لا حياة لمن لا ظِلَّ له

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 22
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

البشير الأزمي

اِذهب حيث يقودك ظلك..

هذا الصوتُ يلاحقني كل لحظة وحين. أبحث عن مصدره، لا أحد قربي. من أين يأتي هذا الصوت؟ ألتفت ذات اليمين وذات الشمال لا أثر له. أرفع عيني إلى فوق، الشمس فوق رأسي غير بعيدة عني. لا أثر لحرارتها.. لا أثر لظلي. ليس لي ظل يقودني حيث أريد.

” من لا ظل له لا وجود له”.

 هكذا كانت تردد جدتي وهي تخاطب أبي. أبي ينظر إلى جدتي وهي تتحدث إليه، يضحك ويضع يده على فمه ليخفي أسنانه المثرمة، وينظر إلى جدتي بعينين تائهتين.

” حياتي ليلٌ مستمر.. لا حاجة لي بالظل”.

تهمس جدتي:” الظل هو المنجى”، وتتابع:” هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون[1]

ويرد أبي:” أنا في حاجة إلى ظل الدنيا، أما ترينني أحترق؟”.

تستغفر جدتي الله وتصمت.

أغادر البيت، أسيح في شوارع المدينة. ألتفت يمنة ويسرة كل العابرين ترافقهم ظلالهم إلا أنا لا ظل يرافقني.. لا ظل يتقدمني. أشعر بأشياء بداخلي تفور. أصرخ، ينظر المارة صوبي وتستقر الدهشة على وجوههم. أتبادل وإياهم النظرات وأقتاتُ الصمتَ. أشعر بأن صمتي يخدش آذانهم. أُغمضُ عيني وأركضُ..  أراني أجري على صهوة حصان يخب وأصوات تنداح عميقاً حاملة لي يقين الضياع.

فتحتُ عينيَّ. قال لي من مَرَّ أمامي:” لا تزعج، أنت مجرد وهم وجودُك وعدمه سيَّان”.

لَفَّني الوُجُومُ والخوف.. حاولت الابتعاد عنه. ازداد اقتراباً مني. تفوح منه رائحة كشياط قطن احترق وقال وصوته ينداح عميقاً حاملاً اليقين:

” اليابانيون القدامى الذين كانوا مجبرين على الإقامة برضا أو إكراه في غرف مظلمة، اكتشفوا الجمال في الظل، أقِمْ أنت في غرفة مظلمة ستكتشف الجمال.. صمت لِوَهْلَة وكأنه يفكر بجدية في أمري  وتابع:” أنت لا ظل لك فلا حق لك في الجمال”.

لما ألفاني صامتاً فاغراً فمي، تابع قائلا:

” ابن منظور قال: يُقال للرجل إذا مات وبطل: ضحا ظله. يُقال ضحا ظله إذا صار شمساً.. وإذا صار شمساً فقد بطل صاحبه ومات. أنت لا ظل لك أنت مَيْتٌ.”

قبل حين لم يكن لي حق في الجمال، والآن أصبحت مَيِّتاً.  من لا ظل له لا حياة له.

قلتُ له:” كن خفيف الظل مرحاً، ولا تكن ثقيل الظل مزعجاً”، تنفستُ غضبي وبددته، نثرته أمامه، أَخرجتُ من جيبي علبة أعواد الثقاب، أَضْرمْتُ النار فيه وزففتُ أحلامي للموت، تركته ومضيتُ.

التفتُّ خلفي عَلَّني أرى ظلي يرافقني. تغيب الشمس.. تغيب الظلال..

أرفع رأسي وأُصَوِّبُ عيني إلى الأعلى. العتمةُ رابضةٌ فوق رأسي، أنظر إلى حيث موضع قدمي، ظلي يقودني في ظلمة الليل. الليلُ مساحةٌ للبَوْحِ.. أُغمض عيني فتنزف من ذاكرتي صورٌ متلاحقةٌ تَنِزُّ ألماً.. وأمامي وجوهٌ صَلْدَةٌ قاسية..

أَعركُ بهجتي..

أُطفئُ شوقي

أُحاصرُ هزيمتي

وأروي قلباً غارقاً في أغنية

لا يمل من الرقص

على نغماتها

في رتابة الليل..

والوحدة تلقي عليَّ ثقل الظلال..

……………………….

[1] – سورة يس الآية 65

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون