غادة خليفة: كي أصدقني!
أريج جمال
أنا أعيش غادة خليفة، فلماذا أكتب عنها ؟
ألا يكفي أنكِ تقرأين يا غادة... وأنكِ ستُضيفين بروحكِ كما تفعلين دائمًا، معنى ما، لم أصل إليه بعد، ربما وصلته دون أن أعي، دون أن أريد أن أعي.
أكتب الآن ولستُ في أفضل حالاتي، أعيش نوبة اكتئاب حادّة، لا شيء يقهرها، ربما هي أنيميا الدورة الشهرية، أنا عابسة كل الوقت تقريبًا، لا أعرف ماذا سيأتي بعدْ، لماذا ينبغي أن يأتي أي شيء بعد أصلًا؟ تلقائيًا أجدُ أن كل الأدوات حولي يمكن أن تقتل، أقلام الحبر الجاف، أكواب الشاي الساخنة، التمثال الصغير لأم تحمل ابنها على مكتبي، الفأرة التي أحركها كي أرى الصفحة، عقارب ساعة مارلين مونرو المُفضلّة، كل شيء يمكن أن يقتل، كل شيء... لكنكِ حين ستتكلمين إليّ، سوف أجد أسباب بسيطة للتفكير في الغد، في فيلم الغد، في سفر الغد، في حُب الغد، في كتاب الغد، في أي شيء يمكن أن يأتي في أي وقت، كي يمنحني معنى ما لزمنٍ قصير جدًا لا يمكن أن يمتد أطول.
معكِ، لا أكون إلا أريج. هل تعرفين شكل العلاقة التي لا تُجبركِ على المُسايرة... التبّدي بأخرى ليست أنتِ، كي تُرضين صديقتكِ؟ هذا النوع من المُسايرة الذي يسرق تدريجيًا من الروح، وينتهي في اللحظة التي تُديرين فيها رأسكِ، تتوقفين عن الشعور بافتقاد الصديقة، تفتقدين أكثر روحك... هذه العلاقة ليست أنتِ يا غادة، يحدث أن نختلف في ذوق اختيار الأفلام، في ألوان الطعام المُشتهاة، نختلف في الريبة والحيطة أو التصديق، إنما هو هذا الاختلاف الذي يسمحُ لنا بالسير معًا، دون أجزاء ناقصة... أنا من قبل لم أحظ بصداقة كهذه، لم أكن أعرف عن وجود صداقة كهذه، ليست صداقة فحسب، إنما شكل من التعاطي مع مأزق الوجود على الأرض، بجرعة تخفف عالية، بصناعة البهجة، ومن ثم تصديقها حتى تذوب ونعاود تصنيعها... لستُ في أفضل حالاتي يا غادة، لا أعي تمامًا شكل هذه الكتابة، وسوف تسامحينني إذا كانت رديئة.
الخيط الذي يربطني بكِ، رفيع ومشدود، لكنه يتحملُ كل شيء، كل شيء تعيس بالضرورة، الإشكالية أنني أكتب من عُمق هذه اللحظة التي أتساءل فيها عن معنى تعاقب الليل والنهار، عن معنى هذا الكوكب أصلًا، لكننا حين سنلتقي سوف يكون بإمكاننا أن نلعن العالم معًا بقاموس شتائمه البذيئة نفسها، أن نتعرى دون أن يرانا أحد، مع أننا نسير في نفس الشارع معهم، العالم الذي هو أنا وأنتِ، وكلمة تعلّمتها منكِ، سأقولها الآن إليكِ فتنتقل إلى روحي أنا "متخافيش"، أقولها لكل المُقرّبين مني بالاطمئنان نفسه الذي تعلّمته منكِ، لقد كان الله يحبني وهو يجعلني أحبكِ يا غادة، كان يُحبني وهو يجعلكِ تحبينني، يُحبنا ونحن نأكل الآيس كريم زبادي بالتوت، ونفكر في مشاركة شقة في الزمالك يومًا ما ليس بعيدًا، يُحبنا ونحن نفكر في طلب أكبر عدد ممكن من بولات الآيس كريم بأموالنا القليلة الباقية من إسراف اليوم، ونحن نتحدث عن مدونتكِ، عن الكروشيه، عن قصة حب قديمة عالقة، أو جديدة تنتهي قبل الفاصل الإعلاني الأول، أو ونحن نفكر مثلًا ماذا سيحدث إذا بقينا معًا نصف ساعة أخرى؟
الله يُحبنا وأنا أعرف، كنتُ بحاجة إلى أن أصدقني يا غادة، أصدقني على الأقل لأني لا أستطيع أن أصدق الآخرين بالكامل، لأني أعرف أنهم يكذبون، لأنهم يقولون أنهم يكذبون، أنتِ كنتِ لحظة التصديق، المحبّة التي تُفرّجني على مقاسي الخاص، وتلتقطُ لي صورًا بزوايا لا تُناسب سواي، المحبّة التي تحتمل ضجري في منتصف الكلام، تحتملُ نسياني، وتعجُلي، وشذوذي.
إنني أكتب سركِ يا غادة، كي أذيعه على العالم، كي أقول للرجل الذي سيقع في حبكِ حتى النهاية، عرفتُ الجمال قبلك، وكتبته، أليس هذا سببًا كافيًا ؟