حاورته: آلاء عثمان
لا ترضيه الطرق الممهدة ولا السبل التقليدية فى الإبداع، يمضى للبحث فى تقنيات وأساليب جديدة، صادمة بالنسبة إلى الذائقة العامة، هكذا وصفه الناقد الكبير الدكتور صلاح فضل، إنه الروائى طارق إمام، الذى فاز منذ أيام بجائزة متحف الكلمة العالمية، بعد منافسة شرسة مع آلاف الكتاب من حول العالم.
تحدثنا معه حول آخر أعماله “ضريح أبى” وحول الوضع السياسى المصرى.
◄ بداية.. كيف تليقت نبأ فوزك بجائزة متحف الكلمة؟ وكيف تقدمت لها؟
قررت الاشتراك فى جائزة Museo de la Palabra، “متحف الكلمة” عندما رأيت إعلانها على الموقع الإلكترونى للجائزة، كنت أعرف مسبقاً أنها جائزة مهمة وتحظى باهتمام عالمى كبير، لكن هذا العام تصادف أننى كنت كتبت عدة قصص قصيرة جداً، وهو المجال الذى تتخصص فيه الجائزة، فهى تشترط فى القصة المقدمة ألا يزيد عدد كلماتها عن 100 كلمة، واخترت قصة “عين” لأتقدم بها، المسابقة تقدم لها 22 ألف و571 قصة من 119 دولة، وهذا منح الفوز بالنسبة لى مذاقاً خاصاً.
◄ فى روايتك الأخيرة “ضريح أبى” انغمست فى المحلية الشديدة ولجأت لتفكيك التراث الدينى فى مواجهة التشدد حتى انتصر فى النهاية الدين الشعبى.. فهل وصول الإخوان للحكم دفعك لهذه الفكرة وهل نعتبر الرواية تنبؤ لسقوط الجماعات المتشددة إسلامياً؟
بدأت فى كتابة الرواية منذ عامين، ولكن فترة حكم الإخوان المسلمين عجلت بخروج الرواية للنور، فمع الظرف الذى عاشته مصر، بدأت فكرة “ضريح أبى” تستفزنى، كى أكملها تماماً، وأنظر لها النظرة الأخيرة، ولا أنكر أنى فى المراجعة الأخيرة، أكدت على بعض المعانى، التى تخص علاقة الدين الشعبى، بالتيارات الأصولية الدينية، ففترة الإخوان استفزت هذا الجزء بداخلى، وجعلتنى أؤكد على بعض الأفكار، كفكرة وجود الملتحين الذين يمثلون بشكل ما التيار السلفى، أما الإغراق فى المحلية، فالرواية لم تكن إغراق فى المحلية بقدر ما هى إغراق فى السؤال الثقافى، فالسؤال الثقافى موجود طوال الوقت، متجسدًا فى الصراع بين تصور ما للدين المصرى البسيط، متمثلاً فى رؤيتنا للأولياء والأضرحة، ومابين تصور ثانى يرى فى الأضرحة بدعة، ويتيح هدمها.
◄ ومن هذا المنطلق كيف ترى الإشكالية المثارة من قبل حزب النور حول المادة 219 بالدستور الخاصة بالشريعة الإسلامية؟ وهل تعتقد أن تنتصر نهاية روايتك فى الواقع الذى نعيشه؟
أنا مع قيم المواطنة، ولابد أن يراعى الجميع، بلا فرق بين رجل وامرأة، مسلم ومسيحى، فعلينا أن نتعايش معا مسلم أو مسيحى، ويتم التركيز على كرامة الإنسان وليس ديانته، فدائما الصيغ التوفيقية، تبدو فى البداية كأنها ترضى جميع الأطراف، لكنها فى الحقيقة لا ترضى أحداً، لا السلفيين، ولا الليبراليين، وبعد ما حدث فى 30 يونيو، لابد من تدارك الأخطاء التى وقعنا فيها، وأن نصيغ دستوراً يعبر عن دولة مدنية، بعيداً عن الأيدلوجيات الضيقة، ولابد أن يتم التعامل مع حزب النور بمنطق إنه طيف سياسى من ضمن أطياف سياسية أخرى موجودة، وليس من حقه فرض رأيه على أحد.
◄ لمست فى الرواية لفتة تفكيكية للموروث الدينى المستقر فى شخصية مقرئة القرآن، حيث تعودنا دائما أن المقرئ فى المقابر عادة يكون رجلا..فماذا قصدت بذلك؟ وهل يعتبر نوع من التحدى لحكم الإسلام السياسى الذى حكم مصر الفترة الماضية؟
ليس بالضرورة أن تحمل كل شخصية معنى بعينه، فشخصية مقرئة القرآن لها ظلال كثيرة من المعانى، وهى بالنسبة لى النموذج الممسوخ، فى هذا المجتمع المغلق، الذى قرر أن الرجال لا يقرأون القرآن فى مقابر النساء، ولذلك فإن هذه المقرئة الأنثى تتلبس وظيفة ذكورية، فتتحول تدريجياً لتبدو كرجل، ومن خلالها أردت أن أبرز عدد من التشوهات التى تحدث للمرأة فى مجتمعنا من فكرة القمع والكبت ومنع اختلاط الرجل بالمرأة، وفى الحقيقة قد يكون نتيجة هذا المنع، أن المرأة تمارس الشذوذ مع المرأة، ولذلك فإن قيم المجتمعات المغلقة تنتج نماذج مشوهة، مثل هذه المقرئة.
◄ ما الذى كنت تقصده من فكرة الصراع بين المقدس والمدنس، بين ضريح الأب المبارك من جموع الناس ومقبرة الأم المحملة بالخطيئة والابن الباحث عن الأم؟
أقصد فكرة التمزق الذى نعانيه الآن، فالبطل هو ابن لرجل ولىّ مقدس، وأم متهمة بالزنا، وهذا يعتبر أحد أسئلة ثقافتنا العربية، فنحن أبناء القداسة والدنس فى ذات الوقت، عندنا قدر من العنصرية، تجعلنا نتفاخر أمام العالم بحضارتنا وأمجادنا، بأننا خير أمة أخرجت للناس، وفى نفس الوقت نحن أبناء واقع فقير ورجعى متخلف ومذرى، فالشخصية العربية معقدة، فى إنها تعيش فخر مبالغ فيه بالتراث القديم، وحاضر فقير ورجعى، وهذا جزء من الرواية، البطل ابن لرجل مقدس، وأم زانية، لكن فى النهاية هو ابن الاثنين بنفس القوة، ولكنه يبحث عن أمه أكثر، لأنه يريد أن يعرفها، كما أن هذه المرأة المتهمة بالزنا، هى أيضا فى سياق أخر فنانة، وتمارس الغنى وتصنع تماثيل، وتعبر عن الطاقة الإبداعية التى عندما تخرج عن أعراف المجتمع يتم اتهامها بالفجر وبالفحش، وهذا شئ موجود فى مجتمعاتنا العربية، وهذا بُعد رمزى، لكنى لم أحب أن أعبر عنه بشكل فج، بل أردت أن أعبر عنها بطريقتى الخاصة.
◄ الاحتفاء الكبير من النقاد والكتاب العرب بـ”ضريح أبى” هل ترى أن هذا يعد انتشارًا يؤكد بصمتك الروائية فى العالم العربى؟
بالبطع رأيت كتاب عرب كثيرون كتبوا عن الرواية، وأتصور أنه مع تراكم تجربتى، فمع كل عمل روائى جديد يتأكد وجودى، وأنا سعيد جداً بهذا الاحتفاء العربى، لأنه أعطانى قراءة مختلفة للرواية، وجعلنى أقرأ لبعض الكتاب الذين لم أكن أعرفهم، وسعيد أيضاً بتوسيع دائرة المهتمين بكتابتى.
◄ وفى ظل هذا الاحتفاء العربى على الصعيد الآخر ألا تطلع لانتشار عالمى؟
بالطبع.. وبالفعل تواصل معى أحد المترجمين السويدين، وأبدى إعجابه بالرواية، وقرر ترجمتها، وهو الآن يتخذ الخطوات الجدية لترجمتها.
◄ لك تجارب فى الرواية التاريخية مثل الحياة الثانية لقسطنطين، فهل سنرى رواية تاريخية أخرى لك؟ ومن الشخصية أو الحدث التاريخى الذى ترغب فى تناوله؟
بالفعل هناك رواية جديدة عن الشاعر الإيطالى “أونجريتى” الذى كان يعيش فى الإسكندرية، والرواية لها بعد تاريخى كبير، من خلال الفترة الزمنية حيث تدور الأحداث فى الفترة من، 1890إلى 1970.
◄ ألمح فى هذه الرواية عنصر ربط بينها وبين رواية قسطنطين كفافس، فالروايتان تدور أحداثهما فى الإسكندرية، والبطل فى الروايتين شاعر.. ما اللغز فى هذا؟
نعم هذا صحيح، فهذه الرواية مكملة لرواية لكفافس، بشكل أو بآخر، فهى أيضًا تطرح سؤال الحضارات، والامتزاج الحضارى وعلاقة الشرق بالغرب، والإسكندرية، وفى النهاية الروايتين إضافة لرواية “هدوء القتلة” فى الثلاثة البطل فيهم شاعر، وأعتقد أنهم قد يكونوا ثلاثية بطلهم شاعر.
◄ وهل ترى أن الأحداث السياسية فى مصر مادة دسمة تصلح لإحدى رواياتك القادمة؟
الحالة السياسية جزء أصيل فى العمل الروائى، فالأدب له دور فى قراءة الواقع، والتحول الاجتماعى واللحظة الفارقة، ولكنى لست مع تحويل اللحظة السياسية لرواية فى هذا التوقيت، لأن الرواية ليست فن انفعالى، فهى تحتاج النظر للأمور بشكل أعمق، حتى يكون الروائى قادر على عدم الانحياز، وطرح الأسئلة، ومع ذلك فتفاصيل الثلاث سنوات الماضية فى ذهنى، ولكنى منتظر حتى تختمر فى قماشة روائية، أكتبها على مهل، أشعر من خلالها إنى ساهمت ولو بجزء صغير فى قراءة الواقع.
◄ وهل تعتقد أن الأديب أحيانا يكون أصدق من المؤرخ فى التعبير عن الواقع السياسى؟
ليس هناك تاريخ بالمعنى الجامد، فالمؤرخ أحيانا يكون له انحيازه الخاص حسب موقعه من السلطة، وقد يتجزأ جزء من الحقيقة، ولذلك فالتاريخ يتعدد بتعدد وجهات النظر فيه، أما الروائى وإن كان ليس أفضل من المؤرخ، إنما هو مهمته التشكيك فيما حدث، وليس التأكيد عليه، حتى الأشياء اليقينة يسأل فيها، ويبحث وراءها، ولذلك فمهمة الروائى عكس مهمة المؤرخ.
◄ وبصفتك روائى.. كيف ترصد الفترة السياسية الحالية التى تمر بها مصر؟
نحن فى لحظة مرتبكة جدا، وفترة حكم الإخوان كانت مظلمة ومعتمة، لو كانت امتدت أكثر من ذلك لحدثت كوارث، ولكنى الآن عندى تخوفات، من زحف الدولة البوليسية أو العسكرية، فثلما كنت ضد حكم الإخوان والتيار الذى يتحدث باسم الإسلام وهو فى الحقيقة ضد الإبداع، والتفكير، فأنا أيضاً ضد عودة الدولة البوليسية، ولذلك يجب أن يحدث تكاتف حقيقى للقوى المدنية، بعيدا عن الشعارات، لتكوين إرادة شعبية لانتخاب رئيس مصر مدنى، وتصحيح الأخطاء التى وقعنا فيها، وهذه فرصة ذهبية لتصحيح المسار، وإلا سيكون من المستحيل التصحيح بعذ ذلك.