قراءة في كتاب “قناديل الروح، منتخبات من الشعر الهيسباني” للشاعر والمترجم محمد العربي غجو

قناديل الروح
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

د. محمد المسعودي

         يعد كتاب “قناديل الروح، منتخبات من الشعر الهيسباني” للشاعر والمترجم محمد العربي غجو من بين المحاولات الجادة في ترجمة الشعر الإسباني والأمريكي لاتيني إلى اللغة العربية بنفَس ترجمي مخصوص يتغيا الحفاظ على جمالية النص الإسباني الأصل في معانيه وسماته الفنية، والحرص –في الآن نفسه- على جعل القارئ المغربي والعربي يقرأه في لغة الضاد بيسر، ويتمتع بصوره ونبرته، ويتفاعل مع متخيله الشعري المحلق.

ويترجم الكتاب لستة عشر شاعرا وشاعرة قصيدة مفردة، أو عدة نصوص قصيرة. وأغلب الأسماء التي يترجم لها محمد العربي غجو ليست معروفة عندنا في العالم العربي، وربما يسمع بها القارئ العربي غير المتمكن من اللغة الإسبانية لأول مرة عكس اسم أو اسمين آخرين هما رفائيل ألبرتي ولويس غارثيا مونطيرو اللذين سبقت ترجمة أشعارهما مشرقا ومغربا، ونقل بعض دواوينهما كاملة.

ومن بين الأسماء الجديدة التي يترجم لها محمد العربي غجو: لينا ثيرون (المكسيك)-وليام أوسبينا(كولومبيا)-ماريو ميلينديث(الشيلي)-خوسيه ماطيوس وخوان أنطونيو طيو وإسحاق ألونسو والويسا ألبا وأليثيا مارتينيث وبيدرو إنريكي وفرانسيسكو كومبيان وكارمن هريرا كاسترو وأنطونيو أوريهوِلا وإيثابيل هوالدي وإليثا رويدا (من مناطق إسبانية مختلفة).

ومن هنا تأتي أهمية هذا الكتاب لأنه محاولة لربط أواصر التثاقف بين ضفتي المتوسط، المغرب وإسبانيا، من جهة، وربط المتلقي العربي بالشعر الهيسباني في القارة الأمريكية وإطلاعه على جديده، من جهة أخرى، ولأنه رصد لتجارب شعراء عدة لا يستهان بهم في الشعرية العالمية الحديثة والمعاصرة، وكشف لأهم انشغالاتهم الإبداعية والإنسانية، وأهم الموضوعات التي بلورت شعريتهم وميزتها في تشكلاتها الرمزية والدلالية العميقة. وهم شعراء ينتمون إلى “آفاق شعرية ومدارات وحساسيات وإن كانت في الظاهر تتكلم لغة واحدة (لغة سرفانطيس)، إلا أنها لا تنتمي إلى أسلوب واحد في التعبير ولا إلى نمط متشابه في الرؤى والتصورات”، كما يقول محمد العربي غجو في مقدمة كتابه.

وبقراءة هذه النصوص المترجمة يتبين للقارئ أنه فعلا أمام حساسيات شعرية متنوعة، وأن تشكيلها للقصيدة تعبيرا وتصويرا وتركيبا يتباين من شاعر إلى آخر مما يدل على تنوع الشعرية الناطقة بالإسبانية وغناها واتساع آفاقها بحكم اتساع الجغرافية والتنوعات الثقافية التي تحكم ذائقة ورؤية أصحاب هذه النصوص.

 

         ومن خلال اطلاعي على هذه المنتخبات وتمتعي بها، ومن خلال معرفتي بلغة صاحبها الشاعر والمترجم محمد العربي غجو عبر نصوصه الإبداعية الشعرية في ديوانيه: مرفأ العيون وسوناتا الخريف، أزعم أن هذا الكتاب يشكل إضافة هامة إلى المتن الإسباني المترجم إلى لغة الضاد، وإلى الأعمال التي تُسلط الضوء على التجارب الشعرية الجديدة في الشعر الهيسباني (أو الذي يُكتب باللغة الإسبانية عبر امتداداتها الجغرافية في العالم). فلغة النصوص لا تُشعر المتلقي أنه يقرأ ترجمة من لغة أخرى وإنما تحمله إلى عوالمها في رفق وتمنحه متعة المتخيل الشعري وكأنها كتبت أصلا باللغة العربية، يقول أحد نصوص الكتاب:

         “كنتُ بذرة شمس

         زُرعت في الأرض

         ولدت من إعصار ماء

         بين الغبار الكوكبي

         وصراخ الألوان

         كنتُ أود أن أولد

         فراشة أو عقابا

         أن ينمو بجسمي

         ريش ذهبي

         لكنني

ولدت شجرة تين

بجذور عظيمة

ونبتت لي غصون

ومن الغصون

تفتقت أوراق

ومن لحائي

وُلدت عيون

ومن أوراقي

تبرعمت حمامات..” (ص.21)

بهذه السلاسة والعذوبة تمضي القصيدة مشكلة عوالمها المتخيلة، موقعة إيقاعها الشعري الخاص، دافعة القارئ إلى تأمل صورها، وتمثل الحالة الوجدانية والرؤية الفكرية التي يسعى الشاعر إلى إيصالها. وقد أسعفت لغة الترجمة على الولوج إلى عوالم هذه القصيدة ومعرفة مرامي صاحبها. وبذلك حالفها التوفيق، ونصوص هذا الكتاب جميعها صيغت في لغة شعرية شفافة ومعبرة.

         وفي الختام أقول مؤكدا:

تعد هذه القراءة في كتاب “قناديل الروح، منتخبات من الشعر الهيسباني” شهادة تزكي جهدا ترجميا وحسا إبداعيا شفيفا لدى الشاعر والمترجم محمد العربي غجو يستحق العناية والالتفات، وننتظر منه ترجمات أخرى تغني تجربته في هذا المجال، وتغني المشهد الثقافي المغربي في انفتاحه على الثقافات الأخرى، وسعي المترجمين الجادين في ربط أواصر التفاهم والتقارب بين الشعوب، وهذه الغاية الأولى لكل ترجمة.

 

 

مقالات من نفس القسم