نورهان أبو عوف
في درجِ المكتب،
تنامُ صورٌ بحوافٍّ متآكلة،
كأنّ الذاكرةَ
كانت تمضغها على مهلٍ
ثم تبصقها دون اكتراث.
أُحدّقُ في الوجوه،
فأجد ملامحَ ناقصة،
كأنّ أحدهم قام،
وانسحب من الورق
قبل أن يُلتقط الضوء.
في صورة العيد ـ مثلًا ـ
كانت هناك يدٌ سمراء
تُمسكُ بكتف أمي،
لكن الجسدَ الذي يخصُّها
غائبٌ
كمن أدار ظهره فجأةً للزمن.
وفي صورة زفاف خالتي،
طفلٌ ينظر للعدسة
بعينين مندهشتين،
لا أحد يتذكّر اسمه الآن،
ولا لماذا اختفى من الروايات
كأنه لم يكن إلا عابرًا
في بيتٍ ينسى أطفالهُ سريعًا.
هناك رجلٌ
مسحتْه يدُ الزمن من كل الصور،
لا يظهر في أيّ إطار،
لكن ظلّه باقٍ
على طرف الفوطة المطرّزة،
وفي انحناءة أمي حين تُوزّع الشاي.
أحيانًا أظنّ أن النسيان
ليس فعلًا،
بل قرارٌ جماعيّ
يؤخذُ في ليالٍ مُتعبة،
فنُقصي مَن لم نعد نحتمل سيرته،
ونعلّق صورةً جديدة
بدون وجهه.
من ضاعوا من الصور
لم يختفوا تمامًا،
بل صاروا ظلالًا
تتمشى على الجدران
حين يُطفأ الضوء،
وتسألنا ـ دون صوت ـ
إن كنّا لا نزال نتذكّر
أين كانوا يقفون بالضبط.