أشكركم جميعًا،
لقد ساعدتموني كثيرًا لأصدق كل ما أدعيه،
حين منحتكم أصابعي،
وضعتموها في مزهرية جميلة،
فرحتُ،
وصدقت أني حديقة.
حين منحتُكم ظلي،
قمتم بسلخه على العتبات،
ومسحتم أخذيتكم،
فظننت أنَي أضحيةٌ مباركةٌ
وفرحت.
ولمَا أعطيتكم قلبي،
قطعتموه ونثرتموه في حظائركم الصغيرة،
أردكتُ أنَه لم يكن مسمومًا كما تصوَرت
ولم تقلصه الوحدة أبدًا،
ففرحتُ.
أمّا سيرتي الذاتية،
فقد قام أحدكم بفرمها تمامًا،
ونثرها في السماء عاليًا،
حينها ابتهج الأطفال كثيرًا،
عرفت أن حياتي كانت خفيفة ومبهجة،
وكل ما تخللها من جنرالات ونكساتٍ ودماء
كان كارتونًا مسليًا للأطفال،
فارتحت أخيرًا،
وابتسمت.
كل ما حاولت أخذه على محمل الجد،
كل صرخات الاستغاثة،
حتى الدماء السائلة من الرسغين ليلتفت أحدهم.
تصفيقكم الحاد يا سادة،
جعل من كل هذا شيئًا جميلاً،
وحتى وإن كنتم تقذفون الطماطم الفاسدة،
والحجارة
وتهتفون: “بهلوان فاشل”.
…………………………………..
وأنا أنزوي تحت أعمدة الإنارة الخافتة،
تخففت كثير من الأشياء حولي:
الجمال،
العمر،
التجربة،
ينكمش الجلد، ويخبئ بين طياته الكثير،
عشاقًا
أصدقاءً،
نجاحاتٍ ممكنة.
يدهشني أن هذا كله لا يعنيني حقًا،
أن أصابعي لا تمتد إلى أحد
وصدري الذي دائمًا ما كان بحرًا
لم يعد قادرًا على الغضب،
لم يعد راغبًا فيه
والأحلام التي حجبتني كثيرًا عن ممارسة الحياة،
صارت وسادةً مناسبة
لنومةٍ هادئة تحت عمود إنارةٍ طيب
المانشيتات الجارحة في الجرائد
تصلح لقطةٍ عجوزٍ مثلي،
لقضاء حاجةٍ سريعة
دون رحلة مزعجة لمكانٍ يعج بالبشر.
.
يدهشني أن العالم الذي كان شارعًا كبيرًا لرأسي
تقلّص إلى مربعٍ من الإسفلت،
سريرٍ واحدٍ لعظامٍ هشّة
النجاحات الكبيرة
طقطقة سريعة لغرورٍ شخصيٍ زائف
ومضة تصلح لإنارة الطريق،
أمام عينٍ ضيقة يملؤها الماء الأزرق.
تحت عمود الإنارة،
بين كرمشات الجلد وتقلصات الجسد
داخل صدري
البحر الذي جمده الشتاء والعمر والتجربة
هذا ما يمكن أن أسميه الخلاص
الأمومة التي تنز على الإسفلت والكلاب الضالة
اللقمة التي تضعها قطةٌ مشرّدة في فمي
القاتل الذي يمر بي
فيطلب مباركةً ودعوة صادقة
اللص الذي يضع جزءًا من غنيمته في يدي
الله
الذي لن يسألني ما فعلت بعمري
بعد أن وزعته بالتساوي على رمل الطريق.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شاعرة مصرية،
والديوان صادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب 2023