مفتاح النحالي
على غير عادته
دون موعد مسبق
يأتي المطر دفعة واحدة
وتأتي القصائد والحرائق من كل الاتجاهات الأربعة…
ويأتي ساعي البريد وبائعة الورد وساقي النبيذ
وتأتي الملائكة كلها…..
ثمة من طرق الباب
ثمة من فتح النوافذ…
ثمة من فتش خزانتي كشرطي وثمة من صادر أقلامي،
وعطرها المخفي بدقة الطفولة، وبطاقة ميلادي
ورسائلي التي مازلت أخطّها
لفاطمة…
لم ينتبه أحد إلى ظلي الجالس على كرسي الانتظار
لأكثر من عشرين سنة
كنت أمشي بلا ظل، أوصيه ألاّ يتبعني، أقذفه بالحجارة وأبصق عليه، ولكنه ككلب وضيع يلعق حذائي ويتبعني…
أقول له لقد أعتقتك فاذهب بعيدا، هاجر إن أمكن…
يقول ظلي بمكر أنثى، أنا سيّدك،
أنا من دل عليك الليل،
والملائكة، وساعي البريد….
يسلمني ظلي إلى ضيوف ثقلاء،
لا يحبون الموسيقى، يدخنون بشراهة، ويتبوّلون من شرفتي…
أقول في سري لعلها ليلتي الأخيرة
ربما هو الموت الذي أخذ أبي بعيدا…
هل جاء الموت على قارب؟ أم جاء حافيا؟ أم جاء كلص أو عاشق دون موعد؟
حسنا سأقول للملائكة أريد أن أموت في حادث سير فربما غدا تقرأ اسمي في صفحات الجرائد….
أو أن أموت في سقوطي الأخير مطعونا بقلم رصاص…
يتثاءب ظلي كقطة،
تغادر الملائكة المنزل، حرروا لي محضرا، لم يشربوا القهوة، أوصدوا الليل من وراءهم
وتركوا الباب مفتوحا..
قال لي ظلي ساخرا، لقد نجوت، أو لعلك فزت بليلة أخرى….
لم أرد أن أقول له إني أكره الضيوف الذين يأتون دون موعد، وأكره الموت الذي يأتي دون موعد،
وإني منذ عشرين عام مازلت أشم ريحها، وأعرف مسبقا أنها لن تأتي وإن تأخّر الموت وساعي البريد…..
على غير عادته
يسندني ظلي على جدار بيتنا القديم
يرمم روحي حجراً حجراً
يعمّدني بدمع أمي وأغاني الجدات…
لا تنسَ وأنت تشرق في الغياب أن تحمل معك ملح البدايات – يقول ظلي ـ كم أخشى عليك يا شبيهي
ذنوب البدايات
وأخشى أن يتفرق حزنك بين القصائد……
يخلد ظلي إلى نومه في سريري الخشبي..
يتركني حافي اليدين
كان جبينه يتعرق
صرخت بأعلى لغتي
تمهل يا صديقي ويا شبيهي، لا تذهب بعيدا..
فإني أكره الموت الذي يأتي دون موعد…
على غير عادته
يأتي المطر وساعي البريد
وفي الخارج ظلي كشيخ ضرير يتلو وصيته:
هاجرْ إن أمكن
ولا تنسَ ملح البدايات.
………………….
*شاعر ومترجم تونسي