في أول يوم للقيامة
لا يبدو مثل أول يوم للقيامة
في الكتب المقدسة.
العشاق أمامي
أراهم
لا يهربون من بعضهم
الخلان
لايقول كل منهم
“نفسي. نفسي”
العاطفة تملأ الأرجاء
هناك أم تشخص ببصرها
نحو السماء الدخانية
وهي تهدهد طفلها
على كتفها
وتنهره حين يبكي..
تهمس في أذنه:
كيف تبكي وأنا هنا؟
ثم تدفع دمعها كي لا تبكي
من يهمس في أذن الأم:
كيف تبكين وأنا هنا ؟.
الجميع نهضوا من قبورهم
مثلما ينهض كل واحد من سريره
في الصباح،
بطمأنينة
من اعتاد أن يموت وينهض دائما.
الشهداء
يحلقون كطيور عملاقة في السماء
وأمهاتهم
يشيرون بأكفهم نحو الأعلى،
وتضع كل واحدة يدها على فمها
كي لا تبكي..
ثم يطلقن الزغاريد
بنفس الشجن
الذي كان عالقا بها
حين أطلقنها لأول مرة
في الحياة الدنيا ..
في أول يوم للقيامة
البشر يزحفون
يجرون قلوبهم
مثلما يجرون أقدامهم
يمشون في جماعات
جماعات كبيرة
تعرف طريقها جيدا.
الناس
مثل موج
يجمع عباءته على جسده
وينحسر،
يختفون كقبائل من الحزن
تدخل جحرا صغيرا في القلب..
أراهم من بعيد
مثل سماء تنذر بعاصفة.
أراهم من بعيد
يمسكون بأيدي بعضهم
ويشدون عليها مرارا
كي لا يفلتوا أحدا منهم
هم الذين لم يتركوا بعضهم
في الحياة الدنيا
الحروب
المجاعات
وحتى في المقابر الجماعية
ما كانوا ليتركوا بعضهم
في اليوم الأول للقيامة.
الناس
مثل سرب من الخفافيش
يحلق بعيدا
وأنا هنا
في الخلف
أضع كوفية عربية
على كتفي
وأدلدلها كعباءة
أتخيلها طويلة بما يكفي
كي يغطي عري شخص
في اليوم الأول للقيامة.
كآخر من مات في الحرب ..
كآخر إنسان
فجره لغم
لم يجد غيره ليفجره
أو ربما
انتحر بطلقة أخيرة في سلاحه
لأنه كان قد وعد قائده
أن يعود بسلاحه فارغا .
كآخر إنسان على الأرض
يموت
كما يليق بآخر إنسان على الأرض
أن يموت.
لم يبكه أحد
لم تزغرد في جنازته نسوة غريبات
ولم تضع صبيات صغيرات بنفسجا مبللا على قبره
لم يهتف باسمه عابر
رأى جنازة تسير فسار فيها
ولم يربت أحد على قلب أخيه
الملقى على تربته مثل غزالة مقتولة،
لم يسحب أحد جسد أخيه من فوق تربته
مثلما يسحب صياد شبكته،
ويحتضنه بمواساة
كأنه يحتضن صديقا قديما.
لم يضع أحد شاهدا على قبره
لا قبر له ليضع أحد عليه شاهدا
لا قبر له ليزوره أحد
ولا أحد ليزور قبر آخر إنسان على الأرض..
لقد جف جسده
مثل جذع مقطوع
أو نبتة موسمية
أو ربما
نهش ثعلب جيفته
كما ينهش أي ثعلب جيفة أي إنسان ميت،
كآخر إنسان مات وحده
في الحياة الدنيا
أبعث وحدي
كآخر إنسان يبعث
في اليوم الأول للقيامة،
أتأبط وحدتي
وأجر قلبي
كما أجر قدمي
وأجمع خوفي على جسدي
كما أجمع الثياب
وأسير وحدي
إلى مصيري
حيث جنة كما أرجو
غير أني
لا أعرف فيها أحدا
……………
26 أكتوبر 2014.