كراسة رسم

تشكيل
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

 البهاء حسين
كنت أرسم شجرة
ظللت لأعوام طويلة أرسم فى كراستى شجرة وأسقيها
أعاملها مرة على أنها أمى
وأحياناً حبيبتى
شجرةً طفلة
بضفائر
فى طول قامتى
ثم أرسم ولداً هو أنا وأغار منه
وحين يرفع الهواء ذيل فستانها أسبقه
وأستر سيقانها
:
وكنت أرسم أباً لا يموت
بقطعة من الفحم
أبدأ أولاً بحاجبيه
ليقطب بهما فى وجه عزرائيل
ربما انصرف إلى حال سبيله
ثم أجدنى أبكى ، لأن أبى مات بالفعل
ولم يشيّع أحد حواجبه
:
الفحم أكثر سخاءً فى الجنازات
يعرف فيم تفكر أرملة عادت للتو من دفن زوجها
وفى رقبتها قفة عيال
يعرف كيف يجعل من حزنها شجرة
لكننى جربتُ غيره
لون واحد لا يكفى أحزان أمى
لا يكفى أن تكون الشجرة ذابلة
لتصبح أرملة
لا يكفى أن تقلد صوت عصفور، ليخفق ذراعاك
لا يمكنك أن تفهم العشب ولم تجرّب فظاظة القدمين
:
الرسم ليس فرشاة تجرى على سطح
ليس تأريخًا لنهدين منتصبين ولا للوادى الذى بينهما
فقط
الرسم قبلة حياة نمنحها للماضى ، ليظل حاضراً دائماً
طريقة لأن نعيش بعد الموت
:
وأنت طفل ترسم فتاة فى مثل عمرك
وحين تصير عجوزاً ترسم أيضاً فتاة
التقدم فى العمر لا يعنى سوى إتقان الظلال
:
أبى نسى حياته فى كراستى
فى لوحة لم أكملها قطّ
لأننى انشغلتُ بأحزان أمى
بالسحب وهى تتحوّر فى هيئات كثيرة
بعصى المدرس، مخافة أن تهوى على رأسى، لأننى سرحان
رسمتُ عدة أشكال للعصى
فكانت أصابعى ضحيتها الوحيدة
أصابعى التى تخلق لى رفقة من الرسومات
أعلّقها على جدران بيتنا الطينى وأنتظر
أن تصبح عائلة حقيقية
عزوة
:
رسمتُ الفقر نفسه
كما هو، دون تلوين
فقط كنت أنظر فى عيون الفقراء
أو أركز فى أقدام أمى وهى تجترّ خطواتها الحافية
:
رسمتُ الأمل
لكن الضوء استعصى علىّ
إذ كيف يمكن لطفل فقير أن يمسك الضوء
حاولتُ ..
رسمتُ أكثر من شعاع لكنه كان ينكسر
آخر النهار
كان يغربُ حين أقْلبُ الصفحة
:
المنظر الدائم
الطبيعة الصامتة التى ما زلت أرسمها
أمى وهى تعدّدُ على أبى، فقد مات دون أى مبرر يُذكر
وذلك الفرن الذى ” يأوى نهاراتها “
كانت ترمى فى جوفه قطع العجين
كأنها تُلقمه أوجاعها
كنت أرى ألسنة اللهب تُنضج الخبز
تلفحنى حرارتها وأنا أمدّ يدى
آلتقط أوجاع أمى، الأرغفة
وأرسمها ساخنة .

مقالات من نفس القسم

خالد السنديوني
يتبعهم الغاوون
خالد السنديوني

Project