شارع السوق العموميّ حيث نبَتَتْ روحُ المدينة ملتصقةً بموتِها، الآباءُ المؤسسون تاجران وسمسار وعاهرة وشيخ، هم أعمدةُ الشارع الراسخة بينهم مسافاتٌ تحفظُ البناءَ متماسكًا، ثم ينفرطُ عقدُ الكبار واحدًا وراءَ الآخَر ويدورُ الزمانُ على تركتِهم المعطوبة فتتفسخَ الجدرانُ ليسكنَ الموتُ البطيءُ شقوقَها ويلتهمَ الأبناءَ المغيبين حامد ومجدي وناصيف وهند، إما ضحيةً للفشل السياسي أو لاختياراتٍ متطرفة أو ضحية لمظلوميةٍ متجذرة وشبقٍ مازوخيّ.
من يقتلُ مَن؟ هل الحياةُ ضحيةُ البشر أم البشر هم ضحيةُ الحياة؟ سؤالٌ من ضمن أسئلةٍ كثيرةٍ تُفجرُها أحداثُ الرواية التي تلعبُ برشاقةٍ سرديةٍ على حبالِ الهزيمة النفسية والفتنةِ الطائفية وفساد المحليات والإرهاب، وتسائلُ الاختياراتِ التي تكلفُ الإنسانَ نفسَه حين يبيعُ شيئًا ما في صفقةٍ لا ينتبهُ لحقيقتِها ثم يجلسُ على أنقاضِ الخرابِ يلومُ الذين باعوا أو استسلموا، في مكانٍ يقوم على البيع والشراء والمواءمة بين الربح والخسارة تتكشفُ انحيازاتُ كلِّ شخصية ورؤيتها لما يمكنُ التضحيةُ به في مقابل الفوز، ولكن لا يدعُ الراوي أحدًا يفوز، الأصدقاء يتفرقون والإخوة يبتعدون والسادة يذلون والأراذلُ يعلون إلى حين، حتى عم سعد الضمير والحقيقة يحصدُه الموتُ في جنازةٍ صغيرة تمُرُّ دون أن تلفتَ انتباهَ الحياة الطاحونة التي تسيرُ رغم كل شيء.
في حواراتٍ بالغة الدلالة والقوة يُعَرِّي وائل شخصياتِه ويصنعُ بينها حالةً من ألفةِ المصير الواحد، ويكشفُ عن وعيٍ شديد بالخلفيةِ الاجتماعية والنفسية لكل شخصية والحوارُ الذي دار بين هند ومازورة يصلُ بالروايةِ إلى أوجِ حُسْنِها وتميزِها، خاصةً وقد اعتمدَ الحوارُ لغةً أقربَ إلى الموسيقى التي تعلو في خلفيةِ مشهدٍ متوتر فتنقل الإحساسَ إلى المستمع المترقب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
روائي وشاعر مصري