“كُحل وحَبّهان”.. طَعم الأيام ورائحتها

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 21
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

طاهر عبد الرحمن

من النظرة الأولى على الغلاف الخارجي لرواية الكاتب عمر طاهر، “كُحل وحَبّهان” الصادرة عن دار الكرمة مؤخراً، يستطيع القارئ أن يفهم الرواية، فهناك اسم “عمر طاهر”، الماركة المسجلّة في السنوات الأخيرة للبهجة ومتعة القراءة، وٱيضا العنوان الذي يُلّمح لكتابة عن “توابل” الحياة بكل ما فيها من لذّة واستمتاع، ثم صورة الفنانة “مديحة كامل” بابتسامتها الرقيقة والهادئة، التي تدفع القارئ، من بداية الرواية لآخرها، للبحث عن الرابط أو الصلة بينها وبين حياة البطل.

الفكرة -ككل أفكار “عمر” في كتبه- رائعة ومميزة، لنقل بلغة الكاتب “طازجة”، كما في كتبه الأخيرة، خاصة كتاب “إذاعة الأغاني”، اكتشاف الأشياء من جديد، “النوستالچيا” كما يسمونها، وهذه المرة عن “الطعام” وعلاقة البشر به في كل حالاتهم المعيشية والاجتماعية والاقتصادية، وأيضا المزاجية.

لا يخذل عمر طاهر قارئه، حتى وهو يكتب روايته الأولى، لا يتخلى عن أسلوبه المعروف والمتفرد، التفاصيل والمفارقات والطرائف والمفاجآت الصغيرة التي لا ينتبه لها أحد، أو تلك التي تضيع في زحمة الدنيا، مع أنها تُشكّل الجزء الأهم في حياة كل إنسان.

تسعة أيام نعيشها مع بطل الرواية “عبدالله”، خمسة في بداية مراهقته، هناك في مدينته البعيدة عن العاصمة، في بيت العائلة، وفيها يحاول أن “يضبط” سلوكه وتصرفاته مع أفراد عائلته، خاصة مع أبيه، حتى يحصل  على الجائزة الكبرى، وهي حضور حفل الفنان محمد منير، وأربعة أيام أخرى معه، في شبابه، في القاهرة، بصحبة “صافية” حبيبته، التي “فتَحَت نِفْسه” من جديد للحياة والأكل والحب وكل شيء.

في قصة قديمة لعمر طاهر بعنوان “الرائحة” (ضمن مجموعة طريق التوابل) تحدث عن مطبخ الجدة، واصفاً روائح طعام كل ساعة منذ الصباح وحتى المساء، وفي هذه الرواية يتحدث عن مطبخ الأم، ثم مطبخ الحبيبة، وعلاقة بطله بكل ما يدور حوله من خلال الروائح والتوابل، لنكتشف إن ذلك الاهتمام ليس إلاّ نوع من الهروب من “الملل” الذي يعيش فيه، فهو محبوس في نطاق وحيّز لا يسمح له بأي انطلاق يتناسب مع مرحلته العمرية، ومع وجود أب لا يثق بابنه كثيراً فإنه ينسج لنفسه “عالماً من الروائح” يعيش فيه.

يشبه بطل كُحل وحَبّهان في جوانب كثيرة منه “چان باتيست جرونوي” بطل رواية “العطر” للكاتب الألماني باتريك زوسكيند، وهو الشبه الذي جاء على لسانه (جاءت الإشارة على لسان البطل للفيلم وليس الرواية) فهو رغم مهارته في أشياء كثيرة لكنه يكتشف أنه وحيد تماماً، بعيد عن كل ما حوله، لدرجة أنه -في لحظة من اللحظات- فقد حاسة الشّم، التي هي أهم حواسه على الإطلاق.

لكننا، في النهاية، لسنا أمام “بطل تراچيدي”، بل هو إنسان عادي، تسير حياته بشكل طبيعي جداً، بما فيها من انتكاسات ونجاحات، علاقات متوترة مع الأب، لا يفهم لها سبباً أو داع إلاّ في تلك اللحظة التي يصير فيها “أبا”، قصة حب المراهقة التي ليس لها مثيل لكنها تنتهي وتُنسى سريعاً، صديق الطفولة الذي تستمر معه الصداقة رغم البُعد والمسافات.. ومهما أخذتنا الحياة بكل ما فيها ستبقى الذكريات حيّة، حتى صورة “مديحة كامل” التي كانت الأم تُعلّقها في المطبخ!

 

مقالات من نفس القسم