في مجموعته ” ما ليس يضمنه أحد ” : خيري شلبي مؤرخ العوام الباحث عن مصادر البهجة والألم

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

سيد محمود*

تعرض العالم الفني للكاتب الكبير خيري شلبي في ظني لشيء من الاختصار المخل ، اذ سعت معظم الكتابات التي عالجت هذه العالم في حصره في قدرته على تناول فئة المهمشين اجتماعيا ، حتى بدا وكأنه مؤرخ لهذه الطبقة وتحولاتها في مصر ، غير ان قارىء مجموعته القصصية الاخيرة " ما ليس يضمنه أحد " الصادرة عن سلسلة كتاب اليوم يلمس فيها انفتاحا على عوالم سردية كثيرة تتسم بالتنوع الذي يكشف أولا عن خبرة فنية كبيرة فهي تجاور بين ما جرى في الريف المصري من تحولات وما يجري في المدينة وانعكاساته على كافة فئات المجتمع سواء في القاع او في القطاع الاعلى من الطبقة المتوسطة ، بالاضافة الى ذلك ينشغل الكاتب بقضايا وجودية ترتبط بأسئلة المصير الانساني. الى جانب الحرص على انصاف المرأة والتأكيد على القهر الاجتماعي الذي تتعرض له في كافة الطبقات ويجرى ذلك عبر الاتكاء على لغة متميزة في الحكي لا تخلو من السخرية ولا من التنوع في أسلوب القص وهي الرغم من فصاحتها لا تخلو من حيوية ومن طزاجة تجعلها قريبة من لغة الحياة اليومية.

وفي القصص الاولى للمجموعة تبدو ” الوحدة ” كثيمة أساسية لمعظم القصص حيث يعيش أبطال قصصه في نهايات العمر ضحايا لهذا الاحساس المرير بانعدام الدور ، ففي قصة ” نزف كبرياء مهيض ” نحن ازاء سيدة هجرها زوجها في نهايات العمر وتركها وحيدة في البيت ترد على تليفونات السائلين عنه حتى انها تستغل كل مكالمة للاعلان عن رفضها له واحتياجها لتؤدي دورها في حياته من جديد , وفي قصة ” مقام الضوء ” نتابع تجربة زواج بين شابة وفنان تشكيلي في نهايات العمر ومع وفاة الزوج لا تملك الزوجة التي عاشت سعادته معه الا الذهاب لمقبرة لاستراد لحظاتهما الحميمة والبهجة التي عاشته معه .

وفي قصص أخرى منها ” مشوار مبهم ” نتابع يوم في حياة أرمل على المعاش تركه أولاده ولم يعد أمامه الا العودة الى قريته حيث عاش خطواته الاولى وهناك يستعيد الكثير من اللحظات التي افتقدها

وهكذا نحن ازاء شخصيات ترى في معنى الرحلة وسيلة لاستعادة ماضيها الحميم والتخلصص من وطأة أحساسها بالموت والنهاية .

وفي قصة “نفايات ذاتية ” نجد الزوج وقد تقمص دور صاحبه الذي رافقه ونقل اليه ملله من زوجته بحيث لم يعد امام نفسه الا صيفحة نفايات دلق فيها صديقه نفاياته الذاتية وموقفه من زوجته .

وفي ” جملة موسيقية ” يبدو الكاتب قناص ماهر للحظات مشبعة بالحنين تدفع كاتب في شيخوخته للزواج من خادمته خوفا من ان تواجه المجهول في وفاته ، كما يتكرر الاحساس بسطوة تلك اللحظات في قصة ” العلاج المستحيل ” التي تركز على صلة تقوم بين رب أسرة وقط يربى في بيت العائلة .

وفي قصص أخرى منها ” ماليس يضمنه أحد ” يستعيد خيري شلبي الكثير من تفاصيل عالم المقابر الذي خبره جيدا وعبر عنه في أعماله الروائية الرائعة لاسيما ” منامات أحمد السماك ” ويعرض لتحولات اجتماعية واقتصادية دفعت بالمصريين للسكن في المقابر ومزاحمة الموتى لكن خيري شلبي بخبرة الكاتب الكبير يجعل من هذا الموضوع الاجتماعي القاتم مصدرا للسخرية ولخلق عوالم أسطورية لا تخلو من ” الفانتازيا ” حيث نقرأ ما فعله التربي محمود أبو زيد مع مجموعة من الاغنياء كانوا يتصارعون للاستيلاء على مقبرة لاحد الباشوات القدامى ويذكر الحاج محمود بأنماط من الشطار الموجودين في كتب التراث العربي فهو ليس نصابا وانما هو شخص يجيد الحيلة ويعرف ان الله يتدخل في الوقت المناسب لحل العقد التي تواجهه واستمرارا لولعه القديم برصد التغييرات الاجتماعية والاقتصادية يكتب شلبي قصة” شفاء الغل ” التي هي تنويعات على نفس العالم ولكن مع نبرة وجودية تخص ما عاشه بطلها ” رد السجون ” .

ـــــــــــــــــــــــــ

* شاعر وناقد مصري

مقالات من نفس القسم