منى عاشور
في مجموعته القصصية (أزمة حشيش) اختار أحمد الملواني أن يجعل الكاتب هو المتحدث الذى يربط مجموعة القصص بعضها ببعض، حيث قدم في قصة إطارية تربط بين كل قصص المجموعة حكاية كاتب يكتب فى كل مرة ينتشى فيها عقله بجرعة الحشيش أو المخدر لسرد قصة من القصص.
العتبات:
اختيرت عتبات المجموعة بعناية شديدة، فجاءت موفقة جدا. بداية من اختيار غلاف مميز، لفت انتباهى اختيار القلم الرصاص المبرى بالموس أو السلاح الحاد وليس المبراة المعتادة، وهو نفس السلاح الذى يستخدم عادة فى تقطيع الحشيش وتقسيمه. اختياره للقلم الرصاص تحديدًا وليس حبرا أو جافا، يحيل إلى إتاحة الفرصة لمحو الأخطاء عكس الجاف والحبر . ووضعية القلم الذى تعلوه سيجارة الحشيش المشتعلة، تبدى مدى قدرة سيجارة الحشيش بالتسلط والتحكم فى القلم والسيطرة على ابداعه، وكأن الحشيش هو إله القلم. اختيار اللون الأصفر للغلاف جاء موفقًا كذلك؛ فالأصفر لون ملفت ومبهر، من الألوان الدافئة، التى تستعمل عادة لإظهار الابتهاج . من وجهة نظرى اختيار اللون الأصفر هنا، له دلالة نفسية ترتبط ارتباطا شديدا بمحتوى المجموعة، وترتبط بالعنوان، فالأصفر دليل إثارة النفس، وإثارة النشوة فى الذات . ايضا حجم القلم مقارنة بحجم سيجارة الحشيش، يدل على أن القلم سينتهى قريبًا إلى سيجارة الحشيش أيضا. أعتقد بأنها إشارة بأن فى كل الأحوال النهايات تؤدى إلى الحشيش لا محالة، ولا مفر منه، أو بوجهة نظر أخرى أن المسافة بينهما فى الغالب واحدة، فبإنتهاء الحشيش ينتهى ابداع القلم والعكس،. حين ينتهى القلم يختفى الحشيش .
وفي النهاية نجد عنوان الكتاب (أزمة حشيش) وهو العتبة الأولى للكتاب وللقارىء، العنوان هنا ملفت للإنتباه يثير الفضول والشغف .
القصص:
تقدم المجموعة سبع قصص تربط بينها قصة إطارية. وقد اختار الكاتب شكلا غير مألوف لتقديم القصة الإطارية. ففي كل مرة يقدم جزءا منها ويترك نصف الصفحة العلوى فارغا وتبدأ الكتابة أسفل خط العرض الذى يقسم الصفحة نصفين، وكأن هذه الصفحات عبارة عن هوامش تفصل بين كل قصة من قصص المجموعة السبعة.
أما القصص السبعة فتدور معظمها في خيال الكاتب (بطل القصة الإطارية) حين تمتلكه نشوة تعاطيه الحشيش لفتح خيال واسع، يحكيه فى سطور . وفي التالي تناول سريع لكل قصة من القصص السبعة
أوان المد
العنوان هنا مستمد من القصة، غير مغاير لها، وإلى حد ما كاشف للمحتوى، لكنه يخدم النص وليس عبئا عليه. تدور القصة عن اثنين من الاصدقاء تحت تأثير مخدر ..يذهب برأسهما فى تساؤلات حائرة، لفقدانهما الزمان والمكان، واختلافهما إن كان مد أم جذر، شروق أم غروب. ينهضا ليتتبعا صوت دوىٍّ شديد، الا أنهما يفقدان الاتجاهات، ليتوها عن بعضهما البعض، يسمعان اصوات صاخبة وانفجارات، فهم فى عالم من الفوضى خاص بهما، يفترقان دون وعى، ويصطدمان ببعضهما بعفوية تامة، حتى أنهما يظنان أنهما فقدا هويتهما، وفقدا طريقهما، بعد انقطاع أنفاسهما من الجرى، ثم نكتشف في النهاية أنهما ما برحا مكانهما على الرمال قط، وكل ذلك محض تأثير الحشيش على خيالهما!
انفصال
تناقش القصة حالة اجتماعية ونفسية شديدة الخطورة؛ عن كم العبء الذى يعانيه رب أسرة، ضاقت به الحال والحياة لتلبية احتياجات زوجته وابناءه، وإحساسه بالعجز التام حيال ذلك، حين تتكالب عليه الضغوط والالتزامات، كحبل مشنقة يلتف حول رقبته يهدده بالموت كل لحظة، دون وجود ما يسد هذه الحاجات، أصبح كثور فىساقية، لايكفيه دوران كوكب الارض كله للحصول على ما يسد احتياجاته، فكلما زاد من سرعة دورانه أتسع مدار الالتزامات. فأصبح عاجزا، مما دفعه بلإرتكاب جريمة بشعة.
استخدم الكاتب فى هذه القصة تقنية الفلاش باك داخل الفلاش باك.. من خلال سرد الذكريات بين البطل وبين صديقه.
كما جاء عنوان القصة مشوق غير كاشف .
سيرة الإله الجديد
عنوان مشوق جدا، وقصة تكشف عن عدة أمور ومشكلات واقعية بالمجتمع، ترصد أمراض نفسية وأخلاقية بين الناس، والتناقض الفج، وقضية تكفير الغير دون وجه حق، ومغايرة أوجه التدين المصطنع، واستخدام الدين كشكليات، كأداه لأغراض شخصية. أيضا استخدام التكنولوجيا الحديثة، حيث اننا مقدمون على الثورة التكنولوجية الرابعة، هذا التطور أصبح قادرا على تغيير الحقائق دون عناء. وهي الطريقة التي يحصل بها بطل القصة على الثراء الشديد بسرعة البرق.
القصة نجحت فى محاكاه العديد من المشكلات وخاصة إشكالية التغيير فى خلق الله الذي أصبح اسهل ما يكون الان، فهى تحاكى لعبة الشيطان .
طولة لسان
تبدو هذه القصة نقطة فصل بين قصص المجموعة.. حيث يظهر فيها الكاتب (بطل القصة الإطارية) الفرق بين تأثير تعاطى الحشيش، وتعاطي الحبوب المخدرة،. ومدى تأثير ذلك على الكاتب فى كتاباته ومخيلته.
قصة بها مفارقات واسقاطات على الواقع بشكل من أشكال الواقعية السحرية.
كرم رئاسى
قصة بها حبكة درامية جميلة تصور ما يحدث فى العالم السياسى المقنَّع ، الذى لا يآبه الا للمصلحة الشخصية المقتصرة على بعض الشخوص دون الشعوب .
خيال الظل
– قصة مؤثرة بها اسقاطات خلَّاقة، تحاكى الضمائر والعجز والإصرار والطمع، ومدى متعة الاحلام والامل، فى حين يتلاعب الآخر بهذه الاحلام .
حدوتة بعد الموت
تجمع بين المآساه والأمل، والخداع، والحقيقة، والمتاجرة بالبشر، لتحقيق أغراض شخصية استغلالية، مضللا لصاحبها. قصة أخرى بها الكثير من الواقعية السحرية .
رقصة بينوكيو الأخيرة
من أقرب القصص إلى قلبى فى هذه المجموعة، إعادة صياغة حكاية بينوكيو بطريقة جديدة، مشوقة وحزينة بنفس الوقت. قصة تمس القلوب وتحاكى واقع مرير بوأد الاحلام حية، الاسلوب فيها راقٍ ، بها رمزية رائعة، واسقاطات مختلفة.
القصة الإطارية:
حيث نتابع حكاية الكاتب الذي يمر بمعاناة بسبب افتقاده للحشيش الذي تعرض لازمة ادت إلى نقصه في الأسواق. شعور البطل هنا بمشاعر متناقضة، والتخبط فى كل شىء ، يجعله بعالم اخر غير عالمنا، لكنه محاكي لواقعنا، بأوجه مختلفة. متقمصا كل الشخصيات، فهو بطل كل القصص بطريقة أو بأخرى. ونجح الملواني حين لم يضع اسما للبطل، أن يجعلنا نعيش معه مأساته، وحكاياته، ويومياته التىي خطها الينا بسلاسة شديدة .
كلمة أخيرة:
تتميز مجموعة أزمة حشيش بمفردات لغة تعبر عن السهل الممتنع، فهي لغة غير مُسهبة ولا ركيكة. تصوغ نصوص المجموعة التي تجبع بين الفانتازيا والواقعية السحرية، ومن خلالها يتناول الكاتب بعض القضايا الشائكة، التىي عانى منها سواء قاع المجتمع، أوطبقاته الراقية، والرأسمالية، التىي تغير مصيرها الحياتى، سواء رغما عنها، أوبأرادتها، وكذلك قضايا المجتمعات الثقافية.
اسلوب المجموعة هو اسلوب جديد للقصة القصيرة، ( ونحن بحاجة لأسلوب جديد ) كما قال أستاذنا يحيي حقى فى محاضرة له بدمشق .
في النهاية، فإن مجموعة أزمة حشيش لا تمنح كل خباياها من المرة الأولى لقرائها، فكلما قرأتها ينكشف لك العديد والعديد من الصور، مما بين سطورها،. وكأنك تقرأها للمرة الأولى .