“فيلم 19ب” – الصراع بين أصالة الماضي وفوضى الحاضر

19 ب
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

أحمد المسيري*

“لا أنكر أن العزلة جميلة… ولكن لابد لي معها من رفيق لأقول له من وقت إلى الأخر أن العزلة جميلة”

الأديب اللبناني أمين الريحاني

عند مشاهدة فيلم 19ب حتماً ستجد أن هذه المقولة تجسيد حي لشخصية حارس العقار العجوز التي جسدها الفنان “سيد رجب” في هذا العمل الفني، ولكنه اختار نوعا مميزا من الرفقة عبارة عن مجموعة من الحيوانات المختلفة من القطط والكلاب، حيث يعيشون في مكان واحد داخل عقار كبير متهالك معرض للسقوط، كل منهم يتقبل وجود الآخر رغم الاختلاف الكامل فيما بينهم في مجتمع أقرب إلى مجتمع اليوتوبيا الخيالي القائم على  التعايش في سلام وقبول الغير بعيداً عن مجتمع الديستوبيا الشرير الفوضوي والذي يمثل كل ماهو خارج أسوار حديقة هذا العقار.

يعد فيلم 19ب أحد أفلام المخرج أحمد عبدالله، والتي تهتم بذائقة المتلقي وليس تسليته، وهو من نوعية الأفلام التي يحتاج فيها المًتلقي لفك رموزه للوصول إلى دلالاته الفلسفية التي تحمل شتى التأويلات، وهذه الأعمال غالباً ما تنتهي بانقسام آراء المشاهدين ما بين القبول والاستحسان أو الرفض والاستهجان، والفيلم من بطولة “سيد رجب” في دور حارس العقار، “أحمد خالد صالح” في دور نصر البلطجي، “ناهد السباعي” في دور يارا ابنة حارس العقار، “فدوى عابد” في دور الدكتورة وأحد سكان العمارة المجاورة للعقار، “مجدي عطوان” في دور حارس العمارة المجاورة، والفيلم من إنتاج شركة فيلم كلينك للمنتج محمد حفظي، وشارك الفيلم بالمسابقة الدولية للأفلام الروائية الطويلة بمهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته ال 44، وفاز بثلاث جوائز وهي جائزة أفضل فيلم عربي، جائزة الإتحاد الدولي للنقاد “الفيبريسي”، جائزة هنري بركات لأفضل إسهام فني والتي حصل عليها مدير التصوير “مصطفى الكاشف”.

قصة الفيلم

تدور أحداث الفيلم حول حارس عقار عجوز يقوم على حراسة فيلا قديمة هجرها ملاكها من عشرات السنين، ورغم أن الفيلا معرضة للسقوط في أية لحظة ولكن حارس العقار يعيش فيها بأمان، ويقوم بتربية بعض الحيوانات الضالة حيث تعتبر الفيلا ملاذاً آمناً لهم، تظل حياة حارس العقار روتينية وهادئة إلى أن يقتحم الفيلا شاب بلطجي يدعى “نصر” يعمل سايس سيارات، حيث يقرر أن يضع بضاعته مجهولة المصدر والتي يتم الاتجار فيها بالسوق السوداء داخل الفيلا، كما يقوم بمضايقة حارس العقار ومحاولة فرض قوته وسيطرته على الحارس وعلى العقار معاً.

ترابط قوي بين العقار والبطل

العقار ليس مجرد عامل مكاني تدور فيه الأحداث في فيلم 19ب، ولكنه شخصية درامية مستقلة لها حضورها القوي التي تجعلنا ننظر له أحياناً على أنه بطل من أبطال العمل، فهو يحب ويكره، يعلن قبوله لأشخاص ورفضه وتمرده على أشخاص أخرين، لديه شخصية قوية لها حدودها  ومساحتها الخاصة، ولديه أيضاً القدرة للتعبير عن غضبه والذي قد يصل إلى الحد الذي قد يقوم فيه بإيذاء الغير، من ناحية أخرى سيذكرنا البطل هنا بسكان المقابر الذين قرروا أن يستكملوا ما تبقى من حياتهم وسط الأموات، فرغم وحشة المقابر وما يدور حولها من قصص رعب إلا أنها أكثر أماناً بالنسبة لهم، فالأموات لا يؤذون مثل الأحياء، وبالرجوع إلى عقار 19ب سنجد أنه عند النظر إليه للوهلة الأولى سيذكرنا بالعقارات المسكونة بالجن والعفاريت في أفلام الرعب بتصميمه المعماري الذي يمزج ما بين الكلاسيكي البسيط والقوطي، وشبابيكه وأبوابه المحطمين، وإضاءته الخافتة، وبعض أركانه المظلمة، ولكنه يظل الملاذ الأمن للبطل وللحيوانات من شرور البشر في الخارج.

وعقار 19ب ليس فقط صاحب شخصية مستقلة، ولكن في العديد من المشاهد سنجد أنه يرمز لبطل العمل “حارس العقار”، فكلاهما يرمز للماضي بهدوئه وأصالته وسلامه والذي يقف أمام الحاضر بضجيجه وفوضويته وشروره، منزل متهالك بفعل عوامل الزمن مثل الحارس العجوز الذي يسكنه، لا يسأل عنه أحد و لا يهتم به باستثناء حارسه، والحارس الذي لا يسأل عنه أحد ما عدا ابنته والدكتورة التي تقدم له وللحيوانات الطعام بصفة شبه منتظمة، يفتقد كل منهما لحياة الماضي حيث الشارع الهادئ المنظم والبنايات الأصيلة ذات الطابع المعماري المميز التي تشبههم قبلما يتم هدمهما واستبدالها بأبراج عالية أدت إلى أزمة في المرور وما صاحبها من ظهور بعض البلطجية التي تتخذ من مهنة السايس عملاً لها بجانب بعض المهن الأخرى الغير مشروعة، ورغم كل هذه المشكلات التي تواجه العقار المهدد بالسقوط والذي يحتاج إلى ترميم، والبطل المصاب في قدمة ويحتاج إلى علاج ورعاية، إلا أنهما يمثلان ملاذاً أمناً لأحبابهم.

الفن قبل التسلية

فيلم 19ب ليس من نوعية الأعمال التي تجذب الجمهور، ولكننا نستطيع القول أنه من نوعية الأفلام الأقرب لاكتمال عناصرها الفنية، قصة بسيطة تدور في مساحة محدودة بإيقاع بطيء وعدد قليل من الأبطال، تم رسم كل شخصية من شخصياته بعناية شديدة مع الاهتمام بأبعاد رسم الشخصية الثلاثة النفسية والاجتماعية والشكلية، مع اختيار جيد لهم مما أنعكس على الأداء المميز لأبطال العمل، سنرى أداء تمثيلي متقن وكادرات وتكوينات تم اختيارها بعناية جعلتنا نصدق العمل ونتعاطف مع الحارس ونحب ابنته، وننجذب إلى حيواناته، ونكره البطل الضد الذي يمثل الجانب الشرير من القصة، وفي نهاية العمل سنجد أننا أمام مخرج لديه إلمام بعناصر اللغة السينمائية ومعرفة كيفية توظيفها بشكل متناسق ومتجانس، مما أدى إلى إنجاز فيلم بمضمون فني جيد ذات بعد فلسفي له رمزياته ودلالاته المعبرة عن الواقع المُعاش.

……………………….

*كاتب وناقد سينمائي وباحث في الدراسات السينمائية، عضو بجمعية كتاب ونقاد السينما المصرية، وعضو اتحاد الكتاب المصريين

 

 

 

 

 

مقالات من نفس القسم