قوس قزح

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

 كانت مدينة اسبراريا تعانى من الزحام، والناس يشعرون بالملل، فقد كانت كل أيامهم متشابهة، يستيقظون، يفطرون، يذهبون، لأعمالهم، يعودون فى المساء مرهقين، متعبين، يجلسون أمام التليفزيون، ثم ينامون. وكان الصغار أيضا مثقلين بواجباتهم المدرسية، وحدث يوم أن أمطرت السماء، تساقطت حبات المطر أثناء النهار، وتولد قوس قزح بألوانه الزاهية، الأحمر، البرتقالى، الأصفر، الأخضر، الأزرق، الأزرق النيلى، البنفسجى.

ظل قوس قزح معلقًا فى الهواء، مزهوًا بألوانه، منتظرًا تهليل الأطفال، وصيحات الإعجاب، لكن شيئا من هذا لم يحدث فى ذلك اليوم، فقد كانت الأمهات العائدات من العمل مشغولات بشراء مستلزمات العشاء، وكانت الأمهات المقيمات بالبيت، لا نافذة لمطابخهن ترى السماء، فقط كانت النوافذ تطل على مطابخ الجيران، وكان آباء يحاولون اللحاق بالأتوبيس، وآباء آخرون كانوا يبدأون وردية عمل ثانية، والأطفال الصغار حجزتهم أمهاتهم فى حجراتهم خوفا عليهم من البرد، وكانت واجهات العمارات الأمامية، والستائر المنسدلة، تمنع الصغار من رؤية الشمس أو القمر أو النجوم، كان الصغار يعرفون الطبيعة من خلال الكتب لكن أيا منهم لم يشعر بدفء الشمس على جلده، أو شَكّلَ من النجوم حُوتا أو دُبا، وكان القمر بالنسبة لهم كائنا أسطوريا يشبه الأغانى والأحلام، انتظر قوس قزح وانتظر حتى قاربت الشمس على المغيب، أثار هذا التجاهل قوس قزح فقرر الرحيل عن المدينة وسحب خلفه ألوانه الأحمر، البرتقالى، الأصفر، الأخضر، الأزرق، الأزرق النيلى، البنفسجى، ارتدى كل لون عباءته الشتوية وصعد خلف قوس قزح إلى ما وراء التل المحيط بالمدينة
عندما جاء الصباح حضرت الشمس لكن ضوءها الأصفر الذهبى لم يسطع، ظلت الشمس غائمة خلف السحب الرمادية، فظل كثيرون نائمين، لم يذهب الآباء إلى عملهم، والأمهات لم يستطعن تحضير الإفطار فقد اعتقدت الأمهات أن الجبن، والمربى، والشكولاتة قد فسدت فاختفى لونها، وفى حيرتهن، لم يلاحظن ما حدث فى الشارع فقد أصبحت أوراق الأشجار خالية من لونها الأخضر، والزهور صارت شفافة بلا لون، والنهر فقد زرقته، وفى السوق كانت الظاهرة شديدة الوضوح، فلم يستطع الباعة وهم يرصون الخضروات والفاكهة التمييز بينها، واختلطت الطماطم مع التفاح مع البرقوق والخوخ، واختلطت الكوسة مع الخيار مع الباذنجان، ولما اختفت الألوان أصبح طعم كل المأكولات فى السوق والسوبر والمطاعم متشابها، ورغم شعور أهل اسبراريا الدائم بالضجر، فإن اختفاء الألوان أصابهم بالحيرة والذهول، فى البداية ظن أهل المدينة أن مرض عمى الألوان قد أصاب عيونهم، ذهبوا إلى الأطباء، فحص الأطباء عيونهم، لكنها كانت سليمة، حتى الأطباء أنفسهم كانت عيونهم لا ترى الألوان. ومع استمرار اختفاء الألوان حدث تغير كبير لدى سكان المدينة، فقد ازداد شحوب بشرتهم، وزاد لديهم الشعور بالتعب والإجهاد، وعرف الأطباء السر فقد فقدت كرات الدم لونها الأحمر القانى، ولم تعد تحمل الأكسجين لخلايا الجسم، خاف العلماء أن يؤثر هذا على مستقبل الجنس البشرى، وأن ينقرض سكان المدينة كما انقرضت الديناصورات. اجتمع مجلس الحكماء فى اسبراريا، لبحث المشكلة والتفكير فى حل، وبعد مناقشات طويلة، قرر سكان المدينة أن يعتذروا للألوان فقام كل بيت فى المدينة بغرس شجرة أمامه، وقاموا بدهان واجهات البيوت، وأخذ المزارعون يربتون على أشجار بساتينهم ويحكون لها قصصا ونوادر مضحكة، لعل أزهارها أو ثمارها تتلون، وأخذ الصيادون يتغنون بجمال الألوان وهم يرمون شباكهم ويصطادون السمك من النهر، وقام الأطفال برسم شموس وأقمار ونجوم وفراشات فى كراساتهم، رأت الشمس كل ما يفعله أهالى المدينة، فأخبرت قوس قزح والألوان عن ندم مدينة اسبراريا واعتذار أهلها، ورجتهم العودة للمدينة، لكن قوس قزح كان غاضبا، فرفض العودة. حزنت الشمس ولم تعرف كيف تحل المشكلة، أخذت تفكر وتفكر وأثناء تجولها فى شوارع المدينة الباهتة، لمحت طفلة صغيرة، اسمها مريم تحمل باقة زهور بلا لون، وتحاول بيع زهورها فى إشارة مرور، لكن قائدى السيارات لم يكونوا يلاحظون الزهور التى لا لون لها فى يد «مريم»، تعبت «مريم»، فركنت ظهرها إلى سور جسر كان يعبر النهر، اقتربت منها أشعة الشمس ولاحظت تجمع الدموع فى عينيها البريئتين، أرادت الشمس أن تمسح دموعها، فأرسلت شعاعا اخترق القطرة المتكونة من دموع مريم وكانت المفاجأة أن قوس قزح قد تكون من تقابل شعاع الشمس مع دموع «مريم»، وانعكست ألوانه على خدها الشاحب وباقة زهورها فعادت الحمرة لهما، فرحت «مريم» وهللت لقوس قزح الصغير المعلق أمامها، سمع قوس قزح الغاضب فى كهفه، صياح «مريم»، فتأثر لفرحتها وأطلق ألوانه، التى عادت رويدا رويدا للأشجار والثمار والزهور والنهر، وعادت الحياة للمدينة
واحتفالا بهذه الذكرى يقام فى اسبراريا فى كل عام مهرجان قوس قزح فى أواخر الشتاء وأوائل الربيع.

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون