قلبٌ ميت

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

لم تعدْ تُفتحُ النافذة التي كانت تُفتح كل صباحٍ على خطوِ موزِّع الجرائد،

لم تعدْ تُفتحُ النافذة التي كانت تُفتح على ضوءِ ليلٍ لا ينتهي...

لم تعدْ تُفتح النافذة التي كانت تُفتحُ لاستقبال ضحكةِ الله...

لم تعد تُفتح النافذة التي كانت تُفتح لقراءة بهجة مُجلجلة، مُعشَّقة بنكهة ماريجوانا.

لم تعد تُفتح النافذة التي كانت تُفتح لسماعِ قلقِ حلمٍ صغيرٍ

من خلفِ خصاصِ   الذاكرة... 

.

لماذا كان على قميصك أن يكون بهذه الخشونة حين لامس خدَّها لحظة الرحيل،

ولماذا دفنتَ نصف وجهها في صدرك وتركت النصف الآخر ينظر إلى الطريق المعاكس لوجهتك؟… لماذا لم تقف الساعة في الثانية العابرة بين خطِّ الالتحام وفجوة الانفصال؟

لماذا كان على القطار أن يمرَّ بين عينَيكَ ليحملَ معهُ متاعها في نظرتكَ وإلى الأبد؟

كيف لم تكتشفا أنفاقَ المدينة لتواري قبلاتكما عن العراء؟

لم تكن مدينتُك ولم تكن مدينتها، لكن الشوارع كانت أطول مما يجب

لتمشيا فيها بحثاً عن ملجأ مأمون يُؤوي ابتسامةً باهتةً وعناقاً لن يطول.

ولم يكن يضيركما أن يستوقفكما متسوِّل سجائر لتعتذر له بكل لطف

فيما كنتَ تمنحُ نظراتِكَ الوارفة لصبايا الأبواب الخلفية.

وكانت هي تغدقُ حلمها على بائعِ الورود عسى أن يُذكِّرك رجاؤه، وهو يمدَّ يدَهُ بوردة حمراء طازجة، أنَّ في وجهها أنفاً كبيراً

يعشقُ العطور

.

لم تعد تُفتح النافذة التي كانت تُفتح منذ سنين على غدٍ أتى أخيراً…  

.

كانَ عليها، بعدَ عودتها مع حقيبةٍ مليئة بالخيبات وعلب الشوكولا، أن تُوصد النافذة وتُحكِم غلقها بخمسةِ أقفالٍ عصيَّة.

تردَّدت كثيراً قبل أن تزيد القفل السادس الذي سيخنقُ آخرَ صبرها مع ظلمة الليل،

بعدما مرَّ القطار في وجهةٍ غير معلومة.

أسدلت الستائرَ ووضعتْ أوراقَ التاروت على طاولة الاحتمال،

كلما قلّبت ورقةً وجدَت فيها الكؤوسَ فارغةً ووجهة السيوفِ نحو قلبها

وكلما حاولتْ القبضَ على الفارس الذي لا يترجَّل عن فرسه، حتى وهو على بابِ الحانة، خرجت الحوريات مع جرارهنَّ

يخرجنَ من الورقة الأخيرة ليغادرن إلى سقاية قلبهِ العطِشِ

يتركنَ الطاولة فارغة إلا من أثر دمعة عابرة.

.

.

دمعةٌ أحرقت نارَ الشمعة الوحيدة التي انطفأت في روحها قبل أن يصل فتيلها إلى دمها الفائر.

كان عليها أن ترصَّ الأوراقَ من جديد لتبحث عن السؤال الغائب، لم تتذكَّره وقتها، وكيف غفلت عنهُ وكيف لم يخطر في بالِها وهي من حزمت حقائب سنينها العجاف مرَّة واحدة

من أجل هذه *النقطة الحمراء تحتَ عينهِ اليسرى؟

كيف تعكَّز سؤالها على حضورهِ وانحنى أمام ابتسامته الضائعة

بين جموع المنتظرين في مطار الغفلة؟

كيف لم يتسنَّ لها أن تصبر قليلاً وتُبعِدَ وجهها بما فيه الكفاية لتتفقّد موجوداتهِ في محيَّاها

وكيف لم يلمح ابتسامتها في عينَيهِ وهو ينظرُ كلَّ صباحٍ

في مرآة ذاتهِ

عندما تستيقظُ العصافير في فمهِ!؟ 

.

كيف لم يشعر بنبضَها في قلبهِ وهي تتوسَّلُ ضمَّتَهُ الأخيرة..

كانت تعرفُ أنها الأخيرة مع أنّها الأولى بحسب التصنيف التاريخي!

كانت تتمنَّى أن لا تُطلي وجهها بمساحيقِ الخجل وأن لا تُغرِقَ عينَيها بكُحل الندامة.

كانت تتمنَّى أن يلعقَ ارتباكةَ يدها لتُورق الحياةَ في عروقِها النافرةِ من جديد.

كانت تتمنَّى أن تمشي عاريةً إلا من روحِها أمامَهُ.

لكن نظرتهُ جرحت طعناتِ الزمنِ على ساقَيها لتزيدَ أخاديدَ الوجعِ الزرقاء عليهما.

لم يكن أمامها سوى أن تغطيهما بشراشف الغياب.. وتنام.  

.

لم تعد تُفتح هذه النافذة التي كانت تُفتح لإطلاق الشتائم والسباب والسلام والسؤال

لتُحلِّق بعيداً نحوهُ أو نحوها..

لم تعد تُفتح هذه النافذة التي كانت تُفتح على قلبٍ مكلوم

ليصبَّ ماءَه على مائِها ليولد وهمٌ جديد.. 

.

.

الظلمةُ التي أطبقت على أنفاسها جعلتها تخلطُ أوراقَ التاروتِ

وتغرس السيوفَ المتقاطعةِ في قلبِ الفارس في غفلةٍ من حورياتهِ.

لماذا كسرنَ جرارهنَّ وراءَها وهي تحاول أن تهزَّ نصل الندم في روحها

لتُخرِجَ وحدتَها من فتنةِ الجنون، وكيفَ ستعبرُ حافيةَ على شظايا وجودهنَّ في قلبهِ لتنسى!؟  

ثقبٌ صغيرٌ في هذه النافذة التي لن تُفتح بعد الآن،

كان كفيلاً بأن يعيدَ الإنسانيةَ إلى قلبها الذي عرفَ الموت منذُ مطلع 2011،

وهي الآن تنتعلُ شظايا وجودهنَّ في عتمةِ روحهِ

تعبرُ عمياءَ على قلبهِ وقلوبهنَّ

تغرسُ المرارةَ فيها دون أن يرفَّ لها

جناحُ نسيان

…………………………

* من ديوان “ملف الحب

*عنوان ديوان سابق للشاعرة

 

مقالات من نفس القسم

خالد السنديوني
يتبعهم الغاوون
خالد السنديوني

بستاني