مرزوق الحلبي
ضع أمامهم من أوّل جولة
أسماء قتلاك
ومدائن ضاع أهلُها في المنافي
وقُل: أنا لا أطلب ثأرًا،
لكن،
أفضّل أن نتّفق على نقطة البداية
اسألهم،
هل يعرفون كم حبّة برتقال
كانت يافا تبيعها للغريبِ؟
وكم صحيفة كان يقرأها
المسافرون على رصيف الميناء؟
وكم مدرسة تعلّم اللغات؟
وكم قاعة غصّت يومها بعشّاق كوكب الشرق؟
اسألهم، واترك لهم متّسعًا كي يبلعوا ريقهم
وهم يتذكّرون وجه العروسِ
إذا قالوا لكَ
اترك الماضي،
السهم الذي أطلق لا يُستردّ
والسيّد مَن يملكُ المكانَ
والزمانَ
قُل بصوت خافت:
سيّدهما مَن يملك المعنى!
إذا دخلتَ لُغتَهم،
خذ معكَ لغتَك
وذاكرتَك
ولُغةً ثالثةً تسدُّ عليهم باب التأويلِ
إذا دخلتَ وقتَهم،
فاوِضهم
كأن لا وقتَ
وقُل: لستَ موظّفًا عند أحد
بل غزالًا يُحبّ المسافاتِ
وعزفَ الرُعاة
وضوء القمر
إذا تحدثّتَ،
فكُن معهم في منتهى وجعك،
أرِهُم نُدب روحك كلّها،
لا يموتُ أحدٌ من البوحِ
إذا سألوكَ
هل تكرَهنا؟
قُل: لا أحبّ عدوّي
وأكره السؤالَ
وإذا سألوك عن العنفِ
قُلْ وهل تركتم لنا شبرَ أرض
نزرعُ فيه وردًا ترميه نساؤُنا على جنودكِم؟
أو جدولَ ماء
يرويكم ويروينا بالتساوي
أو نتنزّه عند مصبّه
ونتقاسم بعض زادنا
كما يفعل اثنانِ في نزهةٍ؟
كلّما رجحت كفّتك،
سيذكرون أنهم الضّحايا
فصدّقهم
وسِر معهم شوطًا
وقُل بكلّ مودّة: ونحنُ ضحايا الضحايا
لا تُقاطعْهم
إذا تذكّروا موتاهم في مقابرَ
برلينَ
واقرأ فصلًا من صلاةِ الغائب،
كُن نبيلاً إذا بكوا
وقُل كلامًا طيّبًا علَى جُرحِهم
وإذا ذهبوا للصلاةِ
تأمّل خيرًا في لحظة يلتقون فيها الله
فأنت، أيضًا، تحتاجُها
للتأمّل،
سنكون مُنصفين،
نتّفقُ معكم
على كل ما جرى لكم خلفَ البحارِ
وعلى السؤالِ الذي ولد
ونختلف معكم حتى النُخاعِ
على تاريخكم معنا
ونحتسب!
لا تحشر محدّثيك في الزاويةِ
كأنهم قطٌّ
اترك لهم أن يتأمّلوا أثرَ لغتهم
في المكانِ
وصورتهم في ماء البئر
قُل كلامَكَ
شفيفًا
كما لو أنّك شاعر
يأتي من الجوهرِ البشريّ
لا من وحيٍ إلهيّ
أو من نواحي العدم
الصواريخُ، إذا طارت،
لا تُصدّقها وقُل لو أنها مواسير ماء
ولا تصدّق يدًا خفيفةً على الزنادِ
ورصاصات تُطلقُ استظهارًا
فتُردي نجمةً في السماء
كلّما طلبوا فُسحةً للتشاورِ
كُن كريمًا كأنّ لا وقت بينكما
دخّن على مهلٍ
سيجارةً أو أكثر
ولا ضيرَ أن تعدّ لكَ ولهم
عصيرَ الليمونِ من غير سكّر
لا تُخطئ كما أخطأوا
بالقولِ أنّك أفضل
فأنت كباقي أهلِ الله
لا أقلّ ولا أكثر!
كلّما اقتربتم من الخاتمة
افتعلوا حربًا صغيرة
أضفها إلى سجلّاتهم
وابقَ على صفحِكَ
وقُل لهم إن الجنرال، مهما تخطى الحدود،
سيموت وحيدًا
وتمشي في جنازته ممرّضة أجنبيّة
ستمرّ طائرةٌ فوقَ حلمك
وأنت تفاوض
فابتسم لطيّارِها
وقُل للمفاوضين
أنها لم تعد تقتلُ سوى أطفالٍ
يحتمون بأصدافِ البحرِ
أو بين مسائل الحساب
إذا استحضروا قصصّ الأنبياء
فلا تفرح ولا تسِر في أرضها خطوةً
وقُل لدينا حساسيّة من الأساطير
فهي التي سفكت دمَنا على يدكم
لا مكان بعدَ الآن للأنبياءَ في المحضر البشريّ
خوفُهم،
هو خوفُهم
وإن كان لا مبرّر له
يأتي من الماضي إلى الحاضر ويدورُ
أعِد قلبَك على مسامِعهم كلَّ صباح
كي تكسرَ الحلقةَ المُفرغة
النائمون على حِرابهم يخافُون
من اللحظةِ التالية
والحُراسُ على وقتِ مسروقٍ
يجفلون إذا مرّ طيرٌ إلى عشّه
والسائرون في أرضِ غيرهم
يخافون
خوفَ القاطنين في أعلى نُقطة للهويّة
إذا فتحوا الخرائطَ
كي يُعدّلوا الخطوطَ فيها
ويحسبوا الأمكنةَ
والناسَ
والممرّات الآمنة
قُل لهم،
لُفّوا خرائطكم
لدينا فكرةٌ تتّسعُ للجميعِ
لا مانع أن يكونَ للبلادِ
لغتان
واسمان
ولونانِ
وضفيرتان
لكن، لا توقّع إلّا على شريعة واحدة!
في استشرافِ الآتي
ما يقيك من قسوةِ الماضي
ومن السأم
ويُجنّبك الوقوعَ في حفرةٍ
مع عدوّكَ
قد لا تستطيع استعادة بيارة
أتت عليها البناياتُ
لكن لا تساومهم على كُتبٍ
أخذوها،
كي تستمرّ الحياةُ
كلّما اتّسعت الرؤيا
تعدّدت طُرقُ الخروجِ من اللحظةِ
الآسرة
على التاريخِ أن يبقى
حرًّا
كي يتّسع لرواية ثالثة
(أيار 2021)