لا شئ يحدث هنا .. رحلة في شوارع المدينة

موقع الكتابة الثقافي writers 81
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

في روايته الأولى المبشرة للغاية يأخذنا ( الشاعر ) وائل ياسين في رحلة استكشافية بديعة عبر جيلين من الأبطال ، تأتي المفارقة من كونها بعكس الرحلات ليست إلى الخارج كما أنها ليست للداخل الإنساني أيضًا فحسب ، وإن ظلت تعرية هذا النقصان والسقوط الإنساني جانبًا من أهم جوانبها إلا أنها أيضًا رحلة إلى واقعنا الحديث في السوق الكبير في الشارع العمومي في المدينة  بكل ما في السوق والشارع والمدينة من دلالات.
فبالرغم من أن وائل ربما تعمد التخفف من شعرية اللغة التي جاءت في أغلبها سلسة وبسيطة دون تفريط في المحسنات والبلاغيات حتى وإن غلبه كونه شاعرًا بالأساس في بعض المواضع ، إلا أن شعرية الترميز والدلالات المتعددة تظل حاضرة بكل قوتها لتضفي أبعادًا جديدة ومساحات مختلفة للتأويل ، كما أنه تعمد ربما بشكل سلبي أحيانا التنويع بين تكنيكات الراوي.
بدءا من تعدد الرواة ، وحتى المزج بين الراوي الإله العليم الفاعل أحيانا وبين الراوي الراصد فقط أو عين الكاميرا كما يحب البعض تسميته مما ساهم في الأخير في فتح مجالات التأويل على مصراعيها ،

بداية من العنوان الذي لا يمكن قراءته دون تذكر (كأنما لا شئ يحدث في شيلي) قصائد بارا المضادة للشعر  ،
ربما يصلح هذا المدخل كأحد المداخل المتاحة لقراءة الرواية ، يمكنني القول أنها رواية مضادة أيضًا ، فعبر جيلين متتابعين لا يمكنك تمييز بطل للرواية بشكل حاسم بالطبع يمكن القول أن حامد بكونه (واحد من الرواة) وبدوره الكبير في الأحداث هو البطل بلا شك ، ولكن ماذا عن مجدي ، ماذا عن هند بل وماذا عن مازوره بقواه وسيطرته ومشهده الحاسم مع هند !

وحتى لو سلمنا بكون حامد هو البطل ، يظل بطلًا مضادًا سالبًا ، ليس نبيًّا مهزوما جديدًا أو بالأحرى هو تنويعة جديدة على النبي المهزوم ، إذ لا تأتي هزيمته فقط من الكافرين بنبؤته في مجتمعه بل من رفقاءه كذلك والأهم هنا أنها تأتي من داخله من نقصه البشري من مخاوفه وهواجسه وضعفه من سقوطه بالتحديد ،

السقوط هنا ليس بمعناه الأخلاقي بالطبع وإنما بمعنى الانحدار إلى هاوية من الفشل والتعاسة هو المدخل الأهم الذي اختاره وائل ليضعه في الاستهلال على لسان (عم سعد) أحد الرواة

تتوالى الإشارات والأحداث بحرفية عالية وبتماسك درامي ودون خطابية زاعقة حول تعرية  السقوط / الفشل / الفساد بدءا من سقوط المحليات ، الشرطة ، الأحزاب ، رجال الدين ، التجار والسماسرة (في إشارة لرجال الأعمال )  السوق والمدينة ككل وحتى السقوط الفردي للشخصيات والأبطال ، دوما هنالك نقص ما أو جرح ما يخلقه وينكأه وائل ببراعة ليعري ما هو بشري فينا ،

هند مثل أمها تنحدر في شهوتها وتقصيرها مع الأم في مرضها الأخير ، الشيخ الأزهري يقع في سحر المدينة والتجارة وعدم القدرة على التصدي لطوفان التطرّف ثم يأتي إبنه مجدي ضحية أوهامه وعدم جدارته بشئ فيصبح فريسة للتطرف القادم ،
حتى هذا التطرّف ممثلًا في الشيخ وهبة يصطدم بعجزه وتناقضه مع حالة ابنة الأخت العصية ، ناصيف يواجه ضعفه وانعدام ثقته بنفسه وطائفية المجتمع الجاثمة ،
صبحي الذي (لا يحب اللبخ) لكنه في انشغاله بشهوته يتغاضى عن لبخ مازوره في أواخر أيامه ،مازوره بدوره رغم القوة والسيطرة تعريه هند حرفيًا ونفسيًا في مشهد بديع وتكشف سقوطه ويكتمل سقوط صبحي في خيبة أمله في إبنه الوحيد حامد
بطلنا المفترض الذي تظل هزيمته وحيرته الملتبسة بين العام والخاص ، بين أحلام السياسة وشهوة المال والتجارة والنساء ، بين ساره رفيقة النضال وهند المرأة اللعوب الشهية وليلى الزوجة العادية الشكاكة ، بين ماركس وعم سعد ، وحتى بين مجدي وناصيف أصدقاء العمر والحشيش ، بين ضميره وعجزه في مواجهة حالة الأخت ، بل والأدهى بين نفسه ونفسه يظل هو ذاته غير متأكد (هل أرسل له حقًّا المناضل التاريخي رسالة من المعتقل أم أنه مقلب من أحد الأصدقاء)
يتجلى هنا في رأيي أهم أسباب سقوطه ، هو نفسه غير مؤمن بذاته
يظل هذا التردي هو الشغل الشاغل للرواية ، التي لعبت ببراعة على المزج بين السقوط العام وسقوط الأحلام الكبرى وبين هزائم الشخصيات الفردية والذاتية وكأنها في النهاية صرخة تنبيه أو استفاقة
كيف حدث كل هذا التردي وكأن شيئًا لم يكن
وكأنه ..  لا شئ يحدث هنا .

مقالات من نفس القسم