علاء خالد الآخر

عندما قابلت إبراهيم فرغلى لأول مرة
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

شعبان يوسف

كل ماكنت أعرفه عن علاء خالد،كتاباته الشعرية والسردية ونزوعه الجارف نحو إنشاء تجارب جديدة، بداية بالشعر مع رفيق رحلته الراحل أسامة الدناصورى، وأعتقد أن الدناصورى كان يعتبر نفسه مع علاء خالد أنهما جيل كامل ومنفرد وواحد، بعيدا عن "دوشة" جيل الثمانينيات، فهما بالفعل يختلفان، ولم يضبط أحدهما بالصراع على ريادة شعرية، أو التكالب على مكاسب خاصة، رغم أنهما يشغلان مكانة أدبية مرموقة دون أدنى صراخ.

كان علاء بالنسبة لى كاتبا يتقلب فى أجناس الإبداع المختلفة،وفى كل تجربة شعرية أوسردية راح يقدم مذاقا مختلفا لم يقدم عليه، وبعد إصداره مجلته الفريدة “أمكنة”، تأكد لى تماما أن علاء خالد وقبيلته_أى زوجته سلوى_قادران على كسر العادى والمألوف والراكد،وسارعت باستضافته فى ورشة الزيتون ،فى أعقاب صدور أحد أعداد المجلة، وشارك فى المناقشة الصديق رفيع المقام نبيل عبدالفتاح، والناقدة الكبيرة عبلة الروينى، ودامت المناقشة نحو ثلاث ساعات من الجدل والأخذ والردّ بين الأطراف جميعا، ولم تكن كالعادة الملاحظات إيجابية على طول الخط، بل كان المناقشون بعد إطرائهم الشديد لهذا المشروع الفريد، يطرحون تصورات عن مستقبل الإصدار، ويتحدثون عن ماافتقدوه فى المجلة، وانتهت الندوة، ولم أسمع صوتا لعلاء على مدى سنوات، فظننت أنه غضب من بعض الملاحظات.

 وعندما استضافه صديقى بلال فضل فى البرنامج المغفور له “عصير الكتب”، وكان بلال منبهرا برواية علاء، واعتبرها إحدى الروائع الفريدة فى زماننا التقليدى والرتيب، كان علاء يتلقى إعجاب بلال بنوع من الهدوء، وكأن إطراء بلال لماكتبه علاء كان يخجله، فيحاول الهروب من ثقوب اللقاء ليتحدث عن شيء بعيد عن هذا الإعجاب، وأؤكد أننى لم أتعرف جيدا فى ذلك اللقاء على علاء خالد، حتى التقينا مرة ثالثة فى 26 يناير 2012على الطائرة وكنا ذاهبين إلى بيروت، لحضور إحدى فعاليات مؤسسة الفكر العربى،وكان معنا فى الرحلة الكاتب السيد يس والفنان نصير شمة والاستاذ جمال غيطاس الكاتب الصحفى بالأهرام ورئيس تحرير إحدى الإصدارات فى المؤسسة،ولحق بنا الدكتور وحيد عبدالمجيد،وأشهد أننى كنت مرهقا وغير منتبه تماما،حيث لم أمكث فى القاهرة سوى ساعات قليلة للاحتفال بمرور العام الأول على 25 يناير،وكنت قادما من مسقط،لذلك لم أكن يقظا،حتى كان علاء خالد الهادئ الخجول والصامت تقريبا والذى يسأل دوما كطفل ضخم،أحد المنشطات الكبيرة لى،فلم أشعر بالمسافة القصيرة التى استغرقتها رحلة بيروت،ومنذ البداية تحددت رفقتنا،علاء ونصير وأنا،وكنا تقريبا نتحرك معا دوما،وكان لنصير بضعة لقاءات خاصة، فكنت أنا وعلاء متلاصقين طوال الوقت، وكان اكتشافى الكبير لهذه الشخصية،واندهشت لتلك الشفافية والبراءة والرقة والعذوبة،رغم أننى لا أطيق استخدام هذه الأوصاف عموما،لكننى بالفعل لا أستطيع الفكاك منها عندما أكتب عن علاء خالد،ولم أصدق أن عالمنا هذا الاجتماعى والثقافى ينطوى على أشخاص ليس لهم مخالب،وليس لهم شرور مثلما ألمس فى هذا الشخص الذى أكاد أعرفه للمرة الأولى،كنا نفطر معا كل صباح،ثم نحضر الفعاليات، وأعتقد أننا كنا فى حالة دهشة مما يدور حولنا،فنحن فى جمع من الناس يجيدون استخدام الكلمات على عكس مايعتقدون،ويجيدون الخطابة،وكذلك يستطيعون أن يقولوا كلاما كثيرا دون أن تعثر على فكرة واحدة،كذلك كان معنا أسماء كنت أهتز لها عند سماعى باسمها،ربما كان لهذا اللقاء فضيلة أننى عرفت أن الأمر ليس كذلك على الإطلاق،وبعد كل هذا العمر،نكتشف كم كنا ساذجين فى أسطرة الآخر البعيد،وكان علاء أكثر اندهاشا،فهو مندهش بطبيعته،وكان يحمل فى برنامجه المرور على المكتبات الكثيفة فى شارع الحمراء،وبالفعل اشترى مجموعة كتب وروايات حديثة بمبالغ كبيرة،وعندما التقينا بعباس بيضون وعناية جابر كان الثلاثة أمامى يتحاورون ويتناقشون فى موضوعات كأنهم انتهوا منها بالأمس،وسرعان ماتحطمت غربة علاء أماشاعرية عباس بيضون المتدفقة،وأمام شعرية عناية جابر الطفولية،وكانت الرحلة تمر سريعا،وأخطأنا عدة مرات فى إلقاء كلماتنا دون حسابات للأشخاص الذين معنا،حيث كان هناك أناس على مستوى تقدير مكثف من إدارة المؤسسة،ولكن هذه الشخصيات لم تلق التكريم المفروض من ناحيتنا،وكنا نتحدث على راحتنا،مما أغضب مدير المؤسسة آنذاك،حتى أن جاءتنا دعوة كريمة من سفير مصر فى بيروت على العشاء فى اليوم السابق على عودتنا للقاهرة،وكانت الدعوة موجهة للمصريين فقط،وكانت تنتظرنا مفاجأة لم أتوقعها هناك،إذ أن السفير المصرى،لم يكن إلا الروائى والمبدع محمد توفيق الذى كان يعرفنا جيدا،واحتفلا بنا عند الاستقبال أيما احتفاء،وكانت السيدة حرمه الأستاذة المثقفة أمانى أمين كذلك فى استقبالنا، وكعادة أى مصريين يلتقون بعيدا،تداولنا مايحدث فى القاهرة،وعملية صعود جماعة الاخوان الصاروخية نحو كافة مقاعد السلطة،وانقسم الحوار إلى طرفين،فكلنا كنا فى جبهة،والدكتور وحيد كان فى جبهة أخرى،وفى تلك اللحظة،وبهدوء وأدب جمين،سأل علاء وحيد:ما هو سرّ انجذابك ومؤازرتك لجماعة الأخوان،وفوجئنا جميعا يثورة وحيد العارمة،وخرج صوته عن المألوف ونحن على مأدبة عشاء،وكاد الحوار يجرى بيننا جميعا وكأنه مشاجرة كبيرة،ورغم انزعاجنا جميعا،كان علاء ثابتا ومبتسما فى هدوءه،ولكنه لم يستطع أن يخفى دهشة كبيرة،أعتقد أنها كانت أكبر من أى انطباع آخر أحاط بنا فى تلك الرحلة،ولم أعرف لماذا علاء لم يشتبك مثلنا،رغم أنه هو الذى طرح السؤال،وهو الذى كان مصراعلى إجابة وحيد،ولكننى أيقنت أن علاء خالد يستطيع أن يقول كل شئ فى حروف وكلمات وجمل وقصائد وسرديات، بعيدا عن تلك المحاورات التى لا تجلب سوى التعاسة أحيانا ووجع القلب.

علاء خالد كاتب يبتعد عن الضجيج بكل مايستطيع من إرادة وإصرار وتصميم،لذلك فهو قادر على صياغة نموذج للمثقف الإيجابى،والذى لا ينشغل إلا بما يقدمه من إبداعات.

 

عودة إلى الملف

 

مقالات من نفس القسم