ترجمة أحمد شافعي
استضافت جريدة نيوستيتسمان أخيرا الروائي البريطاني نيل جايمان محررا ضيفا بها. وكان جايمان قد نشر في الأسابيع الأخيرة مقالة في نيويورك تايمز استعرض فيها رواية “كازو إيشيجورو” الصادرة حديثا بعنوان العملاق الدفين، فأثارت المقالة جدالا حول الحد بين رواية الفنتازيا والرواية الأدبية. في عدد خاص من نيوستيتسمان اجتمع الروائيان نيل جايمان وكازو إيشيجوروفي هذا الحوار الذي تناول التعالي على الروايات النوعية [كروايات الفنتازيا والإثارة والجاسوسية وغيرها] والتعليم وأهمية الكتب.
***
نيل جايمان: هيا نتكلم عن النوع. لماذا هو مهم؟ روايتك “العملاق الدفين” لم تنشر بوصفها رواية فنتازيا، برغم أنها تحتوي على قدر رهيب من العناصر التي يألفها قراء الفنتازيا، ويبدو أنها أثارت الناس من كلا خندقي الأدب. فقالت أورسولا لو جوين ـ وهي من أهل الفنتازيا ـ إن روايتك هذه “فنتازيا، وإن رفضك وضعها في عباءة الفنتازيا دليل على استهانتك بالنوع” وإن كانت تراجعت أخيرا عن قولها هذا، وهناك ميتشيكو كاكوتاني في نيويورك تايمز التي استعرضت الرواية بقدر كبير جدا من الارتباك. في الوقت نفسه لم يجد كثير من القراء والنقاد مشكلة في تحديد تصنيف الرواية فاستمتعوا بها استمتاعا شديدا.
كازو إيشيجورو: لقد شعرت كما لو كنت وقعت في خضم نقاش كبير كان قد بدأ قبل فترة. صحيح أنني كنت أتوقع من بعض قرائي المعتادين أن يقولوا “ما هذه الرواية؟ هناك غيلان فيها …” ولكنني لم أتوقع هذا الحجم من الجدل. ما سر انشغال الناس بهذه الدرجة؟ ماذا يكون النوع أصلا؟ من الذي اخترعه؟ لماذا يبدو وكأنني اجتزت حدًّا من نوع ما؟
جايمان: أتصور أنك لو كنت روائيا يكتب في العشرينيات أو الثلاثينيات [من القرن الماضي] لقيل ببساطة إنك أصدرت رواية أخرى. فحينما أصدر تشارلز ديكنز رواية “A Christmas Carol ” لم يقل أحد “آه، ها هو الروائي الاجتماعي المحترم يتحول فجأة إلى روائي فنتازي: انظروا هناك سحر وأشباح“.
إيشيجورو: هل يحتمل أن ما نحسبه حدودا بين الأنواع ليس إلا أشياء اخترعتها صناعة النشر في الفترة الأخيرة؟ يمكنني أن أرى أن هناك مجالا للقول بأن هناك أنماطا معينة، وأن بوسعك أن تقسّم القصص وفقا لهذه الأنماط، وربما يكون التقسيم نافعا. ولكنني أقلق كثيرا حينما يتعامل القراء والكتّاب مع هذه الحدود بأكثر مما ينبغي من الجدية، ويرون أن شيئا غريبا قد وقع حينما تتجاوزها، وأنك لا بد أن تفكر مليّا قبل أن تفعل ذلك.
جايمان: يعجبني النظر إلى الأنواع كما لو كانت أماكن لا يحق لك دخولها ما لم تكن من أهلها، وإلا فإن الناس هناك سوف ينظرون إليك شزرا ويقولون لك “اذهب يا عمّ فاعبر هذا السور إلى الخيال العلمي لأنك هناك سوف تكون أسعد حالا …”
إيشيجورو: أو “تعال هنا إن شئت لكنك سوف تضطر إلى الامتثال لقواعدنا“.
جايمان: أعتقد أن هناك فارقا ضخما، على سبيل المثال، بين رواية فيها جواسيس ورواية جاسوسية، أو رواية فيها رعاة بقر ورواية [من “نوع” روايات] رعاة البقر.عندي نظرية مجنونة بأنني بدأت أتطور حينما قرأت كتابا بعنوان ” Hard Core” لـ ليندا وليمز أستاذة السينما في كاليفورنيا، وكان من أوائل الكتب التي تحلل الأفلام الإباحية العنيفة بوصفها نوعا سينمائيا مستقلا. قالت إن عليك لكي تفهم هذا النوع أن تفكر في الأفلام الاستعراضية musicals، فالحبكة في الأفلام الاستعراضية توجد لإيقاف جميع الأغاني عن الحدوث جملة واحدة، ثم تنقلك من أغنية إلى أغنية. وأنت تحاج إلى الأغنية حيثما تتوق البطلة إلى ما لا تمتلكه، وتحتاج الأغنيات حيثما تفعل الجوقة كلها شيئا مثيرا مبهجا، وتحتاج الأغنية عندما يجتمع الحبيبان، وفوق ذلك كلها تحتاجها في لحظات التحول، والنصر.
فكرت أن “هذه بالفعل طريقة للنظر إلى جميع الأنواع الأدبية” لأن هناك أشياء يبحث عنها محبو النوع في روايات هذا النوع: أشياء تدغدغ، وتشبع. فلو أن الرواية من نوعية روايات رعاة البقر، نكون بحاجة إلى معركة في الحانة، ونحتاج الشرير أن يأتي ممتطيا حصانه إلى البلدة ويكون في انتظاره الطيب. أما الرواية التي تجري أحداثها في :الغرب [الأمريكي] القديم” فلا تحتاج بالفعل إلى تقديم أي من هذه الأشياء ـ برغم أنها قد تتسبب لقراء روايات رعاة البقر في الشعور بالخيبة على نحو خاص لعدم حصولهم على لحظات تشبع معينة.
إيشيجورو: علينا إذن أن نميِّز بين شيء هو جزء من جوهر النوع وأشياء لا تعدو سمات فيه. فالاشتباكات المسلحة من سمات روايات الغرب، لكنها قد لا تكون ضرورية لتجعل القصة جاذبة.
جايمان: نعم. ومن الأشياء التي فتنتني في “العملاق الدفين” هي أن فيها مواضع كثيرة يتصارع فيها الناس بالنصال الحادة، ويموت ناس، وفي كل حالة يحدث القتال بالسرعة التي قد يحدث بها في الحياة الحقيقية وينتهي بغتة وغالبا بدون إشباع: حيث تسقط الشخصية على العشب وينسرب منها ما يشبه ثعبانا أحمر تدرك فجأة أنه “دم!” وتقول لنفسك “ليس هذا ما يتوقعه قارئ الفنتازيا من قتال جيد بالنصال كان ليسير على نحو آخر“.
إيشيجورو: الحقيقة أنه لو كان في ذهني النوع وأنا أكتب مشاهد القتال فهو نوع أفلام الساموراي والغرب الأمريكي. ففي أفلام الساموراي يحملق الأعداء القتلة في بعضهم البعض لوقت طويل، ثم يحدث قتال خاطف وينتهي كالبرق.
ما الذي كنت تتوقعه مني لو كنت كاتبا يكتب الفنتازيا؟ أن أجعل الناس يتكلمون وهم يتضاربون بالسيوف؟
جايمان: كنت لتمتلك بالقطع سيوفا بارقة. ومن أعمال الفنتازيا الرائجة في الثلاثينيات رواية “السيف والسحر” حيث تجد متحاربين بنصال ضخمة، يتكلمان، ويتصادمان ويصرخان… فتخرج من المعركة بنصف صفحة متماسكة، ولعل جزءا من أسباب ذلك هو أن كتاب تلك الرويات كانوا يحصلون على أجرهم بحسب عدد الكلمات.
إيشيجورو: عندما جئت إلى بريطانيا للمرة الأولى وأنا في الخامسة، كان من الأشياء التي صدمتني في الثقافة الغربية ما رأيته في مشاهد القتال في أفلام مثل زورو. كنت في ذلك الوقت منغمسا في تراث الساموراي حيث تحضر جميع مهاراتهم وخبراتهم في لحظة واحدة فارقة بين الفائز والخاسر، بل هي فارقة بين الحياة والموت. تراث الساموراي كله هكذا، سواء الأعمال التافهة أم أعمال كيروساوا الفنية. وكان ذلك جزءا من سحر وتوتر القتال بالسيوف بالنسبة لي أنا على الأقل. ثم رأيت أمثال باسيل راثبون يلعب دور شريف نوتنهام أمام إيرول فلاين في دور روبن هود، ويجري بينهما حوار طويل ومسهب وهما يتقارعان بالسيوف، واليد التي لا تحمل السيف تقوم بهذا النوع من التلويح في الهواء، وبدا أن الفكرة هي أن تدفع بخصمك إلى الحافة بينما أنت وإياه منخرطان في حوار طويل مصطنع حول الحبكة.
جايمان: نحن الآن نقفز من سمة في تراث نوعي معين إلى أخرى.
إيشيجورو: أنا مغرم بأعمال الغرب الأمريكي، لا سيما المتأخرة منها. فابتداء من الخمسينيات أصبحت المعارك مدروسة وأميل إلى التأمل. تجد لحظة صمت أطول قبل أن يتواجه الناس ويشهروا أسلحتهم. فكرة المواجهة بين اثنين ـ والتي لا معنى لها حينما تفكر في شروط الصراع الحقيقي حيث من الأفضل بكثير أن تتسلل وتضرب عدوك من الخلف ـ أصبحت تراثا نوعيا، فلا يمكن للشرفاء حتى الأشرار منهم، إلا أن يواجهوا أعداءهم هذه المواجهة السافرة. والإلياذة مذهلة في هذا. فالمآزق فيها [أي اللحظات التي يتواجه فيها خصمان] تكاد تكون شاذة. يفترض أن هناك تلك المعركة الهائلة الوحشية المستمرة في السهول المحيطة بطروادة، ووسط ذلك الاضطراب يواجه المقاتل الآخر ويقوم بينهما حوار: فيقال “هيه، وأنت من تكون؟ كلمني عن أصلك”. ويتبادل الخصمان القصص عن أجدادهم فيقول أحدهما “أتعرف، أبي قابل أباك وهما على سفر وأعطاه كأسا شديدة الجمال”، وتقوم فقاعة غريبة حول المتصارعيْن، ثم يتصارعان، أو يكتشفان في بعض الأحيان أنهما معجبان بأحدهما الآخر فيقرران ألا يتقاتلا. أشياء من قبيل المواجهة الأخيرة بين هكتور وأخيل تقف في صف كيروساوا بالقطع لا في صف إيرول فلاين.
لكن دعني أرجع مرة أخرى إلى نظريتك عن الأفلام الإباحية والأفلام الاستعراضية. أعجبتك الفكرة؟
جايمان: وقعت في غرامها. لأنه يبدو لي أن الموضوع ليس هو المحدِّد للنوع. الأنواع لا تبدأ في الوجود حينما يكون هناك ما يكفي منها لتحقيق قدر من الثقل داخل متجر بيع الكتب، وحتى ذلك يمكن أن ينتهي. فقد حكى لي عامل في متجر للكتب في أمريكا أنه كان يعمل في [سلسلة مكتبات] بوردرز حينما قررت الإدارة التخلص من قسم روايات الرعب لأن الناس لم تعد تقبل عليه. فكانت مهمته أن يقرر أي الروايات ستكمل حياتها في أقسام الخيال العلمي والفنتازيا وأيها إلى قسم الإثارة.
إيشيجورو: هل يعني هذا اختفاء الرعب كنوع أدبي؟
جايمان: من المؤكد أنه توارى كفئة تصنيفية في متاجر الكتب، وقد كان معنى ذلك لكثير من الناس الذين يعيشون من عملهم ككتّاب رعب أن يحددوا هوياتهم، لأن المبيعات كانت تتراجع. والحقيقة أن أغلب الكتب التي تنشر الآن كروايات إثارة كانت لتنشر كروايات رعب قبل عشرين عاما في ما أظن.
إيشيجورو: ليست لدي مشكلة مع التصنيفات التسويقية، ولكنني لا أعتقد أن لها نفعا لأحد غير الناشرين ومتاجر الكتب.
***
جايمان: كيف كان رد الفعل على “لا تفلتني “؟ أعتقد أن آخر ما كان يتوقعه القراء منك في تلك المرحلة هو أن تكتب رواية خيال علمي، فهي وإن تكن رواية عن الناس، تبقى بلا مواربة رواية خيال علمي.
إيشيجورو: يبدو لي أن قضية الخيال العلمي لم تكن وقتها بحجم قضية الفنتازيا هذه المرة. لقد استخدمت أفكار الخيال العلمي في جميع أنواع الروايات، حتى أن هناك تراثا يمكن أن تسميه خيال 1984 العلمي: أوروِل، وجي إتش وِلز وغيرهما.
ومع ذلك، ربما ما كان ليخطر لي أن أستعمل بُعد الخيال العلمي في “لا تفلتني” قبل عشر سنوات أو خمس عشرة سنة من كتابتها. الحقيقة أنني حاولت كتابة تلك الرواية مرتين في التسعينيات فلم أتمكن من ذلك. ولم يحدث إلا في المحاولة الثالثة، في قرابة عام 2001، أن خطرت لي الفكرة: لو جعلتهم مستنسَخين، فمن منهم سوف يقع عليه الاختيار ليكون بمثابة مزرعة للأعضاء البشرية، ونجحت الرواية في تلك المرة.
قبل ذلك، في سياق أكثر واقعية، كنت أناضل فعليا: كيف يتسنى لي أن أجعل الشباب يعرفون خبرة الشيوخ، كيف أحقق هذا الموقف؟ ولم تكن الأفكار التي تخطر لي جيدة للغاية، كأن يصيبهم جميعا مرض ما، أو أن يتعرضوا لمواد نووية تهدد طول أعمارهم تهديدا جسيما.
في وقت ما من التسعينيات، شعرت بتغير المناخ في متن العالم الأدبي. كان ذلك أثناء ظهور جيل أصغر من الكتّاب الذين أحترمهم، ومن بينهم ديفيد متشل. أو صديقي أليكس جارلاند الذي يصغرني بخمسة عشر عاما أو ستة عشر، والذي اشتهر بـ “الشاطئ” ـ كان يعرض عليّ سيناريوهات يكتبها، ومن بينها “بعد 28 يوما” الذي تحول إلى فيلم زومبي شهير، ثم كتب “الشروق” عن رحلة بشر إلى الشمس. كلمني أليكس عن روايات الجرافيك، قال إنني لا بد أن أقرأ آلن مور وفرانك ميلر وكل أولئك الكتاب، فاستشعرت ابتداء من التسعينيات أن هناك جيلا كاملا من الكتاب الناشئين الذين يتبنون من الخيال العلمي موقفا شديد الاختلاف، وأن هناك بسبب ذلك قوة جديدة من الطاقة والإلهام. قد تكون لي التحيزات الطبيعية لأي شخص من جيلي ولكني شعرت أنني تحررت بسبب ذلك الجيل من الكتّاب. والآن أشعر أنني حر في أن أستخدم أي شيء تقريبا. والناس في مجتمع الخيال العلمي كانوا في غاية اللطف مع “لا تفلتني”. وأنا مستمتع إلى حد كبير بدخولي العفوي إلى الفنتازيا أيضا، برغم أنني لم أكن حينها أفكر في “العملاق الدفين” بوصفها عملا فنتازيا، كل ما أردته أن يكون فيها بعض الغيلان.
جايمان: الأمر الذي يذهلني هو أنه في الوقت الذي كان تولكن يكتب فيه “لورد الخواتم” لم تكن الرواية تعتبر فيه من نوع الفنتازيا أيضا: فالذي استعرض الجزء الأول في تايمز كان دبليو إتش أودن. كانت رواية، وكان فيها ببساطة غيلان وعناكب عملاقة وخواتم سحرية وأقزام. في ذلك الوقت، كانت تلك الكتب تنتج بمثل الطريقة التي أنتجت بها أنت “العملاق الدفين”، بمعنى أنك كتبت أشياء أخرى، ثم جاء الوقت فأردت أن تؤلف كتابا فيه رواية لا يمكن أن تنجح إلا لو كان لدك تنين ينفث على العالم بخارا سحريا، وأردت أن يحدث ذلك في عالم ما بعد أرثري post-Arthurian ، واحتجت إلى مسوخك وغيلانك وجنياتك الصغيرة. كان هناك ناس من أمثال هوب ميرليس الذي كتب شعرا حداثيا وروايات عميقة الواقعية وكان واحدا من مجموعة بلومزبيري وكتب رواية رائعة عنوانها “لاد في الضباب” وسلفيا تاونسند التي ألفت كتبا مثل “ممالك الأقزام”. وكانت هذه الأعمال تقبل ببساطة كجزء من متن الأدب.
العملاق الدفين
إيشيجورو: فما الذي حدث إذن؟ لماذا لدينا مثل هذا السور الآن حول الفنتازيا، بل وما يشبه الوصمة عليها؟
جايمان: أعتقد أن هذا نتاج للنجاح التجاري الهائل في الستينيات، عندما احتفى عالم الهيبيز بـ “لورد الخواتم” فأصبحت ظاهرة عالمية في عالم النشر. وترتب على ذلك أن قاموا في بان/بالانتين ـ وهي بمثابة المتخصص الأكبر في أدب فنتازيا الراشدين ـ باستعراض أرشيفات الكتب الصادرة في المائة والخمسين سنة أو المائتي سنة السابقة بحثا عن أشياء من قبيل “لورد الخواتم”. فكنت تجد أمثال تيري بروكس الذي ألف كتابا بعنوان “سيف شانارا”، وكان في جوهره “لورد الخواتم” لكن بقلم شخص لا يطاول مؤلفها، ومع ذلك حقق مبيعات جيدة للغاية. بحلول ذلك الوقت كانت الفنتازيا قد حظيت بمكان لها في متجر الكتب، وباتت تعد أدنى من الأدب الواقعي القائم على المحاكاة. أعتقد أن النقاد والمحررين كانوا لا يجيدون لغة الفنتازيا، ولا يألفونها، ولا يعرفونها. كنت أنبهر أن تيري براتشيت يجد حوله من ناحية أشخاصا مثل آيه إس بيات يقول إن “هذه كتب حقيقية، وتقول أشياء مهمة وهي جميلة الصنع” وفي المقابل لا يجد أي اعتراف حقيقي. أتذكر أن تيري قال لي مرة “أتعرف، يمكنك أن تكتب كل ما تريد، ولكنك لا تكاد تضع مجرد تنين حقير حتى يقولوا إنك كاتب فنتازيا“.
***
إيشيجورو: لعل نغفل في نقاشنا هذا بُعدا. هل ثمة في الكتب ـ خلافا للسينما أو التليفزيون ـ شيء له علاقة بالإحساس الطبقي؟ هل تتذكر رواية “تعليم ريتا Educating Rita”؟
جايمان: بالطبع
إيشيجورو: ما يحدث فيها هو أنه عندما تود فتاة من الطبقة العاملة أن “تحسِّن وضعها” فإنها تذهب إلى الكلية وتدرس الأدب. وهذا ما يفصل بينها وبين جذورها الطبقية. ولا تعود لديها المقدرة على الارتباط بأسرتها، ولكنها تبدو على نحو ما مستعدة لدخول عالم الطبقة الوسطى. ذلك الجانب موجود دائما في الكتب. وأنا في غاية الوعي بأن ذلك جزء مما يجعل الناس راغبين في قراءة كتبي: يرون أن ثمة رونقا في رؤيتهم ممسكين كتابا لأديب. ولو أنهم يريدون أن يصعدوا السلم الطبقي فلن يكون كافيا أن يجنوا الكثير من المال: عليهم أيضا أن يتمكنوا من الحديث في شؤون الثقافة، وأن يقرأوا نوعية معينة من المؤلفين ويترددوا على نوعية معينة من المسرحيات. وذلك أمر لا أشعر تجاهه بالارتياح.
جايمان: نحن إذن نتكلم عن القراءة بهدف المتعة في مقابل القراءة بهدف الترقي. هي إذن الفكرة الفكتورية المتعلقة بالارتقاء عبر الأدب، عمن يريدون بطريقة ما تحسين أوضاعهم أو عقولهم، عمن يكفيك أن تستعرض مكتباتهم فتعرف من يكونون، في مقابل من يقرأون ليلجوا عالم القصة.
إيشيجورو: القراءة من أجل الترقي لا تمثل لي مشكلة بالضرورة. أنا في الغالب أتناول الكتاب الذي أعتقد أنني سوف أستمتع به، والذي أظن أيضا أنه سوف يجعل مني، بمعنى من المعاني، شخصا أفضل. ولكنك حينما تسأل نفسك “هل سيحسنني هذا الكتاب؟” فما الذي تسأل عنه بالفعل؟ أعتقد أنني أتجه إلى الكتب طلبا لنوع ما من التغذية الروحية والفكرية، التي أعتقد أنني سوف أعرف من خلالها شيئا عن العالم، وعن الناس. أما لو كنا نقصد بـ “التحسين”ارتقاء السلم الطبقي، فليس ذلك ما ينبغي أن يكون للقراءة والكتابة شأن به. الكتب تقوم بوظيفة بعض أنواع السيارات والمجوهرات، إذ تشير إلى وضع اجتماعي لا أكثر. هذا الدافع يربط نفسه بالقراءة أكثر ربما مما يربط نفسه بالسينما.
كثير من كلاسيكيات السينما التي يدرسها الباحثون هي من الخيال العلمي، مثل “العاصمة” لفريتز لانج، وسولاريس لاتاركوفسكي، و2001 لكوبريك، لا يبدو أن هذه الأفلام تعاني وصمة العار النوعية التي كانت لتعانيها نظائرها في قالب الكتاب.
جايمان: أتذكر أني قرأت في طفولتي مقالة لـ سي إس لويس يكتب فيها عن كيفية استعمال الناس لمصطلح “الهروبية escapism” ـ عن النظرة الدونية إلى الأدب حينما يستعمل في الهروبية ـ ويقول لويس إن هذا شديد الغرابة، إذ ليست هناك في واقع الأمر إلا فئة واحدة من الناس هي التي تخشى الهروبية، وتلك هي فئة السجانين، أولئك الذين يريدون أن يستبْقوك حيثما توجد. أنا شخصيا لم يكن لي قط مأخذ على الأدب الهروبي، لأنني أرى أن الهروب أمر حميد: الذهاب إلى مكان مختلف، لتعلم أشياء جديدة، ثم الرجوع بأدوات ربما لم يكن لك علم بها.
لقد كنت أكتب مراجعات كثيرة للكتب في مطلع الثمانينيات، فبدا لوهلة أن جميع كتب الشباب كتاب واحد، عن صبي يعيش في ظروف فيها قدر هين من الوضاعة، وله أخ أكبر يمثل له قدوة سيئة، وتمر بالبطل ظروف عصيبة ثم يسارع إلى معلم أو شخص كبير فيلهمه السبيل إلى إعادة حياته إلى مسارها الأمثل. كانت كتابات مؤسية. والشيء الرائع في جيه كيه رولنج هو الفكرة المفاجئة المتعلقة بإمكانية تأليف كتب للصبية قادرة على المضيّ إلى أماكن غريبة رائعة، فتكون قراءة ممتعة بحق، وهذا من جملة الأسباب التي حوّلت كتب الأطفال من نطاق ثانوي في متاجر الكتب إلى قوة هائلة في صناعة النشر في بريطانيا.
حينما بدأت أكتب “كارولين” سنة 1991 وعرضتها على محرري، أوضح لي أن ما أكتبه غير صالح للنشر. ولم يكن مخطئا. كان اسمه رتشارد إيفانز وكان شخصا حاد الذكاء، عظيم الموهبة. ولما أوضح لي أن الكتاب الموجه للأطفال والراشدين والذي يكون في جوهره منتميا إلى أدب الرعب غير صالح للنشر، صدقته.
إيشيجورو: علام كان اعتراضه بالتحديد؟ أن الكتاب مرعب أكثر مما ينبغي؟
جايمان: أنه مرعب أكثر مما ينبغي، أنه موجه بوضوح شديد إلى الأطفال والكبار، أنه غريب، لكونه أدب رعب فنتازي، ولم يكن أمامهم سبيل لنشره. كانوا يعرفون أي النوعيات التي يشتريها أمناء المكتبات وطريقة استعراض الكتب، ولم يكن ما كتبته بالذي يمكن أن يبيعوه. ولم يحدث إلا بعد وقت كبير، حينما صرت في عالم ظهرت فيه كتب ليموني سنيكيت، ويقرأ فيه فيليب بولمان وراولنج، وتواجدت فكرة الكتاب العابر للفئات الذي يمكن أن يقرأه الصغار والكبار، لم يحدث إلا بعد ذلك كله أن نشر الكتاب.
إيشيجورو: لعل الأشياء التي كانت تنحرف عن الواقعية هي التي كانت تثير قدرا كبيرا من الريبة. ولكن كارولين يبدو كتابا يعلن بوضوح أنه يواجه كل الأشياء الواقعية. هو عن طفلة تتعلم التفرقة بين أنواع مختلفة من الحب الأبوي، التمييز بين حب قائم على احتياج شخص ما وإشباع احتياج شخص ما، وما هو في واقع الأمر حب أبوي أصيل قد لا يبدو للوهلة الأولى ناطقا بالحب. لا أفهم كيف يمكن لشخص أن يخطئ فيتصوره نوعا من الهروبية، فالأمر لا يقتصر على اصطحابك الأطفال في جولة غريبة ممتعة.
جايمان: أعتقد أن القواعد تتداعي والحدود تنكسر، وأحب فكرة أنك في بعض الأحيان إذا كنت ستكتب رواية واقعية فإنك ستضمنّها الفنتازيا أيضا. فحينما يكون لديك ـ على سبيل المثال ـ أصدقاء متدينون للغاية يعيشون في عالم فيه إله يكترث لأمرهم، ويراقبهم فيه موتاهم من السماء، هؤلاء ناس طبيعيون عاقلون منطقيون من القرن الحادي والعشرين، لكن المرء إذا كان سيكتب عن عالمهم، فسوف يكون بحاجة إلى الكتابة في سياق ما قد يعرف بالواقعية السحرية أو ربما الفنتازيا.
إيشيجورو: كان المبدأ الذي استرشدت به أثناء كتابة “العملاق الدفين” هو أنني سوف أبقى في حدود ما قد يؤمن به شخص يعيش في عصر البدائية ما قبل العلمي إيمانا عقلانيا. فإذا لم يكن لديك تفسير علمي للمرض الذي ألمّ بأحد أعزائك، فمن المنطقي للغاية ـ في ما يبدو لي ـ أن تقبل بتفسير من نوعية أن “جنية جاءت في جنح الليل فأنزلت هذا المرض بزوجتي، وليتني فعلت شيئا، فقد سمعت صوت شيء يتحرك في تلك الليلة ولكنني كنت متعبا بعض الشيء فقلت لا بد أن يكون جرذا أو شيئا من هذا القبيل…”.
لو كان ذلك جزءا من العالم الخيالي لأهل ذلك الزمان لسمحت به كما هو في عالمي الروائي، ولكنني ما كنت لأسمح بطبق طائر أو آلة زمن لكونهما من خارج العالم.
جايمان: أرى أننا نصل إلى الكثير من نقاط الالتقاء هنا. بالنظر إلى أمثال مايكل تشابون وديفيد متشل وإميلي سان جون ماندل، أي الكتّاب العازمين على الانطلاق والارتياد، هؤلاء الكتّاب نشأوا في عالم متاح فيه الخيال العلمي والفنتازيا، ومتاحة فيه كتب الأطفال الجيدة.
إيشيجورو: نعم، بات العرف الآن بالنسبة للكتّاب الجدد أن يفكروا في ضوء رواية الدستوبيا أو الخيال العلمي.
جايمان: وهذا طريق يحسن ارتياده. خاصة أنني لا أعتقد أن هناك إنسانا في هذا الكوكب لم يصادف على مدار السنوات الخمس عشرة أو العشرين الأخيرة ظاهرة الصدمة المستقبلية التي وصفها آلفين توفلر: فكرة أن العالم بات أسرع كثيرا، وأن كل شيء يتغير، وأن العالم الذي عرفه آباؤنا وأجدادنا ليس العالم الذي نعيش فيه الآن. فلو أنك تعيش في هذه البيئة فالخيال العلمي هو الطريقة الطبيعية للكلام عنه، وبالذات الخيال العلمي الدستوبي الذي عادة ما يبدأ بأن ينظر الكاتب حوله فيرى ما لا يروق له فيفكر “وماذا إن استمر هذا، ثم …”.
إيشيجورو: أعتقد أنه من المثير أن نشهد الآن كل ذلك الشيوع لكلمة “دستوبيا”. ثمة ما يبعث في نفسي الطمأنينة حينما أقرأ هذه الكلمة، فهي تقول إنه ما سأقرؤه سوف يسكون نوعا من الامتداد المنطقي المقبض لعالمنا الذي نعرفه، وسوف يكون تعليقا على عالمنا. ومن ثم فلا مجال للخوف من التفاهة وانقطاع الصلة. لو أنني أستشعر أن ما يفعله كاتب لا يعدو نسجه عالما بديلا لا يعرفه غيره، ولن يخبرني بأي شيء عاطفي أو فكري عن العالم الذي أعيش فيه، فسوف ينفد صبري وأقول “إنني لا أقوى على الذهاب إلى هناك، فما الذي يجعلني أذهب إلى هناك؟”. هل لديك أي تعاطف مع هذا؟
جايمان: أنا مثلك في هذا. ولكنني قد أوسّع الفكرة فأقول إن الهروبية جيدة إذ تتضمن أشياء من قبيل روايات ميلز آند بون Mills & Boon novels [الغرامية]، الأشياء التي تجلب البهجة للناس، البهجة التي لا يمكن استعراضها في صفحات الكتب بالجرائد، لأنها ببساطة، وكما لا يخفى عليك، هي المعادل لتناول الآيس كريم. أعتقد أن النظرة الدائمة إلى هذا هي نظرة ارتياب، شأن روايات الأجزاء الثلاثة الفكتورية التي كانت تكتبها الآنسة بريزم مثل “أهمية أن تكون إيرنست”، أو التعليق الوارد في “الليدي تشاترلي”: “هل يمكن أن تسمح لخادمك بقراءة هذا؟” ـ فكرة أنه إذا كان سيتاح للخدم أن يقرأوا، فينبغي أن يقرأوا أدب الترقي، لا الأشياء التي لا غاية منها غير الإلهاء.
أنا لا أقول إنه لا أفضلية لكتاب على كتاب، كل ما أقوله إن للكتب أغراضا مختلفة. وبصفة أساسية، أنا أؤيد ديمقراطية الكتب، كما أؤيد فكرة أن هناك بعض الاصطناع في هيراركية الكتب. كان هناك كاتب خيال علمي يكتب في الأربعينيات والخمسينيات اسمه ثيودور ستيرجيون، وهو الذي وضع قانون ستيرجيون. قال إن “90 في المائة من الخيال العلمي قمامة، ولكن 90 في المائة من أي شيء قمامة” وهو قانون يجدر بنا دائما أن نتذكره.
إيشيجورو: أريد أن أرى الأشياء تتهاوى أكثر من ذلك. أفترض أن موقفي الجوهري هو أنني أرفض أي نوع من بوليس الخيال، سواء كان مبعث هذا البوليس أسبابا تسويقية أم عجرفة طبقية.
ولكن الوصمة التي تلوث الفنتازيا قد تكون أوسع من عالم الأدب. فمنذ بداية العصر الصناعي، بات مسموحا للأطفال بعالم لا بأس فيه بالفنتازيا والخيال، بل هما أمران مرغوب فيهما. ثم يصل الأطفال إلى سن معين، وييتحتم البدء في تأهيلهم ليكونوا وحدات من قوة العمل، فيبدأ المجتمع في العمل على استئصال عنصر الفنتازيا منهم، ليتسنى تحويلهم إلى عمال في المصانع، وإداريين، وغير ذلك، إذ لا يبدو ثمة نفعا بالنسبة للمشروع الاقتصادي الكلي في أن يكبر أطفال وهم محافظون على العنصر الفنتازي. أنت لا تريد الناس الحالمين بإفراط أو الذين يتخيلون أشياء، بل تريدهم أن يقبلوا أن هذا هو من أهم دقائق الحياة الحقيقية، وأن كل ما عليهم هو أن يتواءموا معه.
ولست أذهب إلى أن هناك بالضرورة حكومة فاسدة تتلاعب بنا أو أي شيء من هذا القبيل، بل الأمر موجود ببساطة في المجتمع. فالآباء بصورة طبيعية سوف يثنون أبناءهم عند سن معين عن الاستمرار مع عنصر الفنتازيا في حياتهم، وستفعل المدارس الشيء نفسه أيضا. إلى أن يصبح الأمر تابو في المجتمع الأوسع.
ولعل من بين أسباب تفكك الوضع، وزوال الوصمة في السنوات الخمسة والعشرين الأخيرة أن طبيعة مشروعنا الرأسمالي تغيرت. فنحن لم نعد عمال مصانع، أو إداريين، أو جنودا وما إلى ذلك. ومع حلول تفكير السماء الزرقاء [ويقصد به التفكير الخلاق غير المرتبط بالسائد من الأفكار والمعتقدات ـ المترجم عن معجم كولنز]، والصناعات التكنولوجية الجديدة التي قادت مسيرة العقدين الماضيين والتي يبدو أنها تقتضي نوعا ما من الخيال، ربما بدأ الناس في التفكير بأن هناك منفعة اقتصادية ما من السماح بالانغماس في ما كان يعد يوما فنتازيا طفولية. ولا بد أنني الآن أبدو أقرب إلى أستاذ اجتماع في السبعينيات، ولكني أعتقد أن كلامي لا يخلو من شيء ما.
جايمان: عارف، كنت في الصين سنة 2007، بمناسبة المؤتمر الأول للخيال العلمي المقام برعاية الدولة وموافقة الحزب. جاؤوا في ذلك المؤتمر ببعض الناس من الغرب وكنت أحدهم، وكنت أتكلم مع عدد من كتاب الخيال العلمي الكبار في الصين، فقالوا لي إن أدب الخيال العلمي لم يكن يلقى نظرة دونية وحسب، بل يعد مريبا ومناهضا للثورة، لأنك قد تكتب قصة تجري أحداثها في مستعمرة نمل عملاقة في المستقبل حيث يتحول البشر إلى نمل فلا يعرف أحد على وجه الدقة: هل هذه الرواية تعليق على وضع الدولة القائم؟ ومن هنا كان يبدو أكثر مراوغة مما يمكن احتماله.
انتحيت بأحد المنظمين الحزبيين جانبا وقلت له “أوكيه، ما الذي يجعلكم الآن في 2007 تقرون بمؤتمر للخيال العلمي؟” فكان رده أن الحزب لديه تخوفات من أن الصين كانت على مدار التاريخ ثقافة سحر وجموح، ولكن الصينيين الآن لا يخترعون أي شيء. هم بارعون بالطبع في تصنيع الأشياء، لكنهم لا يخترعون. فذهبوا إلى أمريكا وحاوروا الناس في جوجول وآبل وميكروسوفت، وتحدثوا مع المخترعين، واكتشفوا في كل حالة أن هؤلاء المخترعين قرأوا في صغرهم الخيال العلمي. ولذلك قرر الصينيون أنهم سيقرون رسميا بالخيال العلمي والفنتازيا.
إيشيجورو: هذا مثير جدا للاهتمام.
جايمان: وهو ما يوضح نظريتك أنت تمام الإيضاح. الأمر له علاقة بالاقتصاد وقوة العمل في مجتمعٍ لفعل الخيال فيه مثل أهمية فعل الكدح. عندنا آلات يمكنها أن تكدح، لكن ليست لدينا آلات قادرة على الخيال.
إيشيجورو: هل سبق لك أن شاركت في فعالية في ميكروسوفت أو جوجول؟
جايمان: نعم. في جوجول وفي ميكروسوفت. في جوجول كان الأمر كالذهاب إلى حفلة سحرية يقيمها ناس لطفاء، كان ذلك قبل سنوات قليلة، لا أعرف إن كانوا لا يزالون إلى الآن ممتلئين بالحماس والرقة وما إلى ذلك. أما في حرم ميكروسوفت فقضيت نصف ساعة أحاول إقناع شخص في الاستقبال أن اسمي ليس كما يتصوره، وأن فيه نونا وجيما، وأنني لم أكن هناك لإلقاء محاضرة عن الأمن السيبري، ثم عثرت أخيرا على مجموعة من الناس كانت في انتظاري منذ خمس وأربعين دقيقة في غرفة، ولم تكن الهواتف المحمولة تعمل بكفاءة فلم تصلهم رسالتي، وكان ذلك تناقضا غريبا.
إيشيجورو: لكن الشيء المثير أنك دعيت إلى حرم ميكروسوفت. لقد كنت هناك في الحقيقة الشهر الماضي. رأوا أن وجودي هناك مفيد للشركة، وأفترض أنا، بالمعنى الأعم، أنه مفيد للاقتصاد ككل.
……………………
*اكتفيت بترجمة هذا الجزء من الحوار الطويل الذي نشر في نيوستيتسمان ونشرت ترجمته في حلقتين في شرفات الأسبوع الماضي، وفي جريدة عمان اليوم
*نقلاً عن مدونة قراءات أحمد شافعي