“كسر مضاعف” .. تشويق مضاعف لقصة مشوِّقة

موقع الكتابة الثقافي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

 

 ولاء الشامي

(الليل في حياتي لا يلد إلا ليلاً، وفجوات مخي تزداد دكانة، الدكتور "عبد اللطيف" يحوم بالقلم المضيء حول حدود الورم الواضح بالأشعة، يرسم لريماس حدود دوامة كبيرة ومخيفة، ضياعٌ أغور في ظلمته لسنوات، أتلقى خلالها مزيدًا من الفشل، مزيدًا من الصفعات، لكن لا حضن هناك، فقط علامات لأصابع خمسة تحصي مرات فشلي الكبير، فشلي في أن أصبح فارسًا أو  سباحًا أو راميًا، فشلي في دخول الجامعة، وفشلي في أن أنال قلب أي فتاة)

تحكي رواية "كسر مضاعف" عن " نبيل " الذي ينتظر موت محقق بعد أن اكتشف أنه مريض بالسرطان ،وعبر مونولوج داخلي طويل يتجول بنا البطل في ذكرياته فيتضح الصراع وتنكشف الأزمة ،فالصراع  تقليدي جدا بين الأب المتسلط الرافض لضعف ابنه ظاهريا ،وبين الابن المائل إلى أمه التي لا تلومه أبداً وتدللـه ،ولكن هذا الصراع يجعلك تقف على حقيقة مهمة " أن الأب هو الهادم الباني : بيده أن يهدم أبناءه حين يخطط لحياتهم كاملة دون أن يضع في اعتباره أن لهم شخصيات مستقلة وإن كانت تخالفه فيما يرى ، أو يبني شخصياتهم ويسمح  بأن تتسع مساحات الحياة بداخلهم فيملكون القدرة على اتخاذ القرار وإدارة حياتهم بشكل فعال"

ببراعة من يملك أدواته ورشاقة من يثق في خطواته القادمة  يتنقل " أمير حسين" بين الماضي والحاضر، ومن هذا التنقل تخبطنا كل المفاجآت،يكتشف القارئ أن نبيل ليس مريضا بالسرطان فتلك التحاليل تخص والدته المتوفاة،استغلها والده بينما يعالج سكرات الموت ليجبره على أن يتصرف في حياته بنضج وجدية،مكتشفا بعدها وصية غريبة من والده،ثم يكتشف في النهاية أن ريماس زوجته  كانت تعلم كل شئ عن ذلك الاتفاق فهي ابنة الطبيب صديق والده،فيوهمنا أنه سنتحر رغم أن المسدس بلا طلقات.

ورد في " كافكا على الشاطئ " على لسان البطل : " أنا حر كتلك السحب السابحة في السماء وحدي تماما وحر كلياً" يحاول نبيل إيهامنا طوال الوقت أنه ينشد التحرر بعد وفاة والده خاصة وأنها لم يشرك أي من أصدقائه في حياته فصادق الوحدة، ولكن نبيل يكذب على نفسه وعلينا طوال الوقت  فبمنتهى الضعف كان يحاول أن يكسر " تابوه" أبيه وبمنتهى الطفولة كان يحاول أن يهدم كل مابناه أباه ،وأن يتخذ قرارات لمجرد أنها قرارات غير نابعة من داخله.

الإيقاع سريع جدا في هذه الرواية القصيرة والتي كتب " أمير حسين " على غلافها – نوفيلا- ،لكن لم تسقط أي تفاصيل وسط هذه السرعة، لا يعيبها فقط سوى التشويق المضاعف فرغم أنه يجبر القارئ على إنهاء الرواية في جلسة  واحدة فلا يجد مجال لتجزئة الرواية فتلك ميزة بحد ذاتها ،إلا أن القارئ سيجد نفسه مطارداً للمفاجآت بدلاً من أن يهدأ ليتابع حلو السرد المتقن فيصبح الاندماج مع الرواية منقوصا.

أؤمن أن التعبير الروائي لا يحتمل أن يستعرض الكاتب مفرداته الصعبة أو أن "يرص" جملاً معقدة لمجرد أن يقال " لغة الكاتب رائعة"،حين ننظر للكتاب العظماء أمثال نجيب محفوظ أو توفيق الحكيم نجد أن اللغة عندهم تخدم المعنى والحدث بلا تنطع في اختيار الألفاظ

أما عن اللغة في الرواية  فهي سلسة وفي نفس الوقت منضبطة بلا تقعر أو ابتذال،فهي ثرية جدا ،ولم يكن الحوار مبتذلا رغم عاميته ،وهذا أمر غير مُستغرب خاصة إن تأملنا في وجهة نظر "أمير حسين" التي وضحها لي : "التقعر والأسلوب المنفلوطي لا يناسب الروايات؛فهو أسلوب أدبي نثري،حين أكتب أتحرى السلاسة حتى لا يتعثر القارئ،وأحرص على إعادة قراءة ما كتبت فإن وجدت به جملاً صعبة بسطتها؛لأبعد أي ارتباك أو تشتت قد ينتج عن ذلك "

" أعزف لها اللحن بالكمان مرة والبيانو مرة ، فيخرج كئيباً حزينا في بدايته ثم سرعان ما يصطخب كموج البحر قبل أن يتهادى كنسمة حانية تداعب خدَّها ،أنتبه أن نغماته تثير في النفس خليطاً مدهشا من العواطف الإنسانية، حينما أرى خدَّها يتلون مع الإيقاع من شدة تأثرها به "

 

أترككم لتستمتعوا بهذه المقطوعة الرائعة " DanseMacabre" التي اختارها الكاتب لتعبر عن حياة البطل،وأجاد في وصفها !

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 كاتبة مصرية 






مقالات من نفس القسم