ملاك لطيف
في رأسي مُدنٌ خائِفة، أُناسٌ قلقونَ يرتدونَ أكمامًا طويلة فوقَ أعضاءٍ ناقِصة.
في رأسي عجل وحيد على التّلة.
أصوات يضيع العابر بينها.
نحيبٌ شديدٌ لامرأةٍ هدّها الموت في صحراءِ رأسي.
كُنتُ أتبَع ضوءًا يتبعُ ظلامًا مُنسلًّا من ضعفٍ شفيف
فوقَ الحشدِ الذي ضيّعه عابِر، أو فوقي عابرًا مُدن رأسي وحبيسًا فيها.
خرج جسدي من هيكله
خرجَ الآخرونَ من جسدي.
فيما أحلُم بعشرينَ فارسًا يأخذونَ ذراعي، رهينَة غاياتِهم.
يشقّون طريقًا مستقيمًا في جسدي.
رأيتهم – عشرينَ فارسًا في عِظامِهم السّوداءَ، رداءً أسودَ، غيمًا أسودَ، سماءً سوداءَ..
وخيطًا أحمرًا واحِد من دَمي.
هذهِ ليست أنا كما تصوّرتها.
جَلاءً يمّحي كلّما أدخلت النّسوة أيديهنّ في رؤوسهنّ.. يفتّتن الخوف.
كلّما عاود عشرين فارسًا الدّخول إلى أجسادهنّ،
أهوي في لُجّة وفي طرفٍ وفي ضيقٍ، وأسهرُ في نوايا جَسدي.
أسيرُ في تَعبِ الرّغبةِ، مُنطلقًا من ضفّة الوجودِ إلى ضفّة العدم.
فارِشًا نفسي فوق صريرَ الرّغبةِ، مُلتحمًا بالأرضِ حولي.
أسيرُ بكلّ ما في رأسي.
بعشرين حفّار ورفشٍ واحد، وحفرة واحدة.
لَقَد اقتَلعوا عينيّ ليَنظروا بِها إلى الخَوف.
عشرونَ حفَّارًا..
أخذوا ذراعيّ ليحفروا بِها قبر ميّتهم،
ليحمِلوا ميّتَهُم من قبرِهِ إليّ..
يقولون: انظُر، ها أخاكَ يحلُمُ بِكَ في رُقادِه!
عشرونَ حفَّارًا..
ناموا تحت الطقس الأقسى،
مُطلقين صرخاتِهم لتجوبَ جسدي..
عشرينَ، رابضوا بأحصنتِهم عِندَ منحنَى الحلم.
كانوا يهيّؤونَ كامل الجسدِ للدخول عليه.
حُفاةً يتّكؤون بِقدمٍ واحِدَةٍ على قبرِ أوّل ميتٍ،
ويفضّونَ جناحيّ غرابٍ، ويتهامسونَ بالتّسميات.
عشرونَ حفَّارًا.. أطلقوا ورائِي عشرينَ ظلًا، حاصروني.
كان وجهي يتكرّر.. كلّما نظرتُ لواحدِهم، وكانت نظرتي ماء ورملٌ وهواءٌ.
عشرونَ حفّارًا، وامرأةً تصدّ أنفاسها عنهم.
تصيرُ المرأة أمّهم، وابنتهم وزوجَهم..
يتناوبونَ على جعلها رمادًا،
كلّما أفاقوا منها عضوًا أو تناهبوا نَظرَةً أو تجاسروا لردمِ آخرِ مسارٍ لأنفاسها.
عشرونَ حفّارًا وامرأة.. عشرونَ ذراعًا وفمَ امرأةٍ،
عشرونَ قدمٍ فوقَ قدميّ امرأةٍ،
عشرونَ ذراعٍ أخرى تتمرّن على التّناهُب.
حين ماتَ واحدهم.
بكيتُ حتّى احتواني تسعةَ عشرَ حفّارًا صدّقوا أنّني ابنتهم وأمهم وزوجهم.
صدّقوني وأنا آخذهم معي إلى الحفرةِ.. لتكونَ مدفنًا. لتهيلها الرّياح علينا.
لكنّ ريحًا لم تمرّ.
حاصرني ثمانيةَ عشرَ حفّارًا، مات واحدهم من الضّيق.
وصدّق الثمانية عشر.. أنّ الريح قادمة.
وأنّهم سينامونَ على ذراع امرأة هي ابنتهم وأمهم وزوجهم.
تبعني إلى النّوم سبعةَ عشرَ حفّارًا، فقد تسلَّقَنا واحدٌ حين لم يحصل على عضوٍ منّي.
تناوبَ الآخرون تقسيمه.
تمرّنوا على القتلِ فيه.
خفتُ سبعة عشرَ حّفارًا، لم يضجروا بَعد..
خفتُ..
هذا رأسي يفيض بهم.
هذهِ أنا أكثر تلفًا من كلّ ما في رأسي.
…………………….
*شاعرة من البحرين، صدر لها: “عصافير النافذة الأخيرة” 2015، عن دار مسعى