عبد الخالق فاروق
يمثل الدكتور عمار على حسن ، ظاهرة فكرية وأدبية وسياسية مركبة ولافتة فى تاريخنا الحديث ، ربما تتقارب حالة عمار مع حالات فكرية وأدبية نادرة ومحفورة فى حياتنا الثقافية ، مثل عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين ، والأديب الكبير عباس العقاد ، وعبد القادر المازنى ، ولطفى السيد ، وقامات أخرى برزت وأبدعت فيما عرف بفترة النهضة فى ثلاثينات وأربعينات القرن العشرين .
وكما كان د. طه حسين باحثا متعمقا فى تاريخ الحضارتين اليونانية والرومانية ، كما فى التاريخ الإسلامى ، يبرز عمار على حسن باحثا متميزا وفريدا فى تحليل ظواهر الجماعات الإسلامية المتنوعة ، بدءا من جماعات الطرق الصوفية ، مرورا بالتاريخ الإسلامى وتناقضاته وصراعاته ، إنتهاءا بالجماعات الإسلامية المتطرفة الحديثة ، مثل جماعة “الإخوان المسلمين” ، وتنظيم ” داعش ” وتنظيمات القاعدة وتفربعاتها .
وبقدر ما أنتج عمار على حسن وأضاف كباحث فى علم الاجتماع السياسى والإنسانى إلى المكتبة العربية ، وفى فروع العلوم السياسية بكافة تجلياتها وتعقيداتها ، بقدر ما وضع يده فى لمسات تحليلية مبتكرة ومميزة على بواطن تناقضاتنا السياسية والفكرية الراهنة ، فأثمرت مقالاته اليومية والأسبوعية المنتشرة على صفحات عدد كبير من الصحف المصرية والعربية والمواقع الإليكترونية ، رؤية وبصيرة لحقائق هذه الصراعات ومكامن أسرارها والمصالح الكامنة خلفها .
وبالقدر الذى كان فيه الدكتور طه حسين أديبا وناقدا متميزا ومتفردا ، جاء عمار على حسن ليضيف إلى رصيد المكتبة الأدبية العربية عددا كبيرا ، ونوعية فريدة من القص والرواية العربية والنقد الأدبى ، بدءا من كتابه ” النص والسلطة والمجتمع ” ، وعشرات المقالات النقدية لأعمال وإنتاج زملائه من الأدباء والمبدعين .
وهنا قدم لنا عمار على حسن قراءات فريدة من نوعها فى تحليل النصوص الأدبية والروائية ، حفلت بالكثير من الجماليات والدلالات المفعمة بالحيوية والعذوبة ، سواء من حيث الشكل أو المضمون ، سواء كان ذلك فى عموده اليومى بجريدة الوطن الذى أستمر لسنوات – قبل أن تغلقه قوى التسلط والإستبداد السياسى – أو فيما ينشره أسبوعيا فى جريدة الإتحاد الإماراتية أو المصرى اليوم ، أو غيرها من المنابر الصحفية والإعلامية التى تحتفى بعمار وقلمه وأفكاره .
أما عمار على حسن كأديب ، فهو عالم فريد ومتميز من البهجة والجمال اللغوى والعمق الفلسفى ، والحفر فى صلب وصخر الكلمات والمعانى الجديدة والمبتكرة ، فعبر أعماله الأدبية التى قاربت الخمسة عشرة عملا أدبيا وروائيا ، بدءا من ” بيت السنارى ” و ” باب رزق ” و” شجرة العابد ” ، و” السلفى ” و ” سقوط الصمت ” و ” زهر الخريف ” و” حكاية شمردل ” ، مرورا بمجموعته القصصية القصيرة مثل ” أحلام منسية ” ، و الأربعة ” و ” عرب العطيات ” و ” التى هى أحزن ” و ” حكايات الحب الأول ” و ” مسك الليل ” و” أخت روحى ” ، وروايته الرائعة ” جبل الطير ” ، وأخيرا ها هو يطل علينا بمجموعته القصصية القصيرة جدا ” عطر الليل ” ، التى تمثل نوعا فريدا من الكتابة القصصية ذات الكثافة اللغوية والجمالية .
ويتميز عالم عمار على حسن الروائى والقصصى بسمات فريدة لعل من أهمها :
الأولى : جماليات اللغة المستخدمة التى ربما لا يضاهيه فيه إلا قليلا من الروائيين المصريين والعرب ، مثلما كان الأديب الراحل جمال الغيطانى ، الذى وصفته من قبل بأنه ملك سحر الغموض فى كثير من أ|عماله القصصية وخصوصا ” حكايات المؤسسة ” و” خبيئة المؤسسة ” ، وبالمقابل فأن عمار على حسن صاحب لغة فريدة تمزج بين النص الصوفى العميق والباطنى المعنى ، والعمق الفلسفى لشخوص رواياته وقصصه ، التى نجدها شاخصة بقوة فى ” جبل الطير ” و ” شجرة العابد ” .
وبقدر غنى وثراء نسيج اللغة لدى عمار على حسن ، بقدر رومانسيتها وقدرتها على الإمساك بالقارىء ، والإستحواذ على فكرة ومشاعره ووجدانه طوال قراءته للعمل الأدبى ، وربما بعد الانتهاء من قراءته لفترة طويلة من الزمن .
الثانية : وتنوع وتعدد العوالم الروائية والقصصية ، فلم يقتصر إبداع عمار على نوع أو صنف من صنوف الأعمال الأدبية والروائية ، سواء على مستوى شخوص روايته ، والعوالم المحيطة بهم ، الملامح النفسية لدوافعهم ، بقدر ما أبدع فى النص الصوفى المعبق بالعمق الفلسفى والمعانى الباطنية ، بقدر ما أخذ من عوالم الحب والرومانسية ومآسيها وعذاباتها .
الثالث : تعدد وتنوع صنوف النص الأدبى ذاته ، فلم يتوقف عمار عند الرواية ، أو القصة القصيرة ، وإنما أنتقل إلى عالم الأقصوصة القصيرة جدا ، وكذلك إلى عالم الشعر ، فلعل القليلون الذين يعلمون بأشعاره التى نشر بعضها فى مقتبل حياته الأدبية ، ولم يبق من صنوف الأدب سوى أن يطل علينا بنص مسرحى ، أو عمل درامى يصلح للسينما أو التليفزيون ، وإن كانت أعماله الراهنة تصلح لهذا لولا قبضة الرقيب ، وعناد المنتجين .
هذه المساحة العريضة من الإبداع ، لم تحل دون أن يكون عمار على حسن مثقفا عضويا بالمعنى الذى طرحه المناضل والمفكر الإيطالى ” أنطونيو غرامشى ” منذ مطلع العقد الثانى من القرن العشرين ، فلم ينعزل كما كثيرا من المثقفين والأدباء فى صومعه فكره وإبداعه بعيدا عن هموم الناس ، مشاكل شعبه ، وتطلعات أمته ، حتى لة تحمل فى سبيل ذلك المعاناة ، والمطاردة والحصار من انظمة حكم إستبدادية بدءا من نظام الرئيس المخلوع حسنى مبارك ، مرورا بنظام ” الخوان المسلمين ” ، إنتهاءا بالنظام الحالى .
والحقيقة فأن لنا أن نفخر بظاهرة عمار على حسن فى دراساتنا وأبحاثنا وأدبنا العربى.
……………………………….
كاتب وخبير اقتصادي، والمقال نقلا عن جريدة “أخبار الأدب”