن اللحس حتى يسري في أوصالها كمصمتة تيار صاعق لم تتوقع من حدوثه أن ينفض ما تبقى من سنوات شيخوختها وتعود بين يديك شابة نضرة لتُلقَى هي وتُلقَى أنت في ذات الوقت في الهواء.. الهواء الهواء.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

شاعر مصري

 من ديوان (مقهى صغير لأرامل ماركس) ـ صادر مؤخرًا عن دار العين 

مقالات من نفس القسم

علي مجيد البديري
يتبعهم الغاوون
موقع الكتابة

الآثم