سلطان محمد
مِنقَلُ أيامي
كمَن يتأمّل جمرةً بافتتانٍ ثُمَّ
يمصُّها دفعةً واحدةً في غمضة عين
بمتعة لوطيٍّ
أتأمل حياتي
غير أنني أتروّى وأقلّبها فوق وتحت لساني
هذا الرماد الذي لا يكفُّ عن التداعي
حتى في سكون الريح
هذا الرماد الذي يحسب نفسه ترابًا
وأنه سيصير صخورًا
وأن الصخور ستُبنى بها قصورٌ
وأن القصور سوف تسكنها الحوريات وهُنّ يتأوهنَ
من فرط الترف في الحرير بينما الوطءُ خشنٌ كصوفة الشحّاذ
لا نيكَ في الأسرة والمخداتُ من أرق ومن عبث
ولا أجسادَ إلا في الوقت النحيل كإبرة الأعمى ثم رمادٌ
رمادٌ لو تصوّف بعض الشيء لصار غيومًا
وحينذاك المطرُ الذي سيُخمد الجمراتِ كلها عن بكرة أبيها
نثرُ الرماد
في حال من الهشاشة يجعلني أتغاضَى عن قساوة العالم بابتسامة. وأبدو شديدًا مثل سيّد قوم لا يعرفون سوى الغزو والمطاردة. وفي الليل أبدو في بلادةٍ، تبدو في عينيَّ فضاءاتٌ فارغةٌ، نظرتي ليست من هذا العالم؛ وكأنني شاعر كتبَ مرثيتهُ في يوم ميلاده وتفرّغ بعد ذلك للتأمُّل في سِرب من النمل يغذُّ السير إلى شَبَكِ العنكبوت. أنظرُ نحْوَ ثُقب في روحي لم تخطهُ الملائكةُ، أُدخل فيه عيني مثلَ مِنظار وأرى أثرَ السنين جُثثًا من الآمال. في حال من الهشاشة يجعلني أستصعب رفعَ يدي وألوّح وداعيةً لهذه السنة من حفنة أيامي. والسنوات زومبيز واعون بما يفعلون والعواقبِ، زومبيز تدارسوا الفلسفة وأوّلوا في اللاهوت، زومبيز يستمعونَ إلى شوبرت في آخر الليل حزانَى ويشعرون بذنبٍ فادح تجاه الضحايا، لكنهم يواصلون ما يفعلون في اليوم التالي. لا أحدَ يفعل غيرَ ما يفعلُ، والجميعُ مسخّرونَ لما لَهُ خُلقوا. كلنا مكتوبةٌ أفعالُنا سلفًا، إلا أننا ورقٌ كثيرٌ وصياغاتٌ لانهائيةٌ بحَسْبِ الريح نُقرأ أو نُطوى. وهذه السنةُ تطوي ذيلها مثل وحشٍ شبعَ من الوليمة تاركًا مكانه لوحش آخرَ جائعٍ، لا أقول لها بالعافية بل آتي إليها بطست من السمن الأصلي وأغسلُ يديها مثلما يفعل البدْوُ الأغنياءُ. إنني في حال من الهشاشة تصيرُ معه الكتابةُ جهدَ حفّار القبور. وأبدو مثل مَن يُسلّم بحقيقة الموت ولا يهتمُّ بما بعد الحياة، أمشي مستقيمًا وفي داخلي مَن يترنّحُ على خيط من حرير، وأسكَرُ مما يوقظُ الناسَ؛ منَ الفواجع. يا لها من سنةٍ لم تفعل غير تكثيف الهشاشة في زُجاجة قامتي، ولا أخافُ أن أنكسرَ غيرَ خوفي أن يتهشمَ أحبائي ويتناثرون على رصيف سِيرَتي وإلا كنتُ مضيتُ مع سرب النمل فَرِحًا إلى شَبَكِ العنكبوت!
كلمةُ رأس
أرى إلى يومي الأخير
أرى إليه بينما يطوي ذيلَهُ مثل كلب على جرحه الخلفيِّ
ولا يكادُ يعوي إلا نشيجًا خفيضًا
أراه وهو يتسحّب داخلًا في إبط الليل
تحت ثنيّة الوداع
أرى إلى يومي الأخير
ولا أمسح عليه خشيةَ أن يعض يدي عضةَ الخائفِ
وأكتفي بالصُّوات إليه بأصواتٍ ما بين البسبسة والهمهمة
أملًا في أن ينظر نحوي
ولو نظر فلا أريد شيئًا إلا أن أقول له كلمتينِ:
يا صغيري، لا تَخفْ مني وخفْ من الأيام الكبيرة!