طارق إمام.. special one

فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

محمد الشماع

“حاسس إني أعرفك من 100 سنة”. هي جملة كتبها طارق إمام، لي، كإهداء لروايته “ضريح أبي”. هذه الجملة صارت مفتاح علاقتي به.

التاريخ يقول إن اللقاء الأول كان على صدر إحدى صفحات “شيء من الأدب” في جريدة القاهرة، عندما كنت مشرفًا على موادها. وقتها جاء الزميل رحاب الدين الهواري واقترح حوارًا مع طارق إمام. كنت أسيرًا للأسماء الكبيرة التي كانت على قيد الحياة. كنت أسيرًا لكتابات إبراهيم أصلان وخيري شلبي وجمال الغيطاني. كنت أسيرًا لجيل الستينات، واعتبرت أن انقطاعا في الرواية قد حدث بعده، اعتبرت أن العُطب أصاب الحياة الأدبية، فلم تعد تفرغ أسماءً أخرى.

قال لي الهواري إن طارق إمام روائي شاب ومبدع و”روش”. شيء ما في كلام الزميل جعلني شغوفًا بقراءة حوار معه. يومان فقط كان الحوار على الإيميل. شاهدت صورة طارق للمرة الأولى. ربما كان ذلك منذ سبعة أو ثمانية أعوام. شاب في مثل سني تقريبًا. ملامحه حادة وجادة، أطلق شعر رأسه بالطريقة التي أحبها. قرأت إجاباته على الأسئلة، أتذكر منها قوله إن “الكتابة الجميلة كذب مقنع“.

أتذكر أن الهواري سأله عن الوقت الذي يعتبر نفسه فيه كاتبًا، فرد “عندما أموت، قد يقول الناس إنني كنت كاتبًا”. سأله عن أول ندواته، فقال “كان عمري 18 عامًا، وحاورت فيها خيري شلبي“.

سنوات مرت فكان اللقاء الحقيقي الأول. كان لقاءً عابرًا قصيرًا. لم أكن قرأت له شيئًا، لكنني اعتقدت أنني سأقرأ له وستنتابني الدهشة. قرأت له بعض كتاباته النقدية. لغته كانت مقعرة وحادة. جمله متوسطة الطول، لكنها تحتفظ بإيقاع خاص، يجعلك تكمل ما يكتبه للنهاية.

إن كانت لغته في الرواية كما هي في المقالات النقدية فلاشك سأجد صعوبة في ابتلاعها، وإذا كان إيقاعه وموسيقاه بين السطور بنفس الحيوية والحركية، فسأكون من قرائه حتمًا”. هذا ما قلته لنفسي أثناء إهدائه لي رواية “ضريح أبي“.

إذا كان حوار الهواري معه هو أول لقاء ورقي مع طارق إمام، فإن معرفتي به صارت أكثر متانة وضربًا في الجذور من خلال “ضريح أبي”. تلك الرواية العبقرية التي هزت الثابت في قناعاتي بشأن أجيال الروائيين الجدد.

تعددت اللقاءات، واقتربت أكثر منه. طارق أقرب للفنان منه للروائي. يعيش كما يسير. سعادتي لم تكن توصف عندما قرر طارق فجأة أن نشترك في ورشة لكتابة مسلسل تليفزيوني عن رواية لأديب كبير. الحماس كان يغلف الأجواء. تصورت أن الأمور ستسير بنفس وتيرة الشغف والإقبال. قسمنا الأدوار، وبدأنا في التحرك بالفعل، لكنه ابتعد فجأة، وكأن الحلم لم يكن، ربما في القريب يستأنف حلمه.

إذا كتب طارق إمام للسينما فإنه سيصير اكتشافًا مذهلاً. إذا نقل عوالمه التي في “الحياة الثانية لقسطنطين كفافيس” أو “الأرملة تكتب الخطابات سرًا” أو “ضريح أبي” إلى الشاشة، فإنك ستكون أمام عملٍ بديع. ستكون أمام دروب متداخلة غرائبية، تختلط فيها الأسطورة بالواقع، وتتحرك خلالها شخصيات متفردة.

طارق ساحر حقيقي، يستطيع جذب أنظار من حوله بشدة. يشجع الأهلي بحماس شديد، ويعشق السينما. يُسحر من هو أمامه. في جلسات الود يُطلق على نفسه special one، وهو اللقب الذي أطلقه على نفسه المدرب البرتغالي جوزيه مورينيو عندما حصل على كل البطولات الممكنة في سن صغير. طارق كذلك حصل على الكثير من الجوائز وكتب الكثير من الأعمال الإبداعية وهو في سن صغيرة.

طارق على الفيسبوك يمارس ألعابه الخاصة. أبرزها لعبة “القافية”. هو بارع فيها، بل شديد البراعة. يمارس كذلك السخرية في أطرف حالاتها. هو يشع بهجة على منصة التواصل، وكأنه أمامك يضحك على أمرٍ ما.

صداقتي لطارق تأخرت سنوات. لكنها صداقة تعيش زمنًا. جملة الإهداء هي نفس الجملة التي سأكتبها له على صدر أول صفحات كتابي القادم.

بالفعل طارق صديق تشعر أنك تعرفه منذ زمن طويل.

 

عودة إلى الملف

مقالات من نفس القسم