في حب القراءة البطيئة

shahr fe seena
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

أحمد رحيمة

لطالما أردت أن تزداد سرعة قراءتي، ولكني تمكنت مؤخرًا من التصالح مع القراءة البطيئة. التصالح الكامل معها لدرجة الحب.

بإمكانكم أن تجربوا معي. سأصف ما أشعر به وأنا أقرأ بتمهلٍ شديد فقرات من الكتاب البديع (شهر في سيينا). انظروا كيف يضيف ذلك للتجربة، وكيف سيخسر كثيرًا من يقرأ نفس الفقرات سريعًا.

خذ معي نفسًا عميقًا، أخرجه ببطء. واقرأ كلمة كلمة، بهدوء، ما كتبه هشام مطر:

(“استأنفتُ السير أسفل التل… أردت أن أكون داخل المشهد الطبيعي؛ لأعثر على طريق يقود إلى خارج المدينة… وأصل إلى التلال وأقف بين الأشجار التي رسمها لورنزيتي. خرجتُ من سور المدينة وتبدل صوت الهواء..”)

ما أشعر به:

أستشعر حضور التل الذي يسير أسفله هشام، وأسير معه. التل بجانبي، أخضر، ورائحة الهواء منعشة. مع أن هشام لم يذكرها، ولكني أشمها. أشعر بأسوار المدينة تبتعد خلفي. أتخيل كم سيكون ممتعًا الوقوف بداخل منظر رأيته قبل قليل في لوحة وقفتُ أمامها مع هشام في فصل سابق من الكتاب. أنا الآن ذاهبٌ إلى هناك.

آخذ نفسًا عميقًا آخر. أقرأ ما بعد ذلك:

(“والآن ليس هناك ظل وشعرت بالشمس تدفئ ظهري. أخيرًا، في نهاية الدرب، وصلت إلى طريق مسدود. كانت فيه بوابة. دخلتُ وألفيت نفسي داخل مقبرة. كانت بحجم متنزه مدينة صغير.”)

ما أشعر به:

وأنا أنظر إلى المقبرة الصغيرة النظيفة التي تشبه المتنزه، أشعة الشمس تخترق ملابسي وتدفئ جلدي. هناك نسمة هواء باردة. أتامل سكون شواهد القبور، وكيف تلتحم في المشهد مع نباتاتٍ وأزهارٍ لم يصفها هشام، ولكنها لا بد هناك. ينتقل السكون إلى قلبي.

(“طريق تصطف عليه أشجار السرو السامقة، يمتد بين القبور… واصلت التقدم… ذهبتُ إلى الحافة… لم أتوقع ما رأيت. لقد تبين أنني كنت طوال الوقت في الناحية القديمة من المقبرة، مساحة صغيرة مقارنة بهذه المدارج الشاسعة التي أطل عليها من علٍّ الآن: أفواج تلو أفواج من شواهد القبور. كانت أعدادها لا نهائية. أن تنظر إلى الحميمية الخاصة بقبر واحد شيء، وأن تنظر إلى شهوة الموت اللامتناهية شيء آخر. أعداد الموتى تفوق أعداد الأحياء. الحاضر هو الحافة الذهبية لقطعة قماش سوداء.”)

أشعر برهبة المنظر المهول. تسري في جسدي رجفة وأنا أرى عددًا لا ينتهي من القبور. أعيد قراءة آخر جملتين. أتوقف عن التنفس للحظة وأنا أتذوق الفرق بين حميمية قبر واحد وشهوانية الموت، وأتخيله وحشًا أسطوريًا يلتهم كل شيء منذ بدء الخليقة مع ذلك لا يشبع. أتخيله وهو يمزّق الأجساد والأرواح بانتشاء مخيف. أشعر أني أكاد أراه وهو يقبع فوق الشواهد الممتدة، ينظر لي ويبتسم. يخبرني أن دوري قادم لا محالة. ثم أقرأ الفقرة التالية:

(“لقد ملأني الأمر بحماسةٍ لعِرقي وبفخرٍ كئيب، بمدى شجاعتنا وبطولتنا في مواجهة الدليل القاطع على استحالة استمرار الحياة.”)

أندهش لتلك الفكرة. كيف أتى شعور كالفخر لهشام في تلك اللحظة؟ أتفهمه تمامًا. يتملّكني شعوره تمامًا.

أشعر بشيء من الرضا عن نفسي، بأن مجرد استمراري انتصارٌ كافٍ. آخذ نفسًا عميقًا وأحدق في الحائط قليلًا.

أشعرتم بما أقصد؟

ما قرأناه لم يكن ليُقرأ سوى على مهل، وببطء.

عن نفسي، أدرك أني بسبب ذلك، لدرجة ما، صرتُ شخصًا آخر.

 

 

11 مايو 2025

مقالات من نفس القسم