لا طَعْمَ للموتِ إن ذهبتَ إليهِ وحيدًا

فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

مروان ياسين الدليمي

أَحْمِلْنِي كَغَيْمَةٍ

لَا تَعْرِفُ السُّقُوطَ،

وَأَسِيرُ فِي صَمْتٍ يُشْبِهُ مَذَاقًا لَمْ يُوجَدْ.

 

المَوْتُ…

جِدَارٌ بِلَا صَدًى،

يَتَّكِئُ عَلَى فِكْرَةٍ مَخْمُورَةٍ،

تَنْتَظِرُ مَنْ يُسْقِطُ المِلْعَقَةَ فِي الطَّبَقِ.

 

مَا مَعْنَى أَنْ تَمُوتَ،

وَلَا أَحَدَ يَحْمِلُ اسْمَكَ بَيْنَ أَسْنَانِهِ؟

أَنْ تَنْسَحِبَ كَظِلٍّ،

لَمْ يَكُنْ يَتْبَعُ شَيْئًا؟

 

الوَحْدَةُ تُقَشِّرُ المَوْتَ،

كَفَاكِهَةٍ فَاتِرَةٍ،

لَا حَلَاوَةَ فِيهَا،

وَلَا مُرَارَةَ تُذْكَرُ.

 

يَصِيرُ الرَّحِيلُ لُغَةً مَقْطُوعَةً،

وَالأُسَرُ…

تَمْتَلِئُ بِنُسَخٍ مَنْقُوصَةٍ لِجَسَدٍ،

لَمْ يُشَارِكْهُ أَحَدٌ فِي اسْتِعَارَةِ آخِرِهِ.

 

لَوْ كَانَ لِلْمَوْتِ شُرْفَةٌ،

لَرَأَيْتَ فِيهَا الوَحْدَةَ،

تُلَوِّحُ لِلرِّيحِ،

وَتُغْلِقُ البَابَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ أَحَدٌ.

 

كَيْفَ تَكُونُ نِهَايَتُكَ،

خَالِيَةً مِنَ العُيُونِ،

الَّتِي تَبْكِي مَا لَا تَفْهَمُ،

وَالأَصَابِعِ،

الَّتِي تَلْهُو فِي شَعْرِ الغِيَابِ؟

 

المَوْتُ وَحْدَكَ،

 

مِثْلَ كِتَابٍ يُقْرَأُ لِنَفْسِهِ،

وَلَا يَنْتَهِي.

 

لَا أَحَدَ يَشْهَدُ التَّلَاشِي،

سِوَى نَفْسٍ تَنْظُرُ فِي اتِّجَاهِهَا،

كَمَنْ يَسْتَفْهِمُ وَهْمًا.

 

المَوْتُ بِدُونِ وَجْهٍ يُرَافِقُهُ،

يُصْبِحُ مُجَرَّدَ تَفَكُّكٍ فِي لُغَةِ المَشْيِ.

لَا أَثَرَ يُخَاطِبُ الرَّمْلَ،

لَا كُوبَ قَهْوَةٍ بَارِدٍ يَتِيمٍ عَلَى طَاوِلَةِ الِانْتِظَارِ.

 

مِنْ دُونِ أَصَابِعَ تُغْلِقُ العَيْنَ،

يَكُونُ المَوْتُ سَاهِيًا،

كَمَنْ ضَيَّعَ نَفْسَهُ،

فِي سِرْدَابِ نَوْمٍ طَوِيلٍ.

 

وَأَنَا…

أَجِدُنِي أَعْبُرُ بَيْنَ جُدْرَانٍ لَا تَرْتَدُّ،

كَأَنَّنِي صَدًى لِرَغْبَةٍ لَمْ تُقَلْ،

وَلَا يُرِيدُ أَحَدٌ أَنْ يَتَبَنَّاهَا.

 

هَذِهِ النِّهَايَةُ،

مَكْتُوبَةٌ بِخَطٍّ نَسِيَ البِدَايَةَ،

وَأَنَا أَمْلِكُ رُوحًا،

تَقِفُ أَمَامَ بَابٍ مُغْلَقٍ،

وَلَا تَطْرُقُ.

 

رُبَّمَا كَانَ المَوْتُ،

يَحْتَاجُ وَجْهًا يَنْظُرُ نَحْوَهُ،

لِيَشْتَعِلَ.

 

رُبَّمَا نَحْنُ مَنْ يَسْقِيهِ نَكْهَتَهُ،

نَضَعُ فِي فَمِهِ الرَّغْبَةَ،

لِيَبْدُوَ وَاقِعًا،

لَا مُجَرَّدَ نُقْطَةٍ فِي حَاشِيَةِ الغِيَابِ.

 

لَكِنَّنِي أَرْتَابُ،

مِنْ مَوْتٍ يَمُرُّ فِي الظِّلِّ…

 

لَا يَتَعَثَّرُ بِكُرْسِيٍّ،

وَلَا يَسْقُطُ مِلْعَقَةً فِي طَبَقٍ فَارِغٍ.

كَيْفَ يُمْكِنُ لِلْأُفُولِ،

أَنْ يَكُونَ مُخْفَيًّا،

فِي جَيْبٍ صَغِيرٍ مِنْ “لَا أَحَدٍ”؟

 

لَعَلَّ المَوْتَ وَحِيدًا،

لَيْسَ نِهَايَةً،

بَلْ مُجَرَّدَ “لَا شَيْءٍ”،

لَمْ يُلْفَظْ.

 

فِي آخِرِ المَشْيِ،

لَا صَوْتَ يُنَادِينِي،

سِوَى خُطْوَتِي،

تَسْتَدِيرُ نَحْوَ صَدَاهَا،

وَتُصَفِّقُ لِلْفَرَاغِ.

 

هُنَاكَ،

فِي النُّقْطَةِ الَّتِي يَكْفُرُ فِيهَا الجِسْمُ بِاسْمِهِ،

أَتَرَاجَعُ،

لَا خَوْفًا،

بَلْ لِأُتِيحَ لِلْعَدَمِ،

فُرْصَةً أَنْ يُفَكِّرَ مَرَّتَيْنِ.

 

أَمُدُّ يَدِي،

فَلَا تُمْسِكُ شَيْئًا،

غَيْرَ هَوَاءٍ يَتَنَكَّرُ لِأَصَابِعِي.

أَقُولُ فِي سِرِّي:

لَيْتَ أَحَدًا كَانَ هُنَا، لِيَسْأَلَ: “هَلْ مُتَّ؟”

فَأَصْمُتَ…

كَمَنْ فَهِمَ السُّؤَالَ،

قَبْلَ وُصُولِهِ.

 

مقالات من نفس القسم