عبد الوهاب الشيخ
ثمَّة نَهار
ليكونَ لي قلب
كان عليَّ أن أسيرَ معك
الطريقَ كلها
باحثًا عن وسيلةٍ
لنَيْل ثقتِك..
في كل لحظةٍ
تمرُّ بنا
ثمَّةَ صعوبةٍ ما
علينا اجتيازُها
معًا
وخطانا مُترافقة
وأعينُنا على الآتي
هناك في البعيد..
حالمينَ بلحظةٍ
فريدة
تتفتحُ فيها
الآفاق
عن ثمَّة ضوءٍ
يراودُ أعماقنا..
وتبتهلُ مآقينا
منذ دهرٍ
إلى الله
لأجل قبَسٍ منه
في صباحٍ ما
ثمَّة نهار.
**
رَقْصة الأَعْماق
ياه..
كلُّ تلك الاصابع
تستعيدُ نبضَها
كي تسلِّمَ عليك
كلُّ تلك الأَكُفّ
تستنهضُ أناملَها
لتحيةٍ حارة
أشبه ببَسْمةِ الوحيدين
بينما أسرعُ الخطوَ خلفك
محاولاً اللحاق بك..
هكذا يستعيدُ الصبحُ ألَقَه
ويأخذ النهارُ دورتَه
متابعاً خطوَكِ الوئيد
الراقصِ
بلا موسيقى
متناغماً مع نورِ الصبح
ومع رقصةِ قلبي الذائبة
هناك
في الأعماق
**
شأْنَ المُحبِّين
اشبكي يدَك في يدي
وأخبري الأعينَ الحانقة
أن قصَّتنا بدأَتْ
ولن تنتهي..
شأنَ المحبِّين كلَّهم
ما تزالُ أمامَنا دربٌ طويلة
سنقطعُها
وأكفُّنا متعانقة
وأعينُنا مُبتلَّة
ودماؤنا نابضةٌ بالعشق
تزنِّرُها الشهوة..
لا شيء يشغلُنا
لا شيء يعوقُ وصولَنا
مادامت تلوحُ بعيدًا
تلك اللحظةُ الوامضة
ويشعُّ
بريقُها
**
أيّة مُتْعَة
أيَّةُ مُتْعَةٍ تحَصِّلينها
من سَيْرِك هكذا بجانبي
دون أن تتشابكَ أصابعُنا
أو نتبادلَ سوى العادي
من الكلمات
دون حتى أن تتطَرَّقَ أحاديثُنا
ولو من بعيد ـ
إلى ما هو خافٍ
هناك في الأعماق..
حيثُ تَخْبُو أفكارنا
وتسْطَعُ أشواقُنا..!؟
أيّةَ مُتْعة!!
**
شهقة الروح
قلتُ لها: كيف إذن ستتنسَّمُ خلاياك أنفاسَ سواي!؟ هل ستشهقين لذةً وألمًا مع غيري!؟ هل ستَفْتحين حضنَك لينام فيه كما كنتُ أَفْعل!؟ قلت لها: أين منِّي تلك الشفة التي راودتَني عن قلبي، وذلك الخدُّ الذي أسكرني عَبَقُه، والكتف التي أرحتُ رأسي بينها والعنق طويلاً، والخصر الذي غنّى ونحن متعانقان أنشودةَ النشوة!؟ قلت لها: أين مني قدماك وساقاك راقصتين من حولي، ملتفَّتين كفَرْعَيْ شجرة!؟ قلت لها: أين وردتُك الحمراء التي فككتُ عروتَها بيدي؛ فلامستُ سرَّها ولامَسَتْ سرِّي..!!؟
**
الصَّباح
سيظل يذكرُنا
الزقاقُ الضيّق
وأنت تستديرين عائدةً
في مَطْلع الصبح
بينما أتقدَّمُك واجفًا
وأدير مفتاحي
في بابي
ثم أغلقُه خلفنا..
وتسقط شمسٌ كاملةً
في
حِجْري..
**
ما كان
ما كان لي أن أقبِّلها
بتلك الشهوة
مستريحةً على الكنبةِ
ذات الغصون الرَّهيفة
تتفتَّحُ شفاهُها كيومِ عُرْس
لتترك روحي أسيرةَ كَرْزها
ويدي الطليقةُ تبحثُ
عن تكويرةِ النَهْد
وتتفنَّنُ في مداعبةِ
جسدِها الغَضّ
الذي يشهقُ بحُرقةٍ
حاملاً روائحَ البحر
وموسيقى صباحاتٍ غائمة
فيما تحرثُ شفاهي خدَّها
باحثةً عن ثمَّة حلم
يتوارى كشمسٍ لاهبة
في صحراء قطيفيَّة
كل نأمةٍ إشارةٌ خفيَّة
كل أنَّةٍ جرحٌ نافذ
والأصابعُ الرَّقيقة لا تَنِي
تمسكُ بي
في رحلتِها الدائبَة
صوبَ عشقٍ يقينيّ
لا أملَ فيه..
وما بي من شوقٍ يحملُني
طافيًا على الموج
سابحًا صوبَ ثغرِها الوضيء
الذي يلوحُ ويختفي
في ذُرْوَةِ العشق
بين فَيْنةٍ
وأخرى..
**
كأنُّه الفِردَوْس
زهرةٌ واحدة حمراء
أنزعُها من قلبي
وأغرسُها في شَعْركِ
الأسودِ الطويل
لألمحَها
_ فيما بعد _
عندما تستديرين للخلف
وتُبادلينني النظرَ
والحنان..
زهرةٌ واحدة مُعَلَّقة
في الهواء
فيما بيننا
ذات صباحٍ كأنه الفردوس
صباحٍ كأنه.. أنتِ
**
في المدينة الفسيحة
قد يصلحُ الوقتُ
لمُنَادمةِ طيفِك المأسور
وقد تتبدَّى السعادةُ
مرةً واحدة
عندما تُطلِّين عليّ
عندَ أوَّل الشارع
هناكَ تقفين
تَعْبثين بمفاتيحِ الموبايل
ثم تستديرين مُتَهلِّلةً
وقد رأيتِني..
الآنَ فحَسْب
تنفكُّ عَبْسةُ جبينك
وتبتَسمين
كأنني آخرُ
لم ترتدي الجاكتَ البُنيَّ
لأجلِه
ولم تقضي جُلَّ نهاراتِك
تتدبَّرين خُطَّةً مُحْكمة
للتلاقي
هنالك في المدينةِ الفسيحة
التي لا تعرفُنا
لكنها لا تزالُ تذكرُ لقاءاتِنا
على صفحةِ العُشْب
وقُبلةَ باطن الكف
وتشابكَ الأيدي
والعناق
وائتلافَ المآقي
**
أبدية..
ستُّ حجراتٍ واسعة
تَكْفينا واحدة
وأغنيةٌ وحيدة
مُتَوَاترة..
بيني وبينك
بينك وبيني
بلا انقطاع
دونَمَا
نهاية..
**
عبر كوَّة الجسد
أعرفُ الآن
ما أُريد..
فقط تلمُّسَ الضوء
في منابعِه الشهيَّة
وتحَسُّس مكامنَ اللذة
حيث هي
دونَ حجاب
أو واسطة..
فقط القيام على الحُسْن
واستشرافَ منابعِه
حيث اللذةُ البكر
والصباحاتُ المنثورة
كبُقعِ الضوء
على البشرةِ الطريَّة
واستكناهَ ما لا يُدْرَك
إلا بالحَدْس
ومعارجَ الصوفيين..
أنا الآن وحدي
وأمامي كلُّ هذا البهاء
مرةً واحدة
مأخوذًا بالبدائعِِ الفريدة
مشمولاً برغبةٍ حارقة
ذائبًا في لحظةٍ
هي الأبد
صاعدًا إلى قُبَّة الروح
عبر كُوَّة الجسد
تلك البديعة..
**
غنائية
غائبةً إلا عن المحَبَّة
تتفتحُ أعضاؤك
لنِعْمةِ الوَصْل
ويرتدُّ جسدُكِ لغنائيتِه
الفطريَّة
كساحةٍ للعناق
وتأخذُ روحُك العصيَّة
في النشيج
بينما يتكسَّرُ الصباح
على حوافِّ سُتْرتِك
ويدعُ لشفاهِنا أن تبدِّل
مصائرَنا
لساعةٍ من الوقت..
خلفَنا العالمُ بصَخَبِه
أمامنا تكتبُ الريحُ
شِقْوتَها
واللحظةُ خالدةٌ
خلودَ العدم
باقيةٌ ما دامَ الوجود
وكفُّك الصغيرةُ
تداعب كفِّي
وشهقاتُك المطوية
لحظةَ عناقنا القصيرة
تتأبطُ الحلم
ويسطع نورها..
ومن جديدٍ
تُوهَبُ لنا الحياة