فتحي مهذب
أرجوحة
بعد سقوطي من الأرجوحة
نمت على قارعة الطفولة
مثل طيار قفز من شرفة الله
بدموع من اللؤلؤ
وكدمات حمراء
على تقاطيع وجهي
وحين صحوت
لم أجد أحدا بجواري
لا ضحكتي المليئة بالذهب
لا طفولتي الساطعة جدا
لم أجد شجرة التوت
لا فراشات من الضوء الخالص
ولا أصدقاء من الملائكة
لم أجد أمي
بحزمة مفاتيح الجنة
لا أبي محلقا بجناحي إيكاروس
لا أخي الأحدب الضحاك
لا بيتنا المشمس في العتمة
لم أجد غير حزمة من العظام
مطوقة بحبال ستين سنة
وبضع ذئاب نافقة
***
في رحم المطلق
لا رغبة لي في قبر
أوصي ثيران جارتي
بحرق جثتي ..
وضع رمادي في كيس على ظهر تمساح..
يعمل بوابا شرسا في نهر..
وفي الليل يهاجم راقصة الباليه..
يهشم زجاج مخيلتها الفاخر..
يطلي وجوه رهائنه بغباري..
بينما روحي الشقية في مكوك
صحبة دببة حزينة
تبحث عن فرائس في غابة
قوس قزح..
أوصي بقبعتي الى ربان سفينة
تتقاذفها أمواج النوم..
وثيابي الخلقة الى عنكبوت ثائر..
وسريري الى سفاح مهذب
يربي ذكرياتي في اكواريوم..
أحيانا يأكل قصائدي..
في ممر ضيق..
أو مأزق عائلي..
ويصلي على روحي بصوت
يمامة مغتربة .
ذروا عربة الموتى
تنام في مستودع
مثل ذئب الفلاة..
ولتتكسر أغصان القبار في عاصفة..
وينطفئ المشيعون تحت الجسر..
لا رغبة لي في قبر أو شاهدة..
أو زائر يلفظ دمعتين من النحاس..
أوصي بذر رمادي في المرتفعات..
لا تهبوا عظامي للديدان القرمة.
ذروني في اللاشيئ..
في رحم المطلق .
**
أدونيس
عليك أن تجتاز هوة سحيقة
في طبقات الهواء
أو شلالا من الضوء
في مفازة العتمة
عليك أن تستلم قدحا
من فخامة ديونيسيوس
لتشحذ المخيلة
قد ترى أبن الشمس
أدونيس
وفي يده مصباح
يشبه مصباح ديوجين
يتبعه جيش كبير
من الكلمات المقاتلة
ممتطيا حصان من الضوء
يجوب درب التبانة
عليك أن تنزع قلب العالم
بسيف الساموراي
أبتكر ضوءك وامض
أمض حيث لا يراك العميان
ثمة سترى أدونيس
جالسا على كرسي السماء
الكلمات مكدسة في حضنه
مثل النجوم
وجواري الدلالات توزع النبيذ
على زمرة المدلجين
عليك الحج إلى الأكروبول
لتأخذ المفتاح من يانيس ريتسوس
قد يساعدك في اكتشاف الباب السماوي
الذي يدخل منه أدونيس
إلى أقاليم الابدية
لا تخش زئير الحتميات
يمكن أن تدخل نعيم أدونيس
شرط أن تتخلى عن سلالمك المكسورة
تعتلي صهوة المخيلة
بكيس مليء بأجنحة الكلمات.
**
غيابك مسدس ضرير
قبل الخروج من الحانة
سأفكك بنية غيابك المركبة
سأستعين بسحر الخيالة والدادائيبن..
سأستعين بنبرة الغرسونة
وهي تملأ قوارب المخيلة بأسماك السلمون
غيابك خلف جبالا شاهقة من الدموع المتجمدة
لأن غيابك سماء عالية جدا
سأستعين بقس أو منجم
لتأويل دكنة الغيمة التي خلفتها
على الكنبة
وانتحار شمسك الحزينة
في مزرعة القطن.
لأن صوتك ناقوس في كنيسة مهجورة
يرن مبحوحا ومتقطعا
يمطر بفاكهة الكستناء.
المصلون ماتوا فوق ركح اللاجدوى.
والفهود التهمت حملان النوستالجيا.
السكارى يحملون التوابيت
الموسيقى تهشم باب القتلة
المعزون كثر داخل مرآة النص.
قبل الخروج من الحانة
وقطع أصابع الأشباح
وطرد النميمة من قبعة سيزيف.
سأحتفي بالصخرة وحدي
أقلم أظافرها الطويلة
أغسلها بعرق الفلاسفة
لتكون جاهزة للرقص العبثي
قبل الخروج من الحانة
قبل السقوط في نهر من العار والفضيحة
قبل السقوط في التجربة
ورشق المصابيح الكابية بمكعبات النعاس
سأقاطع حصان ميشيل فوكو
لأنه خانني في قلب المعركة
لم يحمل جنوني إلى المبغى
ليرتاح على سرير من النهود الطازجة
ولأن غيابك مسدس ضرير
سأعتلي الربوة
وأفتح النار على طيور الهواجس.
فر المنظرون من الحانة
مخلفين ريشا كثيفا من الدموع
وانتحر المؤولون بغتة
في غابة مليئة باليوطوبيا.
ولأن غيابك لا يطاق
سأكتفي بحصتي من الرماد اليومي
وأنسحب مثل فيل مسن
إلى جهة غامضة.
**
مطرزات من الغيوم الفاقعة
– الحرب توقفت
بعد قتال دموي بين ذئاب المتناقضات
كذلك سرب المسيرات الإنقضاضية
التي تأتي من جنوب القلق اليومي
قلبي رماد خالص
سكان مخيلتي الغامضون
ماتوا بطلق ناري مكثف
المستوطنون
سقطوا من شباك الطائرة
إحتجاجا على توقف الحرب
الطائرات إختفت في جيوب المستذئبين
المستقبل مقطوع اليدين
بفعل شظية طائشة
يجلس وحيدا
أمام باب المقبرة
يرمق آثار أقدام الموتى
يهطل مطر غزير من الهذيان
الحرب إلتهمت ديكور السعادة
الكثير من شجر التفكير الفلسفي
الكثير من عنب الكينونة
وكستناء الضوء
أجلس على مقعد وحيد
في ممر الحظ المتعثر
أحصي عدد القتلى
الذين دفنوا في حديقة رأسي
عقلي الباطن يتكلم بفصاحة
وأنا أصغي إليه
مثل أحد الممسوسين
أو أحد الفانين في روح بوذا
***
المتقاعدون كثر
يحملون سلالا مثقوبة
يتساقط منها كم هائل من الندم
ريش العمر المتناثر
يكلمون أنفسهم بهدوء تام
وعيونهم مرفوعة إلى السماء
يتأملون فلاسفة الريبة
وهم يعبرون أفق الهواجس
ينظرون إلى بعضهم بعضا
بعيون من الكلمات الحزينة
الدموع سمك ذهبي
يتلألأ في محاجرهم.
***
كان أبي محيطا من الضوء والحنان
كلما عانقنا
نتحول إلى أسماك تتدافع
في مائه الأبدي
بينما العالم
مليء بشباك الصيادين
بالقتلة والمشعوذين
بالغيلان المترصدة في محطة النهار
كنت أنا السمكة الكبرى
السمكة
التي يطاردها قارب مليء بالمجانين والمتصوفة
وحين تتمأزق
تتحول إلى أخطبوط ماكر
يطلق لونا رماديا غامقا
فلا تنتبه إليه عيون التتار والمغول.
***
كلما ألاقي أحد أصدقائي القدامى
أتسلق قامته إل آخر غصن
لأعثر على فراشات طفولتي الضائعة
أو أدخل في عينيه
لأسحب مترين من الذكريات الحلوة
أتملى قطار العاشرة ليلا
وهو يختفي في أدغال مخيلته
بسحب داكنة من المسافرين.
***
(كم نحن مجبرون
أن نكون أقوياء)
نضع الضحك في أكياس شفافة
ثم نمنحها للأرامل والمنتحرين
نطرد الأشباح من الكلمات المعتمة
نطعم النهار مزيدا من كعك أعصابنا
مسلحين ببنادق صيد
لقتل ثعالب القلق اليومي
لا يهم أن يكون النهار
مليئا بالمتآمرين
باللصوص والمرتزقة
الله يتبعنا بغلالة من النور الفاقع.
***
ترفع صفارات الإنذار عاليا
كلما مرت مسيرة
أو صاروخ باليستي
تطلقه صديقتي المقاتلة
مستاءة من غيابي الطويل
من معاملتي الشرسة
مع سكان كلماتها
من إقامة مستوطنات هشة
داخل حديقة رأسي
من صلواتي العبثية في ثكنة مهجورة
لذلك علي الإختفاء القسري
تحت نفق إسمنتي
مكتظ بالأسرى والمجانين
في انتظار الحكمة الإلهية
لتخلصني من شرر التوجس.
***
حملت أسلحتي
إلى ماوراء نهر جنوب الليطاني
غير أن عينيها الجميلتين
مصرتان على مهاجمتي
برشقة صاروخية متلاحقة
البائسة لم تعرف أني
مقاتل من النينجا
مدرب على قنص الكلمات الجارحة
ببندقية الغول
الحرب جزء من الديكور اليومي
الحرب لا تنتهي
يا عزيزتي
وعوالمي المدهشة مكتظة بالمقاومين.
***
أنظف شراييني
من بقايا رصاصاتك الطائشة
من الدمار الهائل
الذي التهم ذهب صلواتي
في العزلة
يمر فهد أشقر
بغيمتين من القلق اليومي
يحييني
أدعوه إلى بيتي ليلتهم
حملان كلماتي
ويريحني من زئير الساعات الحرجة
تمر حمامة مطوقة
أناشدها بأن تنوح قليلا
على عمود التليغراف
ولتحمل بريدي
إلى ملكة درب التبانة
قبل هبوب المزيد
من حرائق النوستالجيا.
***
تحت الأنقاض
جثة ترفع عقيرتها بالغناء
أنبش بأسناني التراب
لأحمل دموع الموتى
في سلة مثقوبة
وبيدين شبه عمياوين
ألوح لجميع المرابطين
كم هو مؤلم وبطولي
الغناء تحت ركام الأسلاف.
***