تعددت وسائل الدعاية والإعلان عن المطبوعات داخل المعرض… مئات الإصدارات الجديدة، بعضها نال حظاً كبيراً من الدعاية سواء عبر المطبوعات الثقافية أو عبر ما حصدته من جوائز، أو عبر شهرة كاتبها نفسه باعتباره صحفياً أو إعلامياً أو.. أو… وبعضها – الكثير منها – لم ينل نفس الحظ..
هذه الكتب التي لم تنل نصيباً من الحظ، سعى مؤلفوها أيضاً لإبرازها عبر وضع بوسترات ضخمة أو توزيع منشورات دعائية على بوابات المعرض.. بعض البوسترات تشبه إعلانات ألبومات تامر حسني، والبعض غلب عليه الرصانة وحمل شعار مؤسسة ثقافية ما.. بالمرور على سور الأزبكية أسمع البائع ينادي: مصطفى محمود بخمسة جنيه ..رضوى عاشور بخمسة جنيه
بعدها بقليل بائع آخر يمر، يبيع أعلاماً مصرية ولعب أطفال: معايا العلم باتنين جنيه.. معايا البغبان باتنين جنيه!
الندوات التي مررت عليها كانت في الأغلب شبه فارغة إلا من القليل من الأصدقاء… تساوى في ذلك ندوات الكتاب الشباب مع المتحققين… ربما كان هناك ندوات حظيت بحضور أكثر لم أرها.. لا أدري ولا أدعي أنني رأيت كل شيء..
أعود لأفكر في هذا الكتاب الذي يرغب صاحبه في جذب القارئ لشرائه عبر طمأنته أنه : خال من الجُمل .
ظني أن القارئ لن ينخدع بالعبارات التي تريد أن تجعل منه شخصاً “هزؤ”، ولا بالبوسترات الضخمة، لكن هذا أيضاً لا يعني أن القارئ منزه دوماً عن الخديعة… الخديعة الممنهجة أحياناً والتي تتم عن طريق الإلحاح… والزن ع الودان الذي هو أمرّ من السحر.
مثقف عميق
قلت: أحب جبران خليل جبران كثيراً
أجابني: أنا أفضل من جبران، أنا قرأت له وهو لم يقرأ لي!
دار الحوار بيني وبين أحد الزملاء، منذ زمن بعيد بينما كنا طلبة في الكلية، نتجمع حول كتاباتنا المقدسة… نراها مقدسة لأنها تحمل بعضاً من صدق أرواحنا.. من موقفنا تجاه هذا العالم الذي يزداد غربة وغرابة كلما ازداد اتساعاً.
ربما كان يمزح وقتها، لكني ظللت أعتقد دوماً أن المعرفة قوة… معرفة الجيد والرديء على السواء، أقوى كثيراً من التجاهل والإقصاء.
بحكم الوقت لن تستطيع أن تتابع كل الموجود، لكن هل الرغبة في المتابعة أصلاً لا تزال موجودة ؟
هل مازلنا نقرأ بعضنا البعض – ولا أقول الأجيال السابقة أو اللاحقة – من أجل المتعة الأدبية الخالصة؟ أما يزال هذا متاحاً في ظل وجود ذلك الكم الباذخ من الإصدارات؟
أم أن المشتغلين بالثقافة لا يقرأون إلا لهدف… سأقرأ كتاباً لأكتب عنه مقالاً أو لأناقشه في ندوة.. ثم حين يأخذني الوقت أقرأ صفحتين على عجل في الطريق وأكمل كلامي بالحشو المعتاد، والأفكار العامة الفضفاضة، لتمر الندوة بسلام، ويا دار ما دخلك شر! أم أكون أنا المثقف الفصيح الذي لا تخلو منه الندوات منذ بدء الخليقة والذي لا يستحي أصلاً من عدم القراءة، ولا يرى حرجاً في أن يبدأ حديثه بقوله: أنا ماقريتش الكتاب بس شايف كذا وكذا وكذلكهم….
البعض أصيب مبكراً بأعراض الانتفاخ المعنوي، ولم تفلح معه العلاجات الطبية ولا الشعبية… أصيب بالانتفاخ ثم انفثأ.
والبعض كلما زادت قراءاته ازداد شعوراً بأن هناك الكثير والكثير، لايزال لا يعرفه.. أحد معوقات المعرفة – كما قرأت في كتاب عن صعوبات الدراسة – هو أنك لا تعرف ما الذي لا تعرفه
you don t know what you don t know .
والبعض يتشبث بهذا الجهل في مواجهة الآخر كوسيلة أصيلة من وسائل الدفاع عن الوجود، إذ ما فائدة ان أعرف حجم ضآلتي الشديدة في هذا العالم بينما أستطيع دائما تضخيم إنجازاتي.
هكذا يتم تبادل الكتب كجنود تتبادل الأماكن على رقعة الشطرنج الكبيرة بنظام ..نظام يندر أن يتم اختراقه ..ثم بعد أن تنهي مهمتها تركن بسكون على حافة الرقعة …