أحمد العشري
(إلى من سقطتْ من عين العدسة… وظلت في كادر مظلم)
[١]
كانوا يُحِبّونَ قَبري
يسمّونه البَيْتَ
ويهتِفونَ حينَ يَدخُلونهُ:
“أخيراً استقرّ!”
ويدفعون للحارس وزوجتهِ “النقطة”،
كأنّي عريسُ المقبرة!
[٢]
تذكّرتُ
حينَ طَلَبْتُ العَونَ
لأفهم خِيانةً حَدَثَتْ لي
من عائلةٍ
لَم تَلِدْني
لكنها ارتاحت للدمِ
ووهَبَتْ حُبَّها لعشيقةٍ خائنةٍ
[٣]
قالت تلك الرخيصة:
“لا يمكن لمستقبلي
أن يتّسع لجسدٍ مشبّعٍ بالخلايا السرطانية،
ولا لروحٍ ولدتْ في كفن.”
قلت أنا؛
ليست مصادفة
أن يكون قبري أوّل مشاريعي
في فنّ المعمار،
وأن تكون أولى أفلامي
صورةٌ بلا جسد،
والكاميرا عمياءُ!
لترد قبل برهة من حسابي مع الملائكة؛
“روحك هرِمتْ قبل صباها،
وعاشت بحكمةٍ لا تخصّها.”
قالتها، ثم غابت،
وتركتني أُفسّر الألم وحدي!
[٤]
اذكر اول مرة رأيتها
قلت لمدير التصوير:
“عدّل العدسة!”
قال: “هي هناك، لكن خارج الكادر.”
الكاميرا لا تراها
سألتُ المساعدين،
سألتُ الضَّوءَ،
سألتُ حتى المايكرفون المعلّق على عتبة الليل
قلت لنفسي: يا أحمقُ!
هل كانت شبحًا؟
أم أنك كنتَ
الذي لا يُرى؟
فكل شيء يُكتَب مسبقًا
عندما تصبح الحقيقة خارج الكادر!
[٥]
أريد ان اخرج من شَقَّتي الجديدةِ
فهذا القَبرُ لَعينٌ للغاية
والأهم انني وَعَدْتُها بِجائزةٍ أُولى،
وفيلمٍ يَليقُ بِفَقدِنا
كنتُ سأكتبها دور البطولة
وأنجو معها.
لكن الله، يا عشري،
يعيد علينا نفس الاختبار،
في هيئة وجوهٍ جديدة،
وصَمتٍ أعمقَ!
[٦]
بَعضُ الأسماءِ
ليستْ كَلِماتٍ، بل كَمائنَ
والوَردُ أصدقُ من الأَفلامِ
وأقسى من الفقد.
عدسة الكاميرا لا تكذب.
لكنها هذه المرة
لا تُبصر.
وأحيانًا يمنحك القدر ساعة،
وفي المقابل:
أُغنيةً، مَشهدًا، شُرفةً،
وفتاةٌ في السينما
تجلسُ قُربَكَ…
ولا تحبك.
ها أنتَ في حَلقةٍ رَخيصةٍ
من “نتفليكس” أو حتى “شاهد”
وُلدتَ فيها
ولا تخرج.
كل شيء يدور،
والكاميرا تدور،
لكن العدسة لا تُسجّل.
هل أعطيتها روحك بدلًا من الفيلم؟
هل صارت القربان الوحيد
في أوّل أفلامك
وآخرِها؟!
[٧]
أقسم بجسدك المُثقل بالخَلايا،
الوفيّة ككلبٍ لا يَترُكُك
حتى لو صارت
مَلاذاتِكَ
هي مستشفيات مجدي يعقوب،
أو فلسفة أفلاطون.
أقسم بموسيقا سمعْتَها ذات وجعٍ،
وفيلمٍ لم تكتمل نهايته،
وبفتاةٍ جميلة
لم تكن لك،
لكنها ضحكت،
وكفى
فلا تقل: لروحك “سلام”،
وتستلم لحساب الملائكةِ
قبل أن تُقبّل وَردتَها،
قبل أن ترى الكاميرا رائحتها،
والأفكار العالقةَ في تابوتِكَ!
[٨]
تسأل الآن: من أنا؟
أنا شَرارةُ الليل،
أنا ضوءُ المشهدِ قبلَ أن ينهار
أنا بَطّاريةُ الكاميرا،
أنا الكَهرَباءُ المشحونةُ بها،
أنا العَينُ الّتي أُصيبَت بالعمى،
كي تُبصركَ!
قلتُ بعد حساب الله وملائكته:
“إذاً… فالكاميرا لم تكن تعمل.
لم يرَ أحدٌ الوردة،
لأنّ المُصوّر مات.”
٤ يونيو 2025
……………..
*من ديوان “أوراق نوفمبر المنسية” ـ قيد النشر