ظاهرة الصباغ والرقمية في حياتنا الثقافية

فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

محمد نبيل

لو قلنا عن أشرف الصباغ إنه كاتب مخضرم لن نكون مخطئين، فهو بالفعل تفاعل بكل قوته مع عصرين مختلفين، عصر كانت سائدة فيه مؤسسة الأدب الورقي، وعصر آخر أصبح للأدب الرقمي الذي بلورته شبكة الإنترنت الهيمنة الكبرى على كافة أشكال الإبداع تقريبا سواء الأدبي أو المرئي.

يحق لنا أن نقول إن منجز الصباغ الضخم قبل هيمنة الإنترنت قد ظهرت له سمات تميزه عن منجزه بعد تلك الهيمنة. لم يعد الصباغ يهتم كثيرًا بالترجمات كما في السابق، رغم احتفاء المركز القومي للترجمة هذه الأيام بكتابه الآسر الذي ترجمه من الروسية إلى العربية عن تاريخ الفن التشكيلي المصري، بدلا من ذلك كثف نشاطه على القصة والرواية والسرد الرقمي.

أصبح الصباغ بابليك فيجر على منصة “فيس بوك” بسبب كتابات فريدة من نوعها حول عدة مجالات، فهو ينشر تحليلات سياسية متعمقة لها ثمن كبير في عالم القنوات الفضائية والصحف. ومع ذلك يتيحها بالمجان وينشر كتابات ساخرة غاية في الفرادة في منصة من الممكن أن نرى فيها أشخاصًا ذوي حيثية يستخدمونها للرسميات فقط، كأن يكتبوا عبارة “جمعة مباركة” في يوم الجمعة فقط، بينما كتابات الصباغ الساخرة تشتبك مع السياسة والاقتصاد وواقعنا المعاش. لكن هناك جانبًا مهمًا أيضًا من كتابات الصباغ الإلكترونية وهي الكتابات الخاصة بالنوستالجيا، أتذكر منها سلسلة كتابات عن خضرة محمد خضر، وعن ليالي وموالد المنوفية، وعن عفاف راضي. كانت من أمتع ما قرأت، كل هذا ميز أسلوب الصباغ ووضعه في مصاف الأدباء الرقميين أيضًا، حيث سيتجلى أثر الرقمية في منجزه الورقي الأحدث، وبالتحديد روايات وقصص (كائنات الليل والنهار، وأبواب مادلين، وتوابيت الدهشة، وجرافيتي، وأول فيصل، ولارا، ومراكب الغياب).

وما ميز أسلوبه الساخر أنه في خضم تلك السخرية يطلق أسماء ومصطلحات في غاية الجدية على تصرفات عبثية فتتشكل منها نكتة، ولا يمكن لأي قارئ يتعرض لكتابات الصباغ العامة المنشورة في مجلة أو على موقع التواصل الاجتماعي دون أن يربط حالة الساركزم داخل العمل بتلك الكتابات، وأتذكر شابًا في إحدى موائد النقاش لأعماله رفع يده مرة وأخذ يتحدث عن أسلوبه في الكتابة. والحقيقة لم يتحدث الشاب عن الرواية التي كانت تناقش حينها إطلاقًا، بل كان يتحدث عن كتاباته في مواقع التواصل الاجتماعي.

إن ظاهرة الصباغ تدفعنا إلى أن نفكر ونناقش وننظر للرقمية في حياتنا الثقافية، للقطيعة المعرفية الجديدة التي هزت مؤسسة الطباعة والنشر.

عودة إلى الملف

مقالات من نفس القسم