في عوالم مي زيادة الخفية.. كتاب جديد لسحر الحسيني

فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

آية السمالوسي

صدر مؤخرًا عن دار سما للنشر والتوزيع، كتاب “عوالم مي زيادة الخفية” للدكتورة سحر الحسيني، وهو عمل أدبي غير تقليدي يعيد تقديم مي زيادة من زاوية مختلفة تمامًا، بعيدًا عن السرد النمطي، وبعيدًا عن التمجيد المتكرر.

في عوالم مي زيادة الخفية تتعامل الكاتبة سحر الحسيني في كتابها، مع شخصية مي بجرأة فكرية وإنسانية، من خلال نصّ فريد يجمع بين اللغة الفصحى الهادئة، والأسلوب الحواري السينمائي. ولعل من أجرأ سمات الكتاب أنه مقسوم فنيًا إلى نصفين: النصف الأول نثر أدبي بالفصحى، والنصف الثاني سيناريو وحوار مشهدي، يليق بالعرض البصري.

اختارت د. سحر الحسيني ألا تكتب سيرة مي زيادة بالطريقة التقليدية التي تكرّرت في كتب ومقالات كثيرة، بل سلكت دربًا أكثر جرأة وعمقًا: تفتح نوافذ الخفاء في حياة مي، وتدع القارئ يتأمل لا ما قيل عنها، بل ما لم يُقل قط.

الكتاب ينتمي إلى منطقة فريدة بين الإبداع والسيرة، بين السيناريو الأدبي والتحليل النفسي. الكاتبة لا تسرد حكاية مي، بل تُجري معها حوارًا تخييليًا عبر شخصية “ليل الجرواني”، الصحفية المعاصرة التي تحمل بداخلها أسئلة جيل كامل تجاه من سبق، وتجاه النفس أيضًا. ليل لا تُجامل مي، ولا تُدينها، بل تقترب منها بروح الباحثة والمُستفزة، المتعاطفة والناقدة في آنٍ معًا.

اللغة والأسلوب:

الكتابة سلسة لكنها محمّلة بالإيحاءات، شاعرية دون تصنع، وفيها نَفَسٌ سينمائي مشهدي، حيث كل حوار يُضيء طبقة جديدة من الذات.

لا وجود للسرد التقليدي، بل هناك تدفق داخلي للحوار والتأمل، كأن الكتاب بأكمله يدور داخل غرفة واحدة… هي غرفة الذاكرة، وربما العزلة.

الشخصيات الرئيسية فى العمل:

مي زيادة كما تظهر هنا، ليست الكاتبة المكرّسة في الذاكرة الثقافية فحسب، بل امرأة مجروحة، تائهة، تقف على حافة الحياة. أما “ليل”، فهي مرآة معاصرة، تسائل الزمن والمرأة والمجد والخذلان، وتمنح النص طاقة صراعية تشد القارئ من بدايته إلى نهايته.

تدور القصة في إطار تخييلي، حيث تجري الصحفية “ليل الجرواني” سلسلة لقاءات مع مي زيادة في مرحلة ما بعد خروجها من العصفورية. ليست لقاءات توثيقية، بل محاورات نفسية وجدلية، يختلط فيها التاريخ بالظلّ، والذاكرة بالندم، والحب بالعزلة.

مي ليست بطلة مثالية هنا، بل امرأة محطّمة تضيء من داخل جراحها ليست الكاتبة المكرّسة في الذاكرة الثقافية فحسب، بل امرأة مجروحة، تائهة، تقف على حافة الحياة.

بينما “ليل” مرآة معاصرة، تسائل الزمن والمرأة والمجد والخذلان، وتمنح النص طاقة صراعية تشد القارئ من بدايته إلى نهايته. ليست راوية محايدة، بل شخصية تحمل أسئلتها الخاصة، وتتورط في الحكاية أكثر مما كانت تتوقع.

الكتاب يطرح سؤالًا عميقًا: ماذا تبقّى من الإنسان عندما يُنسى، أو يُؤله، أو يُختصر في صورة؟ وفي ظل هذا السؤال، تُفكك الكاتبة صورة مي كما رسخت في الوعي الجمعي، وتعيد بناءها إنسانةً قبل أن تكون رمزًا.

غلاف الكتاب، من توقيع الفنان التشكيلي الفلسطيني د. جمال بدوان، سفير السلام الفلسطيني وصاحب الرقم القياسي العالمي في “غينيس ريكورد”، وأحد أبناء أرض مي نفسها. لوحته المميزة لا توثّق وجهًا، بل توحي بروح.

العمل هنا لا يُمجّد مي، بل يسائلها بلطف وصدق، لأنه لا يعيد إنتاج صورة محفوظة، بل يخلق صورة حيّة ومتغيرة، ولأنه يقدم لنا مي الإنسانة، لا الرمز فقط، ولأنه يُعيد طرح سؤال: “من نحن حين نصمت؟ ومن كنا حين تأخرنا عن الكلام؟”

مقالات من نفس القسم