لا تكن ظلًا لأحد

فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

أميمة عز الدين

وداعا وإلى لقاء قريب. لما بلغنى الخبر تذكرت أبى وبكيت كثيرا، لم يكن محمد جبريل كاتبا عظيما وحسب، بل كان إنسانا راقيا بمعنى الكلمة، لا يحاول التقليل من كتابتك بل ينصت باهتمام بالغ ولا يحاول التلميح بكونك مجرد مبتدئ لا تفقه شيئا فى عالم الكتابة.

بدأت علاقتى بمحمد جبريل منذ أكثر من ثلاثين عاما، لأول مرة أحضر ندوته الأسبوعية بجريدة المساء.. يتحلق حوله الكثير من الكتاب والكاتبات.. يترك لنا حرية التعبير عما يجول فى عقولنا ويهتم بمعرفة أحلامنا؛ مشاريعنا فى عالم الكتابة، ويدعمها فى رفق بالغ وإنسانية لا مثيل لها، لا يحاول النيل من تهورك وتعصبك لكتابة عادية جدا بل يدعمك بقوله: القراءة قبل الكتابة.. اقرأ ثم اقرأ حتى يكون لك عالمك الخاص ومفرداتك التى تخصك ولا تكن ظلا لأحد وإياك والتقليد، أصابعك ليست متماثلة ونحن أيضا مختلفون.. اقرأ فى كل شىء.. لا تحرم خيالك من التزود بما تيسر من علوم وأدب وفلسفة.. حتى ما يقع من ورق الجرائد لا تهمله بل تصفحه لعل وعسى.

بدأت الكتابة بخاطرة بسيطة للغاية وساذجة؛ كنت أعتبرها قصة قصيرة حينها وكنت لم أتجاوز العشرين، وألقيتها فى ندوة جريدة المساء التى يقيمها الكاتب الكبير محمد جبريل الذى نبهنى إلى أن تلك الخاطرة لا تصلح لأن تنتمى لفن القصة القصيرة وعلى القراءة ثم القراءة حتى يمكننى التعبير جيدا عما يجول بخاطرى.

وبالفعل قرأت كثيرا حتى كتبت أول قصة قصيرة بعنوان المطارد وأرسلتها على الفور للكاتب الكبير محمد جبريل الذى نشرها بالمساء الأسبوعى.

أهدانى روايته «قلعة الجبل» لدى صدورها مطلع التسعينيات.. التهمت صفحاتها وأنا مبهورة بعوالمها وإحالاتها، ثم توالت أعماله والتى تتخذ من الإسكندرية مسرحا لها، مثل رباعية بحرى وغيرها.. غير أن هناك رواية «النظر لأسفل» التى جعلتنى أعيد قراءتها أكثر من مرة.. إنها عالم آخر غرائبى بالنسبة لى.. تخيلته مثل طبيب نفسى يسبر أغوار أبطال العمل بسلاسة ورفق دون أن تشعر بتوريطك بالأحداث.

وأخيرا.. محمد جبريل لم يكن سوى رمزا عظيما اجتمعت فيه صفات النبل والإنسانية والإبداع المتميز الذى لا يماثل أحد، أعتبره كاتبا عالميا يستحق أن تترجم أعماله إلى الكثير من لغات العالم، وفى تلك اللحظات لا يسعنى سوى الدعاء له بالرحمة ولو أننى لا أخفى سرا؛ قد يراه البعض دجلا، لكنى منذ أكثر من شهر وأنا أشعر بقرب رحيله حتى أننى لم أجرؤ على التواصل معه حينها، رغم تواصلنا وانقطاعنا، لكنه لن يُنسى أبدا بأعماله الخالدة وإنسانيته التى لمستها أجيال عدة من أهل الأدب والإبداع.

عودة إلى الملف

 

مقالات من نفس القسم