قصائد صوفيّة

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 32
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

أديب كمال الدين

محاولة في البهجة 

مددتُ يدي إلى الله

إلى ما شاءَ الله.

وإذ نظرَ إليّ برحمتهِ التي وسعتْ كلَّ شيء

لم يضعْ في كفّي المُتوسّلةِ ذهباً

ولا دنانير فضّة،

لم يضعْ فيها سوى حرف صغير

كانَ يلتمعُ أملاً كعيدِ طفلٍ يتيم.

وإذ نظرَ اللهُ إلى دمعتي الحرّى

وقلبي المُحطّم

سارعَ ليضع وسطَ الحرفِ نقطة.

فامتلأ قلبي ذهباً ودنانير فضّة،

حكمةً وبهجةً ومحبّة.

هكذا كنتُ صحراء فكانَ الحرفُ جَمَلاً،

هكذا كنتُ ضياعاً فكانت النقطةُ معنى،

هكذا كنتُ حتّى امتلأتُ،

هكذا طرتُ أنا وجَمَلي

طرتُ كغيمةٍ من نور.

************

موقف الألِف

1.

­أوقَفَني في موقفِ الألِف

وقال: الألِفُ حبيبي.

إن تقدّمتَ حرفاً،

وأنتَ حرفٌ،

تقدّمتُ منكَ أبجديةً

وقدتُكَ إلى أبجديةٍ من نور.

وقال: سَيُسمّونكَ “الحُروفيّ”.

فَتَبصّرْ،

فالليلُ طويلٌ والراقصون كُثر،

وهم أهلُ الدُّنيا وأنتَ مِن أهلي.

فكيفَ سيكون بَصَرُك؟

وكيفَ ستكون بَصيرتُك؟

وكيفَ ستختار نجمَك،

وأنتَ لستَ ممَّن يقرأ الشَّمس

أو طالعَ الشَّمس

ولا بالذي يقتفي أثرَ القافلة

بحثاً عن الذهب،

ولا بالذي يقودُ الشِّراعَ في البحر

بحثاً عن الجزيرةِ المفقودة؟

فكيفَ ستختار نجمَك؟

أعرفُ أنّكَ ستقول: “الغريب”.

لكنّ هذا لا يُجيب.

وستقول: “المَنفيّ” أو “المَحروم” أو “الضائع”

أو “المُمتَحن” أو “المُشتاق” أو “السَّجّاد”

أو “المَنسيّ” أو “المُتضرّع” أو “المُنوّن”

أو “المُتصوّف” أو “الزاهد” أو “العارف”.

وكلّ هذا لا يحيط.

هو يشيرُ إلى الجزءِ، وأنتَ في الجزءِ أجزاء.

وهو يشيرُ إلى المعنى،

وأنتَ في المعنى قلب.

وهو يشيرُ إلى القلب،

وأنتَ في القلبِ طفل.

وهو يشيرُ إلى الطفل،

وأنتَ في الطفلِ حلم.

وهو يشيرُ إلى الحلم،

وأنتَ في الحلمِ نهر.

فَتَبصّرْ،

كيفَ سأسقيكَ من أنهارٍ من عَسلٍ مُصفّى،

أنهارٍ لذّة للشاربين

لا فيها لغوٌ ولا تأثيم؟

وكيفَ ستجلس في مقعَدِ صدْقٍ عندَ مليكٍ مُقتدر؟

كيفَ وقد قالَ مَن قال:

يا ليتَ قَومي يعلمون.

فكيفَ سيعلم بكَ قومُك

وهم يجهلون نجمَك؟

وكيفَ تبصرُ ويبصرون،

وأنتَ الذي يتقاذفكَ الليلُ جمراً

والنهارُ ثلجاً

والفجرُ صلاةً

والظهرُ ارتباكاً

والغروبُ بحراً

والعصرُ بكاء؟

2.

ثُمَّ انتبهَ إلى دمعتي وقال:

ستصعدُ يا عبدي درجاً،

كلّ درجةٍ بألف،

وكلّ ألفٍ بمائة،

وكلّ مائةٍ بكفّ،

وستحتار أيّها أقرب.

ولكنّ الوقت ليسَ وقت تأمّل،

فاقرأْ واصعدْ.

وفي كلِّ صعود

قل اللهمَّ مالكَ المُلْكِ تُؤتي المُلْكَ مَن تَشاء

وتنزِعُ المُلْكَ ممَّن تَشاء.

ثُمَّ قلْ:

اللهمَّ أنقذْني من قسوةِ الصحراء

وقرّبْني من فجرِها.

وأنقذْني من غدرِ البحر

وقرّبْني من زرقته.

وأنقذْني من الفتنة

وعلّمْني سرَّها

حتّى ألبسه خاتماً.

وأنقذْني من الشِّراع

واجعلْه أبيضَ كقلبي.

وأنقذْني من السَّواد

واجعلْ لي هيبته وخطاه.

وأنقذْني من الثرثرة

فلا أنطقُ إلّا رمزاً.

وأنقذْني من الهمسِ وأعطني شفتَه.

وأنقذْني من صعودِ القلبِ إلى الحنجرة.

ومن صعودِ الكفّ

حتّى كأنّها تلمسُ الغيم

وهي تستغيث

ولا مغيث لها سواي،

ومن صيحةِ الضَّعْف

حتّى أن لا سامع لها إلّا أنا،

أنا الذي أقرب إليكَ من حبلِ الوريد.

وقل اللهمَّ إنّي عَاشقٌ وَمُحبّ،

مُحبٌّ ومفتون،

مفتونٌ تتقاذفه الدروبُ والبلدانُ والسِّنين.

خلقتَني فكنتُ لكَ باب سؤال،

وبيت كلمة،

وشبّاك سرّ.

فاجعلْني من العابرين إلى شمسِك،

شمسكَ التي تبدأُ بالياء وتنتهي بالسِّين.

إذْ ما كنتُ يا مَن يقولُ للشيء كنْ فيكون

ما كنتُ إلّا حرفاً،

ما كنتُ إلّا ألِفاً

مَصيري إلى التُراب

إذ خلقتني من طين.

**************

موقف الصبر

أوقَفَني في موقفِ الصبر

وقالَ: الصبرُ امتحانٌ عظيم.

فماذا ستفعلُ يا عبدي؟

أعرفُ أنّ كلماتكَ سترتبك

وينهار معناها

مثل جبلٍ من الثلج

وستدمع عيناكَ مثل طفل ضائع

في السُّوق.

أين منكَ إرادة يوسف الصّدّيق؟

وأين منكَ حلم يعقوب

وقد ابيضّتْ عيناه من الحُزْنِ فهو كَظيم؟

وأين منكَ، قبل هذا، صبر نوح وإبراهيم وأيّوب؟

وأين منكَ صبر مَنْ أرسلتُه رحمةً للعالمين؟

وأين منكَ صبر الأوّلين:

صبر عليّ والحُسين؟

أين وأين وأين؟

أين وقد أنفقتَ حياتَكَ

في عاصفةٍ تتلوها عاصفةٌ،

وفي نارٍ تتلوها نار،

وفي طوفان يتبعهُ طوفان،

وفي أُحُد تتبعُها أُحُد،

وفي كربلاء تلدُ كربلاء جديدة،

وفي منفى يتبعهُ منفى:

منفى أبعد مِن السَّماء

وأقرب مِن حَبلِ الوريد؟

**************

موقف الشَّوق

أوقفني في موقفِ الشَّوق

وقال: أحَسِبتَ أنّكَ اشتقتَ إليَّ وحدك

وبكيتَ دمعاً ثقيلاً

وكتبتَ حرفاً وكلمةً وقصيدةً وكتاباً؟

أراكَ، إنّي أراك

في حيرتِكَ تتردّد

وفي سؤالِكَ تنهار

وفي غربتِكَ تتشظّى

وفي يومكَ المرّ

تغربُ ثُمَّ تشرق

ثُمَّ تحترقُ ثُمَّ تغرق

ثُمَّ تزّلزلُ ثُمَّ تنجو

ثُمَّ تطفو ثُمَّ تنام

ثُمَّ تموتُ ثُمَّ تحيا

لترتّلَ القرآنَ ترتيلا.

أراكَ، إنّي أراك

في شوقِكَ العارمِ المستجير

يوماً بعدَ يوم

وفصلاً بعدَ فصل

وعمراً بعدَ عمر،

فأتجلّى لكَ في كلِّ حرفٍ

من حروفِ القرآنِ يا عبدي.

**************

اثنان

قالَ لي حرفي:

مَن هلكَ في حُبِّ القائلِ للشيء كن فيكون؟

قلتُ: هلكَ اثنان

رجلٌ لم تكنْ في يدهِ أصابع

فلم يطرق الباب

ولم يعرفْ أنّ بإمكانه أن يؤشّرَ من بعيد

لتنفتحَ لهُ الباب.

ورجلٌ أخذتهُ العزّة بالاستعارة

فتصوّرها قصيدةً يكتبُها كما يشاء

لا كما يشاءُ الذي يقولُ للشيء كن فيكون.

*************

صلاة صوفيّة

1.

قلتُ: أعطني خوفاً مِن دونِ رجاء.

فوضعَ في يدي حرفاً مِن دونِ نقطة.

2.

ثُمَّ خلقَ لي نهراً مِن دونِ ماء.

3.

ثُمَّ رسمَ لي شمساً مِن دونِ ضياء.

4.

ثُمَّ صوّرَ لي قلباً مِن دونِ دم.

5.

ثُمَّ أعطاني وجهاً مِن دونِ عينين.

6.

ثُمَّ منحني وطناً مِن دونِ هواء.

7.

ثُمَّ قرأَ عليَّ كتاباً

لم يُذكَر اسمهُ عليه.

8.

فبكيتُ.

9.

قلتُ: أعطني رجاءً مِن دونِ خوف.

10.

فأراني صلاةً مِن دونِ دمع.

11.

وكتبَ لي لوحاً مِن دونِ بدايةٍ ولا نهاية.

12.

ومَنحَني كُرسيّاً مِن دونِ قوائم.

13.

وسقاني كأساً مِن دونِ خمرة.

14.

وأعطاني ذهباً مِن دونِ بريق.

15.

وأنزلَني بيتاً مِن دونِ شُبّاك.

16.

وَسَتَرني مِن النّاسِ ولم يسترني مِن نفْسي.

17.

فارتبكتُ حتّى……………….      

18.

متُّ.

19.

ثُمَّ هتفَ بي

فنطقَ قلبي بِاسمه.

************

إشارة البحر

إلهي،

ماذا فعلتُ

كي أنفقَ العمرَ كلّه مع البحر؟

وكيفَ أنجو منه

وهو الذي يحيطُ بي

كما تحيطُ جدرانُ السِّجنِ بالسّجين؟

كيفَ أنجو منه

وهو الذي يتعرّى أمامي

بألوانه الباذخة

وأمواجِه الغامضة

فأذهبُ إليه كالمسحورِ حيناً،

وكالضائعِ حيناً،

وكالمجنونِ أحياناً أخرى؟

كيفَ أنجو منه

وهو الذي غرقَ فيَّ

قبل أن أغرقَ فيه؟

غرقَ في أعماقي السَّحيقة

حتّى صرتُ كلّ ليلة

أموتُ غريقاً

فأحملُ جُثّتي على خشبتي الطافية

هائماً دونَ أن يراني أحد،

هائماً

إلى الأبد.

**************

أنين حرفي وتوسّل نقطتي

إلهي

أحببتُكَ أكثر ممّا أحبّكَ الأنبياءُ والأولياء.

فهم أحبّوك

لأنّكَ أرسلتهم بمعجزاتِ النارِ والنور.

أمّا أنا فأحببتُك

لأنّكَ أوّلي وآخِري

وظاهري وباطني،

لأنّكَ سقفي الوحيد الذي يقيني

من المطرِ والجوعِ والصواعق،

من الوحشةِ وانزلاقِ الأرضِ والذاكرة.

ولأنّكَ الوحيد الذي يستمع

إلى دموعي كلّ ليلة

دونَ أن يتعب

من أنينِ حرفي

وتوسّلِ نقطتي!

**************

إشارة المحنة

إلهي،

أنا لا أشبهُ أحداً.

أنا لا أشبهُ، أحياناً، حتّى نَفْسي!

 

 

مقالات من نفس القسم