عزة سلطان ترسم خطا بين الحلم والواقع

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 39
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

د. مصطفى الضبع

ما بين السينما والواقع يتحرك وعى عزة سلطان منتجا قصصها القصيرة، ذلك الوعى المحرك بدوره وعى أبطالها عبر مجموعتها القصصية الثالثة “تماما كما يحدث فى السينما” الصادرة عن دار ملامح للنشر بالقاهرة (2009) وقد سبقها مجموعتان:

  • امرأة تلد رجلا يشبهك 1998.
  • أحمد رجل عادى جدا 2002.

فى المجموعة تتحرك الساردة بين الواقع والسينما بوصفهما وجهى حياة تستكمل مقدراتها لصالح البشر، وليصل المتلقى إلى تفاصيل العالم الكاشفة عن رؤية الكاتبة يكون عليه اكتشاف عدد من المفاتيح الأكثر قدرة على إنتاج الدلالة، تلك المفاتيح التى يمكننا برصد عدد منها التدليل على مساحات الإبداع المنتشرة فى قصص المجموعة بكاملها ولأنه يصعب الإحاطة بجميع المفاتيح فإنه يكفى تدليلا التوقف عند الجملة السردية الاستهلالية فى القصة الأولى:

” لم تكن صاحب الخيالات الأوحد فى حياتها، كان هناك قبلك خمس آخرون، هذه الجملة تشبه الجمل الكلاسيكية فى أدب ما بعد الستينيات، شيئ ما أشبه بقصة صبرى موسى حادثة النصف متر، لماذا إذن تذكر هذه العبارة التى ألقتها فى وجهه صديقتها بكل سعادة وكأنها تحرز هدفا فى مرمى الزمالك؟ ” (ص 7 من مجموعة ” تماما كما يحدث فى السينما ).

بلغة السينما تبدو هذه الجملة السردية الماستر سين للقصة القصيرة الأولى فى المجموعة أولا كما أنها تصلح للقيام بالدور نفسه فى إطار المجموعة القصصية بالكامل لقدرتها على تكثيف الأشياء والعناصر والشخصيات والقيم الفنية التى تشكل مادة المجموعة فى تفاصيلها المختلفة و التى يمكن للمتلقى تجميعها عبر النصوص، صانعا منها ما يشبه النموذج السردى للقراءة، فكل قارئ يعمد إلى استجماع عناصر من شأنها أن تؤسس لقراءته الخاصة التى تحسب فى النهاية لصالح النص أكثر من كونها تحسب لمتلقيها فكل قراءة داخلة فى قصد المؤلف وكاشفة عن توجهه بالأساس، وطارحة رؤيته للعالم الذى ربما لا يحتاج مساندا للكشف عنه، وفى مقابل القراءة الإيجابية الواحدة توجد عشرات القراءات السلبية بالمعنى البسيط للقراءة أو المعنى الأبسط للتلقى.

وعلى الرغم من تعدد الجمل السردية التى تطرح نظامها وتقدم دليلا على نظام السرد فى المجموعة تظل الجملة السردية السابقة من أكثر الجمل قدرة على التعبير عن النظام الفنى المعتمد، لا يتوقف دور الجملة السردية  السابقة على كونها استهلالا للمجموعة، وإنما هى تؤسس المعرفة بسمات النص وبعض خصائصه ومنها:

  • أن العبارة تعد استهلالا للمجموعة القصصية فى مجملها، ومن ثم فإنها مفتاح لقراءة القصة أولا والمجموعة ثانيا.
  • وأنها تكشف جانبا من عنوان القصة الأولى وتحيل المتلقى إلى عناصر يكون لتضامها الأهمية فى تشكيل دلالات النص، كما تعد نموذجا يصلح أن يكون مادة للمتلقى لإدراك العلاقات التكاملية بين العناصر المشكلة لبنية النص فالعنوان ” عابر من ستة ” يتكامل فى دلالته مع العدد الخماسى المطروح فى العبارة (هناك قبلك خمسة آخرون)، وإذا كان الرقم الأكبر قد ذكر سابقا من خلال تصدره العنوان فالرقم الأصغر جاء حاملا طاقة تفسيرية  للعنوان ( الرقم خمسة يتكرر بشكل واضح فى القصة الثانية من المجموعة ” خمس نساء تحطن به ” ص 20، ويتكرر بشكل غير مباشر فى القصة الثانية عشرة من المجموعة ” صالة المزادات ” حيث تتشكل مادة القصة من خمسة عناصر ” المقعد – البارافان – السجاد – الفازات – دولاب الفضيات ” مما يؤكد فكرة التكامل بين العناصر المتشابهة أو تلك التى تجمعها سياقات نصية داخلية، وهو ما يصب فى الحبكة السردية، وينضاف إلى الملامح المؤكدة على قدرات الكاتبة وموهبتها).
  • ضمير الخطاب: بوصفه علامة سردية تعتمد النصوص ضمير الخطاب وتضفيره بعدد من الضمائر الأخرى ذات الحركة وهو ما ينتج حيوية لها دورها فى تلقى النصوص، فالضمائر فى تنوعها  تمنح النص قدرته على طرح وجوه مختلفة للشخصيات، كما أن ضمير الخطاب يمنح النص مساحات من التأمل وحوار النفس ( المونولج الداخلى ) تلك المساحات التى تتيح للمتلقى قدرا من الإسهام فى رؤية العالم وفق منظور يتأسس على معرفة نابعة من النصوص التى تأخذه بين الحلم والواقع فقط عليه أن يدرك المسافة الفاصلة بين الحلم والواقع وأن الحلم يعبر عن نفسه فى السينما التى تمثل وجها آخر للعالم، ذلك الوجه الذى يمثل عالم المثل بالنسبة للواقع المتعين .
  • ثلاثية الشخصيات: تعتمد معظم قصص المجموعة على تشكيل ثلاثى( البطلة – الصديقة – الرجل ) يمثلون محيطا إنسانيا له طابعه الاجتماعى، يمارسون لعبة الحياة ولعبة تبادل الأدوار، الرجل هنا يتذكر عبر صوت يروى عنه تجربة تطرح نفسها عليه ينتقل فى الطريق لا ليتذكر وإنما لتجعل الساردة منه محركا لعالمين: عالم الداخل التاريخى، وعالم الخارج الواقعى، الأول مطروح على وعيه عبر الذاكرة والثانى مطروح على ذاكرته عبر الوعى فالواقع لا تبدو علاماته إلا متأخرا فى نهاية القصة ” كاد يصطدم بعمود وهو مستغرق فى التفكير بينما تمر سيارة عابرة لبركة من المياه الناتجة من انفجار إحدى مواسير الصرف ” (ص 13)، الانفجار أدى إلى خروج مافى باطن الأرض والحركة خلال النص تمثل نوعا من الانفجار أفضى إلى خروج مافى الباطن، والحركتان تلتقيان فى النهاية تلقيان أشعة ضوء على الواقع كما يطرحه النص،وعلى عالم البشر كما يتمثله الأشخاص، والثلاثية تشكل عالما ذا ثلاثة أضلاع يمكنك رؤيته بوصفه مثلثا تبرز رأسه المختلفة فى كل مرة.
  • محاولة الخروج من عباءة الجيل السابق أو التراث القريب ( أدب ما بعد الستينيات ) فالقراءة الأخرى ( الساخرة أو لنقل القراءة الناقدة لا تطرح الجملة السردية بوصفها نموذجا يحتذى بقدر ما هى تطرحها بوصفها منطقة تجاوز تسعى إلى النظر إليها بوصفها تاريخ يتطلب طرح بدائله عبر رؤية تتضمن وعيا جديدا لمرحلة سابقة ( مرحلة الستينيات )، وتكون للرؤية النقدية المطروحة أثرها فى تشكيل وعى القارئ لهذه الرؤية التى وإن كانت هنا تعتمد رؤية ذات طبيعة فنية، فإنها مؤشر لرؤى نقدية لها طبيعتها الاجتماعية المبثوثة فى تفاصيل عدد من قصص المجموعة.
  • السؤال: تتضمن الجملة السردية سؤالا مباشرا لا يكتفى بالإشارة إلى نوعية من الأسئلة المباشرة أو غير المباشرة يطرحها نص ما دون الآخر فإذا كان لكل نص أسئلته الخاصة فالنصوص تتضافر لإنتاج أسئلة خاصة يراها المتلقى شكلا من أشكال الأعمدة الأساسية فى تشكيل رؤيته للعالم وفق ما يسعى النص للتأكيد عليه، جاعلا من ذهن متلقيه مجالا للعمل، فالنصوص تثير أسئلتها سواء تلك التى تثار ليكتشف المتلقى النص أو تلك التى تثار لينفتح العالم، ويمكن تقسيم النصوص إلى نوعين أساسيين:

نوع يبدو وجوديا يثير أسئلته الوجودية كما نجد فى قصة ” جملة اعتراضية ” الذى لا يقدم علامات مكانية يمكنها أن تحيل إلى فضاء بعينه أو مكان يحيل إلى زمن ما، ونوع آخر يقترب من واقع ما له سماته المحددة أو سماته التقريبية كما نجد فى قصة ” مياه فى البحيرة “، حيث علامات كالنيل ومصر تقترب من رسم نطاق دلالى خاص يطرح وطنا يمكنك أن توظف طاقاته الرمزية ليصنع طرائقه الخاصة لاستيعاب العالم.

  • مستوى الصورة البلاغية وشعرية اللغة، فى النصوص الخالية من الحوار تقريبا يصبح للحوار الصامت دوره الفعال، والحوار هنا – وبهذه الصورة – يسهم فى إنتاج نوع من البلاغة السردية المتحققة فى اللغة أولا وفى تشكيل الصورة السردية ثانيا، ولك أن تقف عند حدود الصورة على اتساعها بداية من الصورة الجزئية ( أشبه بقصة – كأنها تحرز هدفا ) ومرورا بالتشبيه التمثيلى (تماما مثلما يحدث فى السينما ) وانتهاء بالتشكيل الاستعارى والصورة الكلية التى تتبلور عبر تضام هذه الصور جميعها، فقد وضعتنا الساردة إزاء مشهد سردى متعدد التفاصيل يجعلنا نتحرك من استبطان الذات الإنسانية إلى مكاشفة الواقع معتمدة لغة لها طابعها المجازى الذى يكشف عن نفسه  للوهلة الأولى، وهى مكاشفة لا تظهر على السطح بقدر ما تتأسس هناك فى عمق اللغة ذات المستويات الدلالية المتعددة التى تتطلب قراءة شعرية للنص سبرا لأعماقه واستكشافا لطاقاته المجازية.
  • كتابة الواقع والاستشهاد به بوصفه وثيقة على لحظة زمنية بعينها، حيث يبدو الواقع بوصفه وثيقة لا يكتفى الكاتب بالكتابة عنها وإنما يكتب بها ، وهى تقنية تجلت فى الثمانينيات من القرن الماضى ، تجلت أول ما تجلت فى الشخصيات ذات الحضور الواقعى، شخصيات لها حضورها التاريخى ليس لأنها شخصيات فى ذمة التاريخ وإنما لأنها شخصيات ما تزال حاضرة يعرفها المتلقى بدرجة ما ويلمس حضورها المزدوج بين الواقع والنص، والساردة حين تطرح شخصية “صبرى موسى” الروائى المعروف فإنها تختزل تجربة جيل الستينيات المشار إليه فى الجملة السردية، وكذلك تطرح نظاما للكتابة تعده الساردة نظاما تراثيا وإن كان يمثل تراثا قريبا، وهو ما يجعل من النص حاملا جينات التمرد على تجربة سابقة وعلى جيل سابق لها حق مشروعية الاختلاف عنه وتجاوزه على مستويي الموضوع و الفن، كما أنها شخصيات تعد شاهدة على لحظة زمنية بعينها وعلى الرغم من أنها تمثل إشارة وحيدة ولكنها داخلة بعمق فى إنتاج الدلالة، فالمرحلة  المطروحة أولا والقضايا التى تثيرها النصوص ثانيا، ثم محاولة الخروج الفنى عبر محاولة الاعتماد على آليات سردية جديدة، كلها تؤكد محاولة الخروج من أطر تراها الساردة قديمة بالدرجة التى تفرض اللحظة التاريخية خلافها، وما محاولة الاعتماد على تقنيات السينما وطرائق أدائها سوى نموذج لمحاولة الخروج، ونوع من النظام البديل الذى تطرحه الساردة من خلال نموذجها الخاص أو لنقل طرحها الخاص للتعبير عن رؤيتها للعالم .

الكاميرا تقوم بدور الراوى الذى يروى عن الأشخاص حيث تتحول كل الشخصيات إلى موضوعات للحكى وتعتمد الكاميرا على نوعين من التقنية:

  • سرد العالم.
  • وصف العالم.

فى الأولى تقوم الكاميرا بالحكى عن الأشخاص حين تتناول تحركاتهم وتمنحهم الفرصة أن يكونوا داخل الكادر، الكاميرا لا تطرح على وعينا إلا من هم داخل بؤرتها، الأشخاص يتحولون إلى مشبه به والمشبه هناك قد نجده فى الواقع نحن لا نقول أن الشخصية السينمائية تشبه فلانا وإنما نقول أن فلانا يشبه الشخصية السينمائية، تماما كما تطرح الساردة صورها البلاغية: “زى الأفلام  بالضبط ”  ص 26، “تماما كما يحدث فى السينما ” ترد بهذه الصيغة فى عنوان المجموعة ثم يتكرر ورودها أربع  مرات بصيغة يتغير فيها أداة التشبيه ” تماما مثلما يحدث فى السينما  ( ص 23، 25، 28).

وفى الثانية تمنحنا الفرصة لإدراك العالم وفق مساحات من الوصف ليس المقصود بها الوصف المقابل للسرد وإنما نعنى به أن لغة النصوص كلها تعمل على تقديم صفة للعالم المسرود.

جماليات الاستباق

يطرح الاستباق حدثا لم يحدث بعد، حدث مطروح على خيال المتلقى، يقترن غالبا باستخدام ضمير المتكلم هو جنين نصى  لم يتحقق بعد ولكن إمكانية حدوثه قائمة ،  خلافا للحدث الماضى  الذى حدث وربما لن يتكرر، الحدث الماضى يضع متلقيه يقف على أعتاب النهاية محاولا استشراف نهاية النص أو مضمونه بما يحمله من مضمون وعظى أو رسالة لها مضامينها الاجتماعية فى الغالب، والإيهام بالحدوث فى الماضى يمثل نوعا من الإلحاح على المتلقى بالتصديق أولا وبأن دلالة الحدث المسرود محددة فى إطار معين هو ذلك الإطار المشروط بالتصديق: علينا أن نصدق ما حدث بوصفه ماضيا فى ذمة التاريخ والعهدة على راويه، وأننا لن نفيد منه مالم نصدقه، لذا فإن كثيرا من القراء يغرمون بإقامة المطابقة بين النص والواقع، وتغريهم تماما فكرة ماحدث بالفعل.

خلافا لذلك فإن الحدث فى المستقبل يمثل فتحا – يكاد يكون مطلقا – لإمكانية حدوث ذلك، اعتمادا على مبدأ أساسى لدى البشر الذين يرون المستقبل ضامن لحدوث كل ما يطرحه الخيال، ومن هنا تكون القاعدة معكوسة: يراهن الكتاب على إمكانية الحدوث بإعادة طرح الماضى، على الرغم من أن الإمكانية الأوسع تتحقق فى المستقبل عبر استباق الحدث بالحديث عنه قبل حدوثه.

الاستباق يناسب كتابة السيناريو إذ هو واحد من تقنيات هذا النوع من الكتابة، والسيناريو مرحلة وسط بين إنتاج نص سردى أولا ثم تحويله إلى سيناريو ثانيا ثم إنتاجه دراميا ثالثا، فى الأولى والثانية يكون النص صالحا طوال الوقت لإعادة الكتابة، وفى الثالثة تنغلق الدلالة بإنتاجه، فالإنتاج هنا معناه طرح رؤية أحادية وإن تعددت تأويلاتها، ولسنا بصدد الربط بين النصوص والكاتبة لمجرد اشتغالها بكتابة السيناريو وإنما لأن النصوص بطبعها تطرح هذه الرؤية السينمائية عبر تقنيات السيناريو معتمدة الاستباق بوصفه التقنية الأهم فى كتابة السيناريو، والاستباق هنا – شأنه شأن كتابة السيناريو- يعتمد على الحدس والاستبصار فى المقام الأول فالسيناريست يتوقع تصرفات الأشخاص ويستبصر ما ستكون عليه الأحداث فى المستقبل، إنه لاعب شطرنج ماهر عليه توقعات متعددة وعليه الاختيار من سيناريوهات متعددة يجد نفسه مدفوعا لإقامتها والاختيار فيما بينها باستمرار فكل حدث ينتمى فى طبيعته للسيناريو يمكن أن يعد وفق عشرات الرؤى، وإن تحددت تفاصيله على نطاق ضيق، السيناريو رؤية لإدراك المستقبل بالأساس .

فى نصوص المجموعة تتجلى فكرة الاستباق عبر طريقتين:

  • أولاهما: الاستباق غير المباشر بالاعتماد على الأفعال المضارعة بوصفها دوال الحال والاستقبال:” تماما مثلما يحدث فى السينما بينما يتناقشان يظهر الحبيب القادم فى اتصال هاتفى ليجدد اللوعة والشوق ويغلق بكل المتاريس الطريق أمام الرحالة الجديد، يضرب الآخر كفا بكف، فهو يعلم جيدا بما أوتيه من علم السابقين أن الحبيب نادر الاتصال فى علاقته، فما بالك بعد الرحيل !” (ص 23)، وعلى الرغم من أن السارد يجمع بين الأفعال فى أزمنتها المختلفة وإحالة كل منها إلى زمن له دلالته المنفردة فإن النسبة الأكبر من الأفعال تحيل إلى زمن الحال والاستقبال لكونها تنتمى إلى زمن المضارعة بكل ما يطرحه من آنية الحدث التى قد تعبر عنها الساردة بشكل مباشر يؤكد تجددها:” هى الآن تضم ساقيها وهى تسير بخطى ضيقة لتقضى على بقايا النشوة المتسربة خارجها، تشعر أنها تشتاقه ” ( ص 90 ” كم رجل تدعوه حبيبى ؟ ) ( الصواب كم رجلا فتمييز كم الاستفهامية يكون منصوبا ) ).
  • ثانيتهما: الاستباق المباشر وتتدرج النصوص وفق هذا المبدأ طارحة أشكالا متعددة من الاستباق تتكشف منذ الجملة الاستهلالية فى النصوص المنتمية لهذه التقنية:
  • ” سوف أجلس قبالتك وأحكى عن رجال مرقوا من الحلم ولم يتركوا بعدهم أثرا يمكن أن نلاحقهم به، وأحكى خيالات وأنا أمسك قصاصات الورق وأظل أتحرك دون رغبة أكيدة فى تقبيلك ” ( ص 31 قصة ” بلا أوجه للمقارنة ” ).
  • “سوف أرفع سماعة الهاتف وأتصل بآخر أيا ما كان ” (ص 39 من قصة ” ابتسامة ودفء للموت ” ).
  • “اليوم أموت حين أحاول عبور الطريق الذى يبدأ بالنفق، وسيحاول المارة جمع رفاتى المتناثرة، ويقضون وقتا لا بأس به فى الوصول إلى ” ( ص 55 قصة ” جملة اعتراضية ” ).
  • ” 7 ش حسن صبرى بالزمالك.. عنوان صالة المزادات التى سيتردد عليها فى الفترة القادمة حيث قرر أن يغير من شكل تعامله مع الدنيا ” (ص 75 من قصة ” صالة المزادات ).

لم يكن الاستباق أو الإشارات الدالة على الاستمرار مقصودة لذاتها مالم تكن تطرح دلالتها أو كونها التقنية الأنسب لأداء الدلالة فى النصوص، فالقصص فى معظمها تنتمى إلى تلك النصوص المتداخلة مع المشاعر الإنسانية والقضايا ذات الطبيعة البشرية وهو ما يجعل صيغة الاستمرار أنسب التقنيات لإظهار هذه الطبيعة والتأكيد على استمرارها وحيث يكون المراقب الخبير قادرا على الكشف عن التركيب الداخلى للنفس ليجعل منها نموذجا بشريا مؤثرا.

كنائية الديكور

يمثل الديكور نظاما بصريا فى المقام الأول، ولكن دوره لا يتوقف عند هذا النظام البصرى إذ سرعان ما ينتقل إلى نظام دلالى يتجاوز مجرد كونه مجموعة من العناصر التى تشغل حيزا من الفراغ، ويمكن لعلامة واحدة فى سياق المجموعة أن تؤكد هذا النظام، نعنى مجموعة العناصر المدركة بصريا والتى تمثل مجموعة من الأشياء متعددة مستويات الدلالة حيث تبدأ من المستوى البصرى متدرجة إلى المستوى الاجتماعى والنفسى أيضا:” تماما مثلما يحدث فى السينما تبكى لوعة الحب واشتياقها له، وتظل تفكر فيه حتى تنام وفى يدها منديل تقطر من دموعها، الفارق فى هذا المشهد أن المنديل سيتحول إلى لفافة من المناديل الورقية، وعندما نراها نائمة، سوف تلتقط عيوننا سلة المهملات ممتلئة عن آخرها بقطع المناديل المبللة ” ( ص 25 من قصة تماما مثلما يحدث فى السينما ) هنا تربط أداة التشبيه ( مثلما ) بين مشهدين أحدهما واقعى وثانيهما سينمائى، منتجة تشبيها تمثيليا بينهما من أهم سماته ذلك التماثل بين المشهدين، وهو تماثل تتعدد أوجه العلاقة فيه، وتأتى العناصر المتمثلة فى المناديل علامة على لحظة نفسية فى المقام الأول، لحظة نراها فنصل إلى دلالتها عبر صورة كنائية الطابع ( راجع سلة المهملات الممتلئة بالمناديل الورقية لتدرك مساحة الطرح النفسى المؤسس على مناديل يدرك الناظر إليها للوهلة الأولى وضعية مستعملها فى سياق المشهد الإنسانى، وتأتى قصة ” صالة المزادات ” لتقيم دلالتها على عدد من العناصر الديكورية ( المقعد – البرافان- السجاد – الفازات – دولاب الفضيات) تلك الدلالة التى تتأسس على البعد النفسى للشخصية، فكل عنصر من هذه العناصر يطرح مساحات من العلاقة ذات الطبيعة النفسية بالأساس، مساحات تكشف عن الخوف، والشعور بالضيق، وغيرها من المشاعر الكاشفة عن عواطف إنسانية أجاد السارد توظيفها لتكشف ببساطة عن دورها الوظيفى فى أداء  مهمتها الدلالية والمعرفية أيضا، إذ تقوم بدور التنبيه للأشياء التى تناساها البشر عبر رحلتهم الطويلة فى الحياة، ثم هى تكشف جوانب  من طبيعة الشخصية وحرصها بصورة أو بأخرى على تحقيق تميزها عبر مجموعة العناصر ذات الطابع التاريخى، وهى عناصر تكشف فيما تكشفه  عن صراع خفى بين عنصرى السرد ( الزوج والزوجة ) فى قصة ” صالة المزادات ” بوصفها نموذجا لتلك القصص المتضمنة إشارات تتحرك بين الخفاء والعلن عن الصراع بين البشر، وتكفى إشارة من مثل: ” سيثير المقعد الجديد حنق زوجته ولا يبدد هذا الحنق أى شيء حتى لو علمت أنه مجرد هدية ” لنقف على مساحات من صراع الإنسان مع من يشكلون مجاله الحيوى ومحيطه الإنسانى، وهى إشارات تصلح فى تضامها لتشكيل صورة كبرى لعالم تعبر عنه النصوص مجتمعة.

——

عزة سلطان: قاصة مصرية، حاصلة على ليسانس المكتبات والمعلومات،  تعد  لدرجة الماجستير، تعمل بالإعداد وكتابة السيناريو، حاصلة على عدد من الجوائز، منها:

  • جائزة النقد الأدبى- إقليم شمال الصعيد الثقافى- 2003.
  • الجائزة الأولى فى النقد السينمائى- الهيئة العامة لقصور الثقافة- 2007.
  • جائزة عبد الحي اديب للسيناريو- 2009.

من أعمالها فى مجال السينما الوثائقية:

  • فيلم خلف المرآة- وثائقي (52) ق.
  • فيلم صوت القلم- سيد حجاب- وثائقي 25 ق- سلسلة بصمات- انتاج الجزيرة الوثائقية2010.
  • فيلم صعيد الغضب – وثائقي (50)- انتاج الجزيرة الوثائقية2010.
  • فيلم نحن هنا- وثائقي (25) ق- انتاج المركز القومي للسينما- 2010.
  • فيلم زمن الهواية – وثائقي (40) ق- اخراج شيرين طلعت- 2010.
  • فيلم شارع محمد علي– وثائقي (25)ق – سلسلة شوارع وحكايات- انتاج قناة الجزيرة- اخراج سلمي الطرزي- 2009.

صدر لها:

  • إمرأة تلد رجلاً يشبهك- مجموعة قصصية- إبداعات- الهيئة العامة لقصور الثقافة- 1998.
  • أحمد رجل عادى جداً- مجموعة قصصية- كتابات جديدة- الهيئة المصرية العامة للكتاب- 2002.
  • رجل عادى- مجموعة قصصية- مكتبة الأسرة- 2004.
  • تماما كما يحدث فى السينما- دار ملامح للنشر-

ولها عدد من الأعمال للطفل، منها:

  • المسرح- دار العربي للنشر والتوزيع- 2007.
  • نشأة الكون- دار العربي للنشر والتوزيع- 2007.
  • الفضاء والطيران- دار العربي للنشر والتوزيع- 2007.
  • الإذاعة- دار العربي للنشر والتوزيع- 2007.
  • بنات قريتنا (قصص)- دار الرشاد- 2007.

ولها عدد من الأبحاث والدراسات فى مجال المعلومات والمكتبات، وثقافة الطفل والنقد الأدبى.

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized
ترقينات نقدية
د. مصطفى الضبع

تناغم (22)