لو كانت الامنيات خيولا لامتطاها كل الناس.. قراءة في “مقامرة على شرف الليدي ميتسي”

مقامرة على شرف الليدي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

عايدة جاويش

“مات فوزان الطحاوي بلا أمنيات، لم يشعر به أحد…” هكذا تبدأ رواية أحمد المرسي، فتداهمك منذ البداية تساؤلات عميقة حول مصير الإنسان الذي يصل إلى نهاية حياته مثقلاً بأحلام لم تتحقق وذكريات لم يتمكن من نسيانها

رواية “مقامرة على شرف الليدي ميتسي”، للروائي المصري أحمد المرسي، وهي الرواية التي وصلت للقائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية 2024 هي أكثر من مجرد قصة، فهي رحلة تأملية في أعماق النفس البشرية وتجلياتها الاجتماعية والسياسية خلال فترة الانتداب البريطاني على مصر في عشرينيات القرن الماضي. يقدم المرسي نصًا روائيًا خصبًا ومفعمًا بالحيوية، ينسج فيه أحداث سباقات الخيل والمراهنات التي كانت جزءًا من حياة الناس آنذاك، ليروي لنا حكايات شخصيات متنوعة، كل منها يعبر عن زاوية مختلفة من هذا السياق التاريخي.

بأسلوبه السلس ولغته العميقة، يرسم المرسي صورة دقيقة لمجتمع كامل، موضحًا كيف تتشابك العلاقات الإنسانية وتتأثر بالظروف السياسية والاجتماعية. شخصيات الرواية تنبض بالحياة، بتفاصيلها الواقعية وتعقيداتها النفسية، مما يجعل القارئ يعيش تلك الفترة الزمنية بكل أبعادها.

تدور أحداث الرواية حول أربع شخصيات رئيسية : فوزان البدوي ذو الأربعة عشر عاماً، والسيدة الإنجليزية “ميتسي الخشاب” التي تشتري خيولاً وتراهن عليها وتخسر دائماً، وسليم حقي الضابط المسرح من الخدمة بسبب مواقفه الوطنية ، ومرعي المصري سمسار الخيول. يجمعهم الأمل والحلم بتحقيق أمنياتهم التي لن تتحقق إلا بفوزهم بإحدى رهانات الخيل.

ومع فوز الفرس “شمعة” التي اشترتها الليدي ميتسي وراهن عليها سليم حقي، تتغير مصائرهم.

الرواية تطرح تساؤلات عميقة:

– هل تستحق الأمنيات البعيدة كل تلك المخاطرة؟

– هل تفعل الهشاشة كل ذلك؟

– هل يمكن لأمنية غير محققة أن تخرب حياة الإنسان ؟

يأتي الفوز في الرهان بعد أن أنهك الأمل والانتظار قلوب الشخصيات وأصاب الشلل جوانب حياتهم الأخرى. يقودنا أحمد المرسي بالتدريج من فكرة إلى أخرى ليوصلنا إلى فكرة التصالح مع الحياة بكل آلامها وخيباتها، دون فقدان الأمل أو التوقف عن المحاولة .

“مقامرة على شرف الليدي ميتسي” هي أكثر من مجرد سرد لأحداث تاريخية أو قصة عن سباقات الخيل، فهي عمل فلسفي يعكس صراعات الإنسان الداخلية وتناقضاته.

يقدم المرسي تأملاً عميقًا في قيمة الأمنيات والمخاطر المرتبطة بها، مصورًا بدقة البيئة الاجتماعية والسياسية في فترة الانتداب البريطاني على مصر. من خلال شخصياته المتنوعة، يطرح أحمد المرسي أسئلة جوهرية حول الأمل واليأس، والانتصارات الصغيرة والهزائم الكبيرة، وكيف يمكن للأحلام أن تصبح عبئاً ثقيلًا إذا لم تتحقق.

باستخدامه الماهر للغة العامية وإدماجها لتفاصيل ثقافية ولغوية، ينجح المرسي في إضفاء طابع من الواقعية والأصالة على روايته، مما يجعلها عملاً أدبياً يستحق القراءة والتأمل. الرواية تقدم تجربة قراءة ممتعة ومثيرة للتفكير، تترك القارئ متسائلاً عن قيمة الأمنيات ومدى تأثيرها على حياتنا.

 

 

مقالات من نفس القسم