البهاء حسين
تظن الكآبة أني شقيقها
تظن المرارة أن حلقي ملاذ جاهز
بيت بلا بوّاب
وزوجتي، جيهان
تظن أنني مريض نفسيًا، لأنني لم أكتب البيت باسمها
ولهذا خلعتني في عيد ميلادي
وأنتم
من منكم يظن أنني شيء آخر
نهر من لبن مثلاً
بدلاً من أن أكون وغداً يبيع أصحابه
على ذكر الأصحاب
لم يدم لي سوى اثنين
أحدهما بقدم واحدة
بذاكرة واحدة
والآخر يغار من الليل، لأن السيدات يخلعن ثيابهن أمامه
هم كانوا يحبونني
مع ذلك هجروني بسهولة أيضاً
كمن ينفض عن كتفيه التراب
آه يا رب
لم يعد لي جليس سواك
أنت وإيمان
إيمان التي تضع يدها على قلبها لتُحصى تنهداتي
وتنتظرني بلهفة في الماسينجر
كغيّة تنتظر الحمام
إيمان يدك الطيبة التى تربّت يا إلهى
على عيوبى
يدك التى كان كل شىء فى النهاية يدفعنى إليها
منذ الصغر وأنا أتعقب أفعالها التى ليس من السهل أن تُفهم
فكيف كان لى أن أفهم مثلاً
أن الموتى يسمعوننا ويتحدثون إلينا من خلال الفراشات
الفراشات هى الأرواح
هكذا كانت تقول لى أمى
وتحذرنى من قتل أية فراشة
خاصة بالليل
ربما تكون روح أبى
فكنت أكتفى بالتحديق فى أجنحتها الملونة التى ترعش
أو أنده عليها كما ينده الابن على أبيه
مع ذلك لم يعد أبى من الموت
كيف كان لى أن أفهم الشوارع التى تغلقها أمى بالدموع
من الجهتين
كيف كان لطفولتى
لقشة
أن تتحمل دموع أرملة تتجدد أحزانها من تلقاء نفسها
غير أنى، مع الوقت، لما فهمت
لما امتحنتنى
رحتُ أنصت إليك بقلبى الذى كان فارغًا قبلك
:
يا إلهى
اربط على قلبى
،،
كم مرة أعدّتْ لى الحياة الكمائن، لأبدو ماشياً إلى المستقبل
بينما أنا هنا
كم مرة شغلنى التراب عن الوصول
يا إلهى
ما أصعب أن تكون الأقدام عدوة للطريق
كم ضّيعت من خطوات وأنا أتلفت
ولما قصدتُك ناولتنى خطواتى
:
يا إلهى
ماذا يفعل من يريد أن يقبّل يدك
،،
لم يدم لى حب جيهان
كنت أظن أنه سيرافقنى، مثل كفن، إلى القبر
وقد يموت نيابة عنى
قد يفقد صوته كأى طائر يغيب وليفه
لكن حبها استقلّ عن قلبينا
بقى وحده بلا أم ولا أب
كأنه خطيئة
أو ذنب
:
لو أنك يا رب أرجعت لى حبها
لو أرجعت لى صوتى
،،
إلى أى مأوى تذهب أيها الحب عندما تمضى بعيداً
قل لى
كيف تبدأ محمومًا كشفتى عاشقين تلتقيان لأول مرة
ثم تذبل وتصفرّ
كالانتظار
:
يا جيهان
يا حبيبتى
اعصرى على قصتنا سحابة
تعالى نغيّر طريقتنا فى ادعاء اللامبالاة
سأنكز قلبك
الماضى
انظرى إلىّ، لتعرفى كيف كان حبنا ساخناً كرغيف خارج لتوه من الفرن
بينما أنا الآن غارق لشوشتى فى الحب
مع إيمان
أجسّ معها القضاء بإصبعينا
نجسّ القدر
،،
تتشابه القلوب يا أصحابى
الأحزان
لكن الحب لا شبيه له
تطلع الشمس كل يوم بالطريقة نفسها
من الفتحة نفسها
والحب يطلع من كل الجهات
يأخذنا الغروب، لكنه لا يقطّع الأحشاء
ولم يبك الرجال، كالأطفال، على غياب الشمس
لكننى منذ عشرين عامًا وأنا أبكى مقدماً يا إلهى
كأننى أدرب نفسى
على غياب جيهان.