أحمد عبد الرحيم
(قصة مقالتى المحذوفة فى موقع IMDb)
أُنشئ موقع IMDb (اختصار Internet Movie Database أو القاعدة المعلوماتية للسينما على الإنترنت) سنة 1990 فى بريطانيا، على يد مهندس الكومبيوتر الإنجليزى كول نيدام، ثم تعرّفت على هذا الموقع فى 1999، وبدأت أمارس النقد السينمائى فيه من باب الهواية – فالكتابة عليه مجانية – منذ 2007 إلى اليوم، لتصل مقالاتى به إلى 1178 مقالة، ويمنحنى لقب Top Reviewer أو ناقد بارز، ثم Most Prolific أو أغزر عملًا. لا شك أنه الموقع السينمائى الأكبر والأدق، ناهيك عن كونه الأكثر جماهيرية (بلغ عدد مرتاديه حاليًا 250 مليون شهريًا)، وتجربتى معه نافعة وممتعة، سواء كنت قارئًا أو كاتبًا، لكن بدأت الأمور فى التحوُّل للأسوأ منذ عدة سنوات..
فى 2017، وُضِعت قواعد جديدة أثارت غضب نقاد الموقع قبل قرّائه؛ فشكل الصفحات تعدَّل لما يناسب شاشات الهواتف المحمولة، ووقعت مشاكل تقنية عديدة أدت – مثلًا – إلى اختفاء بعض علامات التنصيص، وأُعيد تنظيم الصفحات على نحو ردىء ألغى – من ضمن ما ألغاه – الروابط الفردية للمقالات، وتحوّلت الموافقة على تعديل مقال من فورية إلى عملية مدتها قد تتجاوز اليومين، وانفجرت الأغلبية ضد قرار إباحة كتابة مقالات مكوَّنة من سطر واحد؛ وهو ما بدا حيلة لإغراق الموقع بتعليقات انفعالية قصيرة، لتتوه المقالات الحقيقية، وينتفى العمق والجدية، وهو ما قاد بعض النقاد إلى إلغاء مقالاتهم على الموقع، ونقلها إلى مواقع أخرى، أو مدونات شخصية، ومنهم ناقد كان لديه على الموقع 11 ألف مقالة!
قيل وقتها إن الإعلانات زادت على الموقع لحساب شركات الإنتاج الكبرى، وربما أُحرجت إدارته من قبض نقود من إستديوهات باليمين، ونشر مقالات تنتقد أفلام هذه الإستديوهات باليسار، لاسيما بعد شراء شركة Amazon الأمريكية للموقع، ودخوله ضمن ألاعيب التجارة العالمية. وفى صفحات IMDb Community أو مجتمع الـIMDb، المُخصَّصة للمتعاملين مع الموقع، قرّر عدد كبير من نقاده، وأنا منهم، الدعوة لمقاطعة IMDb وAmazon وإعلاناتهما دفعة واحدة. إلى أن خرج السيد نيدام، مؤسِّس الـIMDb ورئيس إدارته، ليعلن تراجعه أخيرًا عن بعض التعديلات، بعدما ظل يردِّد ببرود أنه “لا تراجع عنها!”، وعدّت على خير كما نقول فى العامية المصرية. لكنى بعدها واجهت مشكلة لم أتخيلها، أو أحتملها!
فى 10 نوفمبر 2025، رجعتُ إلى مقالة لى عن الفيلم الأمريكى The Hunt for Red October أو مطاردة أكتوبر الأحمر (1990)، مُكتشفًا جملة يمكن تقصيرها لتصبح أكثر خفة، فدخلت إلى قسم الإعداد، وأضفت التعديل، مُتوقعًا الموافقة عليه لاحقًا ببساطة، لكنى فوجئت أن المقالة قد حُذفت بالكامل!
أمر غريب. لكنى قلت لعله خطأ تقنى ما، فأعدت تنزيل المقالة، لأجد الموقع يبلغنى صراحة، وباللون الأحمر، إنها declined أى مرفوضة!
عجبًا! هذه المقالة صدرت لى على الموقع فى 14 فبراير 2010، وبقيت هناك بسلام حتى 12 نوفمبر 2025، فلماذا تُحذَف الآن؟!
لجأت إلى مجتمع الـIMDb، طارحًا السؤال، فإذا بأحد موظفى الموقع يرد بأن “تلك المقالة لا تستوفى قواعدنا الجديدة؛ لاحتوائها على تعليقات لا علاقة لها بمحتوى الفيلم، بل مستوحاة من أحداث واقعية!”.
أصابتنى الحيرة بعد العجب، وأجبتُ بأنه “من الظلم تطبيق هذه القواعد الجديدة على مقالات قديمة بأثر رجعى، فلتُطبَّق على المقالات المكتوبة بعد إقرارها. وحتى عند تطبيقها بأثر رجعى، فمن الظلم – مجددًا – أن تُطبَّق فقط على مقالة قديمة تصادَف تعديل جملة فيها مؤخرًا، وليس على جميع المقالات القديمة التى تُخالفها. ثم إنى راجعتُ مقالتى بدقة، ولم أجد بها ما يُخالف هذه القواعد؛ فلا خروج عن الموضوع الرئيسى، ولا أى ذكر لأحداث واقعية!”.
تجاهلنى موظفو الموقع 10 أيام، وهو رقم قياسى لم يحدث من قبل، إلى أن جاء رد أحدهم قائلًا: “أعتذر عن تأخرى فى الرد على هذا النقاش، وأتفهم ضيقكم، خاصةً بالنظر إلى تاريخكم الطويل فى كتابة المقالات على IMDb، لكن يجب أن تتوافق جميع المقالات مع قواعدنا الحالية، بغض النظر عن تاريخ كتابتها، وعند تعديل أى مقالة يجب على فريقنا مراجعتها مرة أخرى، وإذا تبيّن مخالفتها القواعد الحالية فستُحذَف!”.
راجعتُ مقالتى، مرارًا وتكرارًا، ولم أعثر فيها على أى شىء يمثِّل ممنوعًا، أو ينتهك محظورًا، وفق خبرتى فى التعامل مع الموقع طيلة 18 عامًا، فقدمت المقالة مرة أخرى، وإذا بالموقع يرفضها مجددًا. فراسلت الموظفين، سائلًا بحُرقة: “ما الخطيئة التى ارتكبتها هذه المقالة؟!”، وكان ردهم بالنص: “إنها تشمل آراءً شخصية، أو تكهنات، حول أحداث الحياة الواقعية، أو موضوع الفيلم!”، فأجبتهم: “هل تمزحون؟! جزء من النقد مبنى على “آراء شخصية”، فكيف تُرفض مقالة نقدية لمجرد وجود رأى شخصى بها؟!”، مُطالِبًا إياهم بتحديد هذه العبارات، أو الكلمات، التى تحتاج – من وجهة نظرهم – إلى التعديل.
..وهنا، لابد أن أعرض عليكم نص مقالتى عن الفيلم، لكن قبلها إليكم مقدمة عنه:
مطاردة أكتوبر الأحمر هو فيلم تشويق أمريكى من بطولة شون كونرى، وأليك بالدوين، وچيمس إيرل چونز. كتبه لارى فيرجسون ودونالد إى. ستيوارت عن رواية للأديب الأمريكى توم كلانسى، وأخرجه چون ماكتيرنان، وأنتجته شركة باراماونت بـ30 مليون دولار (ميزانية فوق متوسطة بالنسبة لزمنها)، وهو الجزء الأول من سلسلة أفلام شخصية كلانسى الروائية چاك رايان، التى وصلت إلى 5 أفلام حتى 2025. أُطلق الفيلم فى مارس 1990، قبل عام و9 أشهر من انهيار الاتحاد السوڤيتى، ودارت أحداثه سنة 1984، وقت تصاعد توتر الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوڤيتى؛ مع التصريحات العدائية للرئيس الأمريكى رونالد ريجان التى وصم فيها الاتحاد السوڤيتى بـ”إمبراطورية الشر”، والدعم الأمريكى للمجاهدين الأفغان فى حربهم ضد الغزو السوڤيتى، ومقاطعة دول الكتلة الشرقية لأولمبياد لوس أنجلوس.
يبدأ الفيلم فى إحدى رحلات “أكتوبر الأحمر”، غواصة الصواريخ السوڤيتية الأكثر تطورًا، حيث يقتل قائدها ماركو راميوس – سرًا – الضابط السياسى للرحلة، ثم يرسل أوامرَ كاذبة إلى طاقمه بإجراء تدريبات صاروخية قبالة الساحل الشرقى لأمريكا، بينما هو – فى الواقع – ينوى وضباطه الهرب بالغواصة إلى هناك، لرفضهم سياسات الاتحاد السوڤيتى. تعتقد هيئة الأركان العسكرية الأمريكية أن راميوس يخطِّط لضربة نووية، لكن المُحلِّل الاستخباراتى الأمريكى چاك رايان يرى أنه يخطِّط للانشقاق عن وطنه. يدبّر راميوس حالة طوارئ فى الغواصة، آمرًا طاقمه بمغادرتها، وبعد رصد فرقاطة أمريكية تتجه نحوها، غاص راميوس تحت الماء، تاركًا طاقمه فى قوارب النجاة. وحين صعود رايان على متن الغواصة، سلّمها راميوس للأمريكان، طالبًا اللجوء السياسى لنفسه وضباطه، لكن غواصة سوڤيتية تهاجمه بعد اكتشاف الروس لحقيقة أهدافه، وبعد معركة بينهما ينجح راميوس فى نسفها، ليشهد طاقم أكتوبر الأحمر، الذين تم إنقاذهم، انفجارًا تحت الماء، ولعدم علمهم بالغواصة السوڤيتية الثانية، ظنوا أن راميوس ضحى بنفسه، وأغرق أكتوبر الأحمر، لتجنب الاستسلام للأمريكان، وبعد اكتمال خطته، يبحر راميوس مع رايان عبر أكتوبر الأحمر إلى نهر بينوبسكوت فى ولاية مين الأمريكية.

نص المقالة المحذوفة:
“عالى الجودة.. وعالى النبرة أيضًا!”
أتذكر حينما أُطلق هذا الفيلم أن ناقدًا فى إحدى مجلاتنا أخذ يمدحه، ويمجِّده، ليس لكونه فيلمًا تشويقيًا جيّدًا، وإنما بصفته فيلم التشويق النموذجى، العمل السينمائى العظيم.. إلخ، إلخ.
آنذاك لم أشاهده فى دار العرض، كما لم أصادفه فى أى نادى ڤيديو لاحقًا. لذا انتظرت مشاهدته فى التلفزيون. ومنذ أيام، تم المراد، وتمكّنت من مشاهدة تلك “التحفة الأستاذية” التى قرأت عنها.
يقينًا هو عمل جذاب ومتماسك. ما يميّز أعمال الروائى الأمريكى توم كلانسى التى انتقلت إلى السينما أنها تصوغ صراعًا معقدًا بين قوى كبرى، وتستعرض ردود الأفعال المختلفة، وتلهث مع ماراثونات متوازية، مُلقية وسط هذا الخضم ببطل نبيل عليه مواجهة جميع الأطراف التى لا تتفهّم هدفه الخيِّر، أو تتفهّمه لكنها تعطِّل جهوده لأچندتها الخاصة، الشريرة غالبًا. وعليه هناك حوادث عالمية خطيرة تقع، ومباريات استخباراتية ماكرة تجرى، ومع التشويق المحكم، والأكشن البارع، ستجد هجاءً سياسيًا أيضًا. آه، عذرًا. احذف الهجاء السياسى هذه الجولة، لأنه غير موجود على الإطلاق!
مطاردة أكتوبر الأحمر عمل دعائى بحت من البداية إلى النهاية؛ فأمريكا معروضة كأرض الميعاد المثالية، لا عيب ولو صغيرًا فى أى من قادتها أو رجالها، وأى إنسان غيرهم إما مختل، ضعيف، ساذج (كالروس الوطنيين؛ أى “الأعداء” فى ضمير الفيلم)، وإما مثقفون عباقرة (كقائد الغواصة، والضباط الموالين له) لمجرد رغبتهم الطاغية فى الاحتماء تحت جناحى العم سام!
يثرى الفيلم بمواهبه الفاخرة التى أبدعت وقته الممتع، وكان أهمها التفاصيل الدقيقة للمطاردة، التى لم تُدرَس بهذه الجودة فى أفلام كثيرة سابقة. أضف إلى ذلك التصوير الأنيق، والمونتاج الرشيق. كذلك شون كونرى فى تلك البدلة الفخمة السوداء، والباروكة الشامخة البيضاء، لاعبًا دور قائد سوڤيتى بلهجة إسكتلندية لا تُنسى! ويقود هذه المواهب المخرج چون ماكتيرنان فى عصره الذهبى الأول؛ حسنًا، أنا أحب هذا الرجل، إلى حد إيمانى بأنه سيعود إلى “مطارداته” الفائقة يومًا ما!
يكاد الفيلم يخلو من العيوب الفنية، إلا إذا تحدثنا عن أليك بلدوين بوجهه وأدائه المُسطَّحين. وإذا ما ظننت أنه أسوأ چاك رايان، فأنت لم تشاهد بن أفليك بعد فى The Sum of All Fears أو محصِّلة كل المخاوف (2002). بلدوين لديه المظهر دون العمق. لكن، بصراحة، الحكاية هنا لا صلة لها بالقدرات التمثيلية؛ وإنما بالتنافس على أى حضور سيفوز وسط هذا المحيط من المطاردات، وبلدوين لم يكن مؤثرًا بشكل كافٍ كى تتابعه، لاسيما فى وجود السيد كونرى شخصيًا.
إنها صفقة ذكية نجحت فى صناعة فيلم تشويقى عالى الجودة إلى جانب فيلم دعائى عالى النبرة. ومن ثم، نحن أمام فرجة هوليوودية أخرى، لكن استثنائية الإتقان. وإن بقيت المشكلة بى؛ فأنا لا أستطيع التمتُّع بالكامل بهذه النشرات السياحية الطويلة المُكْلِفة، التى تشدِّد طوال الوقت وبكل الصور أن “أمريكا هى الأفضل”!
فى قائمة أفلام شخصية چاك رايان، أفضِّل Clear and Present Danger أو خطر واضح وداهم (1994) أكثر. العالم كان رماديًا هناك، وليس أبيض وأحمر وأزرق على نحو فاقع!
*
..وبعد 20 يومًا من التساؤلات المتكرِّرة، والإجابات المبهمة، ردّ موظف الموقع بشكل دقيق: “تحتوى مقالتك على آراء شخصية سياسية، وتعليقات على الدعاية، وهو ما لا يتوافق مع قواعدنا الإرشادية الجديدة التى وُضعت سنة 2020. إليك بعض الأمثلة: “تعطِّل جهوده لأچندتها الخاصة، الشريرة غالبًا”، “احذف الهجاء السياسى هذه الجولة، لأنه غير موجود”، “عمل دعائى بحت من البداية إلى النهاية”، “أمريكا معروضة كأرض الميعاد المثالية، لا عيب ولو صغيرًا فى أى من قادتها أو رجالها”، “رغبتهم الطاغية فى الاحتماء تحت جناحى العم سام”، “إنها صفقة ذكية نجحت فى صناعة فيلم تشويقى عالى الجودة إلى جانب فيلم دعائى عالى النبرة”، “لا أستطيع التمتُّع بالكامل بهذه النشرات السياحية الطويلة المُكْلِفة”. سيكون إزالة هذه الأمثلة مقبولاً لأى إعادة تقديم، كما أن مراعاة قواعدنا ستساعد فى الموافقة على مساهماتك فى المستقبل”.
أصابتنى الصدمة كصاعقة البرق! إن رأيى فى الفيلم هو المرفوض؟ فى أكثر من 1100 مقالة كتبتها على IMDb لم يسبق لأى منها أن صادف شيئًا كهذا، وأشهد أنى على امتداد أكثر من ربع قرن، قرأت على الموقع مقالات تعبِّر عن مختلف الأفكار، ومتنوع التيارات. يمكنهم حذف مقالة تحمل شتمًا، أو تعرض إعلانًا، لكن رأى شخصى؟! لقد تعوّدت على قدر من الحرية الفضفاضة على صفحاتهم، بل إن رأيى هذا نفسه بقى منشورًا لديهم لأكثر من خمسة عشر عامًا!
من واقع صدمتى، أرسلت هذا الرد إليهم:
“يا إلهى!
بعد ١٨ عامًا من الكتابة على موقع IMDb، لا أجد كلماتٍ تُعبّر عن دهشتى!
هل صار الموقع يحظر وصف فيلمٍ ما بأنه “دعائى”؟ للعلم، بالنسبة لفيلم مطاردة أكتوبر الأحمر، فقد قال عنه نقاد كبار، مثل بيتر تراڤرز من مجلة “رولينج ستون” الأمريكية، الشىء ذاته وقت عرضه. ثم إن الفيلم الدعائى حقيقة، ونوع معترَف به، وتعريفه “أى فيلم يتبنى وجهة نظر سياسية معيَّنة، ويروِّج لها”، وترجع بداياته إلى عام 1915 مع أفلام مثل الوثائقى البريطانى Britain Prepared أو بريطانيا مستعدة، أو الروائى الأمريكى The Birth of a Nation أو مولد أُمّة!
كيف يُمكن أن تُجرَّم جملة مثل “احذف الهجاء السياسى هذه الجولة، لأنه غير موجود”؟ مقارنة بفيلم خطر واضح وداهم، المأخوذ عن رواية أخرى لتوم كلانسى، فإن الفيلم موضوع المقالة لا يشمل ذلك العنصر، فما المشكلة فى ذكر هذا؟! الفيلم الكوميدى Dude, Where’s My Car? أو يا صاحبى، أين سيارتى؟ (٢٠٠٠) لا يشمل هجاء سياسيًا أيضًا، فهل ذكر هذا عنه فى مقالة صار مرفوضًا من جانبكم؟!
ثم إن مَن لديهم “أچندة خاصة، شريرة غالبًا” هم بعض الشخصيات فى روايات كلانسى. أى أننى أتحدث عن شخصيات خيالية. اقرأوا أعماله، أو شاهدوا الأفلام المقتبسة منها، لتدركوا ذلك!
“أمريكا معروضة كأرض الميعاد المثالية..”؛ هذه هى وجهة نظر الفيلم، ولصانعيه الحق فى إبداء رأيهم، وبالتبعية يحق لى – أيضًا – إبداء رأيى، لكن هل يُقيّد الموقع حريتى الآن؟!!
“لا أستطيع التمتُّع بالكامل بهذه النشرات السياحية الطويلة المُكْلِفة” هنا أعترف أنى لا أميل إلى الأفلام الدعائية، خاصة عندما تفتقر إلى الموضوعية، أو تحمل وجهة نظر متطرفة. هذا ما لاحظته فى الفيلم، وغنى عن القول إن من حقى رصده، ورفضه. فهل يريد الموقع منى أن أغيّر رأيى، وأحب ما أكرهه؟!
أنا مصدوم، هل يتحوّل الـIMDb إلى محكمة تفتيش؟!
بناءً على ما تقدم، لم يعد الموقع يحترم آراء الآخرين، ولن أحذف أى شىء من مقالتى، ولا يشرِّفنى نشرها على صفحاتكم أصلًا.
لأول مرة فى حياتى أرى وجهًا قبيحًا للموقع الذى أحببته واحترمته. أتمنى لكم الشفاء العاجل!”
طبعًا لم يرد أىّ موظف من الموقع على كلماتى، وبقى الحال على ما هو عليه. فبحثت عن حالات مشابهة، لأجد منشورات أخرى على مجتمع الـIMDb تشكو من تلك القواعد الحديثة، الغبيّة المتعنّتة، وذلك المرار الذى يتجرعونه بسببها، ليرى أحدهم أن ما يحدث هو “منتهى العبث”، ويتهم آخر الموقع بـ”الفاشية”، ويستنكر ثالث إلغاء مقالة له تفضح فيلمًا تاريخيًا لم يلتزم بالتاريخ، وزيّف الكثير من الوقائع، فرد عليه الموظف بأنه ممنوع الآن “الحديث عن أحداث واقعية”، فجفّ حلق الناقد وهو يردِّد: “كيف أكشف زيف فيلم تاريخى بدون الحديث عن الأحداث الواقعية المستمد منها؟!”، ليرد عليه الموظف بجملة توقفت أمامها طويلًا، كما تتوقف أمام حادث طريق مروّع: “قل رأيك فى الفيلم، دون أن تفضح كذبه!”
أعرف أن طرح “هل” سيقودنى إلى متاهة لا مخرج منها، لكن: هل انصاع الموقع لتحكُّم رأس المال، ليرفض المقالات التى تنتقد أفلام الإستديوهات الكبرى؟ هل حظر الموقع الكلام فى السياسة والتاريخ، لتفريغ عقلية المتلقى من مواضيع كهذه؟ هل تأثّر الموقع بفكر دونالد ترامب (رئيس أمريكا عام 2020، العائد إلى المنصب عام 2025 فى ولاية عهد ثانية)، الذى أصدر قرارات، وأدلى بتصريحات، اعتُبرت هجومًا على حرية الرأى، بل إنه فى سبتمبر 2025 أصدر قاضى المحكمة الجزئية فى بوسطن حكمًا يقضى بأن إدارة الرئيس قمعت حرية التعبير، وانتهكت الدستور الأمريكى، عبر اعتقال وترحيل الطلاب وأعضاء هيئة التدريس الأجانب المؤيدين للفلسطينيين. أنا لا أعلم الإجابة الصائبة. لكن المؤكد أنها “ما عدتش على خير” هذه المرّة، وأن الحرية – حتى فى أمريكا نفسها – تعانى شر معاناة، وأن الموقع الذى أعهد عقلانيته منذ زمن صار يمنعنى من وصف الشخصيات الشريرة بأنها شريرة، والفيلم الدعائى بأنه دعائى!
حسنًا، قد يكون الدرس المستفاد أن الحرية، حتى لو زادت، ليست كاملة، وأن وسائل الصحافة والإعلام، سواء فى نظام قمعى أو حر، لها حدودها. لكنى متفائل، ومؤمن بأن القواعد تختلف باختلاف الإنسان والزمان؛ فهذه المقالة التى رُفضت فى جهة ما بالأمس قد تُقبَل فى الجهة ذاتها بالغد، بل إنها كانت مقبولة بها أول أمس!





