لعبة العروش ونسبية الخير والشر

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام
 محمد أبو عوف يعد مسلسل "لعبة العروش" من أكثر المسلسلات مشاهدة على مستوى العالم في الآونة الأخيرة، المسلسل ينتمي لمدرسة الفنتازيا، استطاع المؤلف الاستفادة من أجواء العصور الوسطى وعصور ما قبل الميلاد في أوروبا ومزجها بالخيال فهناك الملوك والأمراء والفرسان والحروب، لكن كذلك نجد تنانين مجنحة، وأناس يموتون ويبعثون من جديد، والسائرون البيض، والغربان المعادل الموضوعي للموت فأينما حلت الغربان حل الموت. ولعبة العروش ليس فقط مسلسلا مسليا به من الدراما والحروب والجنس ليمتع المشاهد، لكنه يحمل أبعادًا أخرى أكثر عمقًا، فالشخصيات تبنى بناءً دراميا حجر تلو الآخر، يتغير فعلهم ورد فعلهم حسب الموقف، كما أن هناك بعض الشخصيات شر مطلق، وشخصيات شر مطلق، فرامزي بولتون وأبوه وجوفري لانيستر ووالدر فراي (قاتل روب ستارك) هم شر مطلق، لا يتنازع الخير والشر داخلهم، وهناك شخصيات بها خير مطلق، مثل عائلة ستارك. لكننا نقف أمام بعض الشخصيات التي تتحرك بين الشر والخير، ويظهر الجانب الإنساني فيها بين حين وآخر، فهذه سيرسي لانيستر، تعيش بمبدأ الغاية تبرر الوسيلة، مثل أبيها، والهدف قد يكون نبيلًا في بعض الأحيان وهو الحفاظ على الأسرة ونسلها، وقد خذلها ابنها جوفري عندما تحول لوحش بعد صعوده للعرش، لكن يظل حبها لابنتها التي أرسلها تريون لانيستر بعيدًا هو الذي حركها كثيرًا، فغريزة الأمومة قوية، كما أنَّ علاقتها بأخيها جيمي لانيستر هي علاقة محرمة في بلدتهم لكنها حلال في بعض البلدان الأخرى ودافعت بالمنطق عن هذا فزوجها روبرت براثيون يضاجع العاهرات فقط، وهي أحبت أخيها وقالت "لو كنت أعيش في قلعة أخرى ما كنت سأخفي علاقتي به". الهاي سبارو، رجل الدين الذي يسعى للسيطرة على المدينة من خلال تنفيذه لوصايا الآهلة، كما يزعم دائمًا، لكنه يسعى للسيطرة الروحية على المدينة حتى أن الملك لا يستطيع مراجعته، نموذج قديم وتقليدي عن رجل الكنيسة في العصور المظلمة الأوروبية، ظاهره الخير وباطنه كل الشر. كما أن تايوان لانيستر، هدفه الحفاظ على العرش وعلى نسل العائلة، فهو في حكم السياسة، سياسي محنّك يستطيع الوصول لأكبر المكاسب، فهو الذي يريد إبعاد تريون عن العاصمة، وجاءت تهمة قتله لجوفري على طبق من ذهب، لكنه لا يلعب السياسة بأي شرف فهو الذي اشترى والدر فراي لقتل روب ستارك في حفل زواج ابنته لينهي الحرب. لكن ظهر الجزء الإنساني في شخصيته في بعض المشاهد بينه وبين أريا ستارك عندما كانت تخدمه فهو يكره الوحدة، ويحب الكلام أحيانا لكن حذره لا يتركه، فهو يسأل أريا أسئلة يريد منها معرفة حقيقتها، لكن المحاورات التي كانت تجري بينهما في العموم بها جزء كبير من الإنسانية، فهو بشر في آخر الأمر. أما عن تريون لانيستر (القزم) فهو من أبرز الشخصيات طوال الستة مواسم، فهو العربيد السكير الذي يهوى العاهرات وأحب اثتنين منهما، لكنه أيضًا لم يستغل سانسا ستارك، وترك لها الحرية في أن يقيم معها علاقة جنسية، ولم يخنها، لكنه القاتل الذي قتل والده وحبيبته العاهرة عندما شهدت زورا أثناء محاكمته، هو الذي يبحث عن مدينة حكم عادل يقدِّر عقله وثقافته فهو نهم القراءة غزير المعرفة، قاد الجيوش لصد هجوم ستانيس براثيون، فهو يبحث عن الشخص الذي يستطيع أن ينظر إلى عقله وليس إلى عيبه الخلقي كما عايرته أسرته دائمًا واعتبرته وصمة عار على الأسرة فقد توفيت أمه أثناء ولادته وقد حمّله الجميع هذا الذنب. كما أن المسلسل عندما انتقل إلى "كاليسي" فهي التي تحاول الوصول لعرشها لأنها الوريثة الشرعية لعرش أبيها، وتريد أن تحكم بطريقة معينة تريد عالما خالٍ من العبيد، كل يقرر مصيره، لكن ليس هكذا تجري أمور الحكم، فتمرد عليها الكثيرون، وتجار العبيد مولوا التمرد وأرادوا بعث الفوضى، لكن التنانين أنهت الصراع لصالحها. فهي تقتل لكن ليستقر الحكم، غضبت من مورمونت لأنها خانها وأرسل أخبارها إلى روبرت براثيون رغم حبه لها، لذلك عفت عنه في النهاية لأنه لا يريد إلا أن يعيش في خدمتها. ظهرت خبرتها القليلة في السياسية عندما زاد التمرد عليها، واستطاع اللورد فاريس أن يصل للمدبرين ويعرف خفايا الموضوع عن طريق عصافيره، فالأمور في العاصمة تجري بشكل مختلف، وخبرة فاريس في السياسة تفوق خبرتها. لكن شخصية "كاليسي" وتطورها ونموها من الطفلة التي يبيعها أخوها إلى الـ"كال" حتى يأخذ جيشه ويستعيد العرش المسروق، إلى الملكة التي تحكم الإمبراطوريات، والتي لا ترحم من يخونها أو يهينها، وهي المرأة مع داريو خادمها وعشيقها الذي أحبها حقًا لكنها ضحّت بهذا الحب من أجل الوصول لهدفها الرئيس وهو العرش. لورد بيليش ملك الغدر في المسلسل، فهو الذي أحب سانسا ستارك، وساعدها بجيش كامل في حرب جون سنو ضد رامزي بولتون، لكنه قتل زوجته حتى يحكم قلعتها وحده ويكون وصيًا على ابنها، فرغم أنه قواد، وجل ماله من بيوت الدعارة، إلا أنه لا يستطيع أن يمنع نفسه من الحب، فهو بشر أيضًا، وهو من قتل جوفري، لكنه أنقذ سانسا وقتل الرجل الذي هربّها من العاصمة. فهو يعتبر الأذكى في المسلسل، من يستطيع أن يحافظ على حياته أطول فترة ممكنة، في مسلسل يقتل أي شخص لأي سبب وبأي طريقة. وعندنا وقفة خاصة عند جيمي لانيستر، وبراين أوف تارث فهي قصة الحب الأعظم بين فارسة لا تريد أن تعترف بفروسيتها أبدًا وكانت مهمتها في الأساس تسليمه إلى آل ستارك سالمـًا وإقامة تبادل بينه وبين ابنتي ستارك (سانسا وأريا) لكن في نهاية الرحلة ومع قطع يده تبدأ العلاقة بينهما تتطور جيمي يشعرك في بعض المشاهد بحبه لها، وفي بعض المشاهد أنه مجرد احترام لها، بينهما هي فواقعة في حبه حتى  النخاع، جيمي لانيستر وقع في الفخ بين براين وسيرسي، فلو علمت سيرسي بأنه يحب أو يعجب ببراين فلا أحد يضمن ردة فعلها، وهي التي قتلت الجميع حتى تنجو بنفسها ونصبت نفسها ملكة للعاصمة. المثير للدهشة طوال المسلسل هو التردد بين منطقتي الخير والشر، فكاتلين ستارك ظلمت جون سنو كثيرًا تتردد هل هو شر منها، أم أنها غريزة المرأة وأن جون دائمًا يذكرها بخيانة زوجها لها؟؟ قتلت زوجة والدر فراي في لحظة غابت فيها عن الوعي وهي ترى ابنها روب يُقْتل، سانسا ستارك لتنجو بحياتها وقد رأت خطورة لورد بيليش شهدت زورًا لصالحه في تهمة قتل خالتها، لورد فاريس يحاول الحفاظ على الممالك السبعة من وجهة نظره فتارة ينصح نيد ستارك بأن الفرصة حانت ليتولى أمور الحكم بعد موت روبرت براثيون، وتارة يهرب إلى كاليسي لأنه يرى فيها المنقذ من الحروب الداخلية. ومليساندرا، التي حرقت وقتلت وأغوت كثيرا من البشر ظنًّا منها كما تزعم أن ستانيس براثيون هو الخليفة الموعود كما أراها إله النار، تفعل ذلك بشكل يجعلك تصدق بإلهها وأنها تسير بشكل سليم، لكن بعد حرق ابنه ستانيس، تبدأ نظرتك للأمور تتغير وتشعر أنها على خطأ لكن سحرها يعيد جون سنو للحياة مرة أخرى، فترتبك مرة أخرى، هل هي كاذبة أم صادقة، هل هي شريرة أم تفعل ما تؤمن به حقًا. الارتباك في مسلسل لعبة العروش هو العامل الرئيس لشد الانتباه، وعدم التوقع، فتتوقع أحداثا لا تحدث، ولا تتوقع أحداثا فتحدث يقتل الناس بغتة أمامك، وتظهر الشخصيات الجديدة أمامك فجأة أيضًا. وإضافة لهذا فإنني لم أرَ الصراع خلف الجدار في الشمال إلا إسقاط سياسي على صراع الأمريكان الأوائل مع الهنود الحمر، والحديث عن الأحقية في الحياة، وملكية الأرض، ونظرة كل منهم للآخر، فالهمجيون يرون من وراء الجدار معتدون، والممالك يرونهم مجموعة من الهمج، حتى أنَّ جنود السور هم مجموعة من المجرمين في غالب الأحيان ومظلومين في أحيان أخرى مثل المجموعة الأوروبية التي سافرت إلى الأراضي الأمريكية بعد اكتشافها فكان معظمهم مجرمون. أما عن الأراضي خلف النهر فالأجواء شرقية في الملابس والصحراء والطقس والشمس الحارقة، فكأنك تشاهد تاريخ الكوكب أمامك بما قام فيه من حروب، وقتل ودماء وجنس. ننتظر جميعا الموسم السابع وفي تشوق لمعرفة ما سيحدث، هل جون سنو سيتولى العرش في النهاية؟ ما مصير سيرسي وجيمي لانيستر وبراين أوف ستارك؟ وهل سيتصارع جون سنو وكاليسي؟ كيف ستتصرف سانسا ستارك مع ليتل فينجر؟ وهل ستصل أريا ستارك إلى وينترفيل بأمان في النهاية؟ كلها أسئلة ننتظر إجابتها هذا العام.  ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ   قاص وناقد سكندري 

مقالات من نفس القسم