محمد فوزي
في أوائل عام 2007 كنت قد بدأت العمل سكرتير تحرير بجريدة الدستور الأسبوعية. كانت الجريدة في ذلك الزمان تشجع شباب الأدباء بنشر أعمالهم والاحتفاء بمنتجهم الأدبي إيمانا من رئيس التحرير، إبراهيم عيسى، بأن هذا أحد أهم أدوار الصحافة بجانب –طبعا- نقد السلطة. وكان هذا يتم بالتوازي مع إحياء فن الكاريكاتير الذي كان يوشك على الانقراض لعدة أسباب، ليس هذا مجال ذكرها.
كان المطلوب مني في المهمة الجديدة واضحا: متابعة الصفحات المتخصصة، بمعنى أن أكون حلقة الوصل بين ثلاث جهات، الإخراج الفني، مشرف الصفحة والتنفيذ.
النصيحة الأولى التى ما زلت أذكرها من رئيسي في العمل الجديد: لا تترك مساحة لمشرف الصفحة فى التعديل، التعديل يكون مرة واحدة فقط، وهذا يقتضي، طبقا لأوامر رئيسي، الحسم الشديد وإقامة حاجز وهمي مع المشرف، بحيث لا يتجرأ ويطلب أي شيء بمجرد تسليم الصفحة.
انطلاقا من هذا، كنت أتدرب طوال أيام الأسبوع على التكشير، لا أعلم بصراحة العلاقة بين التكشير والحسم!
في إحدى المرات كنت أراجع البروفة النهائية لصفحة الصحافة مع العزيز الراحل أستاذي وصديقي خالد السرجاني، رحمه الله رحمة واسعة، -بقدر ما أسهم في تثقيف معظم أبناء جيلنا- وبالصدفة كان يمر بجوارنا الأستاذ إبراهيم عيسى، وفجأة توقف وهلل ابتهاجا بقدوم ضيف كان لتوِّه على عتبة الجريدة: أهلااااا بأديبنا الكبير الرائع. التفتُّ لأرى مَن هذا، كان شابا نحيلا، مهندما، وعلى وجهه ابتسامة غامضة كشاب راح يتقدم لفتاة وأدرك من لقاء أبيها أنه نال المراد. تقدم الشاب نحو رئيس التحرير بخطوات مترددة، ما إن اقترب منه حتى نادى رئيس التحرير: يا فوزي.. فين صفحة هدوء القتلة.
عرفت أن هذا الشاب هو الكاتب، جرت عيني سريعا على سطور الحلقة الأولى، ولشدة ما أعجبتني، طلبت من المنفذ أن يطبع صفحة إضافية حتى أقرأها بعد انتهاء العمل.
خمس وعشرون دقيقة بالضبط كانت المدة التي استغرقها صاحب “هدوء القتلة” لمراجعة البروفة، وكانت الأخطاء لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة.
تابعت صدى العمل الذي قرأته بالكلمة، وسرني إشادة قراء الجريدة به مع بعض الإشارات والملاحظات عن غرائبيته. ثم تابعت في صمت حزين، ما أثير من اعتراض عقب إعلان فوز الكاتب بجائزة الدولة التشجيعية، وكان السؤال الذي طارد سذاجتي القروية: لماذا يكره بعض الأدباء بعضا؟
منذ هذه اللحظة أصبح طارق إمام، عندي أديبا شابا استكثر بعض زملائه أن يفرح بتقديرٍ ما -بعض النظر عن الجهة- على موهبته وجودة عمله الثاني.
باعدت بيني وبين طارق أيام وسنين، حتى التقينا ثانية بصحبة (حسن عبد الموجود- أحمد شافعي- أحمد عبد اللطيف- هشام أصلان)، فكان الاكتشاف الثاني.
كنا نلتقي وفي وسط الحديث عن الأدب والأدباء، ينطلق صوت طارق بأغنية لعمرو دياب تلخص أو تحاكي ما نتحدث عنه.
طارق لا يغني، طارق يستغرق كليا في الغناء، يتماهى مع ما يغنيه، ثم يتوقف فجأة ليرشدك إلى جمال وروعة لفظ أو عذوبة جملة موسيقية.
عندما أخبرني الصديق العزيز محمد أبو زيد، بأن طارق إمام هو بطل ملف الكتابة الجديد، زال حزن الماضي وشعرت بأن هذا الملف ربما يكون تحية واجبة، وإن كانت متأخرة، لأديب نابه وكاتب كبير وصديق يؤنس ليالينا بصوته الشجي.
شكرًا لوجودك يا طارق