رضوان بن شيكار
زخات خفيفة داعبت خصلاتك
المبعثرة بهبوب دافئ ذاك الصباح،
المضمخ بعطر أنفاس خريف يخلع جلده
ويغادر المدينة بخطوات متثاقلة،
نحو المدى المكلل بالعنفوان،
المنفلت من بقايا الحكايات
المتربصة في المرايا،
خلف أبواب السراب.
كأننا مسافرون عبر الزمن
أو لاجئون يتحينون الخلاص
من حرب ضروس،
عبرنا الممر الحدودي المستعر
كقطعة من نار،
وسط أكوام من الوجوه المكدسة،
أرهقها القهر وأفقدها الحرمان
بريقها الآدمي،
ومثل غريبين يلتقيان صدفة
مشينا خلف باعة أوراق اليانصيب
والنبيذ المهرب،
نتحسس الفراغ الذي كبر بيننا
فاستحال أشجار سرو على الرصيف،
تكاد من فرط علوها تبتلع ظلين
إلى الأبد،
بعد أن أجلت الأيام لقاءنا
وأسرته في غور سحيق،
ورمت به إلى غياهب التلاشي
كمعطف منسي تتخاطفه الأشباح
في برج بحري مهجور،
والبحر يلف خصر المدينة
المتراقص على أمواج صغيرة
ترتطم بالسور الصخري العتيق
بصخب وانتشاء،
ويمسد جسد الليل الملتهب
بالرغبات المتناثرة،
على امتدادا شطأن الغواية والظمأ،
قبل أن ترن أجراس البعاد
وتمتلأ أشرعة السفن بالريح
ملوحة برحيل جديد.