“شوك وحيد” لكائنات الهلام البشري.. متعة للهو فطري

 إسماعيل ابراهيم العبد*

في بدء التقصي الخاص لرواية “شوك وحيد” ([1]) بودي الاشارة الى ان كاتبة الرواية ابتهال الشايب ـ من مصر ـ، تطرح في كل أثر مشكلة فنية وفلسفية، وهي في روايتها هذه تجعل من الشوك عالماً لا شيء فيه يوحي بمشكلة مادية، ولا توجد عوالم لها ملامح ثابتة، انما تكمن بوحدانية في العذاب الأزلي لمن لن يهتد الى فهم السؤال الأزلي؛ ماذا قبل الوجود البشري، ماذا بعد الوجود البشري؟ ولأجل تخمين الفعل الملائم لفكرة الإجابة تخلق كائنات؛ هي من كونت نفسَها؛ مساحتها فضاءات في حالة تصيّر متغير دائماً. تطرح اشكالية المستحيل اعتماداً على ثقافتين؛ الفلسفة، والدين. وفي الحالتين ثمة مستحيل من (دُجْنَة) تظلل بها فيء اللغة. وقد اختارت الجملة النحوية الاسمية وشبه الجملة لتُصَيّر الأفعال السردية حكايات لا حدث حقيقي فيها. والذي يمكنني التنويه إليه أيضاً هو ان عوالمها في هذه الرواية تقارب ـ بالمعكوس ـ عوالم روايتها السابقة (يزن.. حجر القمر). بينهما فارقان؛ تقني، وثقافي؛ التقني في رواية “شوك وحيد” يتعلق باختزال الشخوص بطريقة تجريد ذواتهم. والثقافي يتعلق بتفتيت المطلق؛ بينما في رواية (يزن.. حجر القمر) يكون التقني مرسوماً ليستوعب شخوصاً لذوات كثيرين حقيقين، فقدوا أهلية العيش على سطح الأرض، اما الثقافي فيستند الى حتمية محتملة هي “الحياة ما بعد الموت ـ بالفهم التراثي ـ ليوم الآخرة”. ويمكنني ان أشير ـ أيضاً ـ الى ان التضافر (التقني ـ الثقافي) هو المظهر الحضاري الأعمق للجوانب التطبيقية في الأدب وللممارسة النقدية ـ حسب ما نرى، وهو نفسه قد هيمن على غايات رواية “شوك وحيد”. سوف نحصل على تقنيات ثقافية ـ فنية عند متابعتنا للرواية على نحو المحاور الآتية: 

أولاً: تفريغ الروي   

يتفرغ النص المروي أحياناً عن الأصل للثيمة الرئيسة، الى جزئيات لاحقة تحقق كل جزئية استقلالاً موضعياً، ومن ثم ارتباطاً نسقياً، بتماسك فني مناسب. وفي هذا نجد ان المبدأ في التجزئة والتفريغ متشابه بوسائله السردية، وفي رواية شوك وحيد ثمة لقطة تحيل الى جزئيات متناوبة متضامنة عبر تفريغ ذاتي يُخرج القول في الحدث من نمطية الحكي الى منحى التشكيل المتحول من أصل الى فرع، ثم التحول الى فرع آخر وهكذا.. في الرواية يتفرغ الى حكائَيْن بتفرعين اثنين؛ هما، القدر العظيم ثم الوحيد. وهما يعملان على وفق ثيمتين:         

أ ـ  ثيمة القيم الأصلية

تتحقق الثيمة القيمية الحييّة (الأصلية) بحسب الرفض الاخلاقي او القبول الاخلاقي للسلوك الانساني وفروعه، التي تتناص معهما في الحياة العملية. سأورد مقطعاً يكاد يكون كل جزء منه مستقلاً، الا انه متصل فعلياً وقيمياً مع قيمة الأصل الكبرى، يتم تنفيذه بطريقة التفريغ. لنقرأ:

[القدر العظيم

انا مجرد فكرة في مربع معلق في الهواء بعيداً في أرجاء الحياة، ولدتُ من نفس أحد الوحيدين الموجودين داخل المربع… ورثتُ من ذلك الوحيد أُسلوبه في الحديث وجميع الكلمات. ستعرفون الوحيد الآن…

الوحيد

ليس بوسع كل منّا التصلب الى ثبات طويل وقوي يجتاح، لا يملكه أغلب ساكني المربع الذي أعيش فيه، ذلك أفضل، لأنه يسهل نزع الاجسام اللولبية المعلقة في صدورهم، فيلتصقون بمصادر الضوء الساكنة أعلى المربع، مخلفين في الهواء قطع غبار لطيفة استنشقها فأهدأ]([2]).

في متابعة المشد (المقطع) سنلاحظ /

1ـ ان القيمتين الأصليتين هما؛ (الفكرة = الحياة( + )التصلب = القوة).

2ـ قيمة فكرة التجريد (الكبرى) لها شقان، هما(المربع والحياة)، وسيلتها القدرية (الاخلاق والحديث).، وقناة تفريغها الكلمات ـ بحسب تصريح او تفريغ أفكار القدر العظيم ـ أخلاقياً وحياتياً.

3ـ قيمة فكرة التصلب (الصغرى)؛ لها فرعان هما؛ (التصلب والثبات)، وسيلتها القدرية؛ حتمية نزع الأجسام اللولبية، بينما قناة التفريغ لهذه القيمة تنفتح من جهة تفريغ الصلابة الى جهة التفتت الكامل للانتقال من المادة الى الطاقة. أي الضوء. بحسب تفوه (الوحيد)، عملاً وتنفيذاً.

4ـ ان القيمة المرصودة بين (القدر العظيم) و(الوحيد) جعلت رتبة الوجود مموهة، كأنها تسيل بلا هوادة نحو لا قيمة ولا مطلق مادي موجود أصلاً.

5ـ المحيط، او الاطار (المربع) سيحمي المحتويات كلها بعلاقة خيطية، كأنه هلام يتشكل عقلياً قبل ان يتشكل مادياً؛ لكنه يدرك قيم الماضي غير المدرك كلها ويخمّن قيماً (ما) بعد الوجود؛ قياساً على تبدل قوتي الضوء والكلمات.

6ـ مع بدء الاختيار من قبل (القدر العظيم والوحيد) تبدأ اشكالية المعرفة بلفظ وتنتهي بحكمة.

ب ـ ثيمة لواحق القيم  

ان اللواحق هي انتقالات حدثية وتعبيرية تتغير بالتفريغ من التبعية الى الاستقلال المتضامن مع الأصل، كما في المقطع الآتي:       

[القدر العظيم

البديل لا أقارب لديه، فعندما يتكاثرون ينزعج الموت ويأخذهم معه.

الوحيد

ألملم طاقتي كي أزحف الى أبي في غرفته، نيتي تريد معرفة ما سيفعله، يراني قادماً ولا يبالي، يكمل حديثه مع البديل فجأة… النشوة تأتيني الآن لتمحو كل شيء يضايقني، فأنا بحق بحاجة الى الغبار] ـ الرواية، ص12

ان قراءة المشد (المقطع) توحي بان ثمة لاحقيْن؛ الأول البديل العام؛ يتبناه القدر العظيم كـ (فكرة)، والثاني يتبناه الوحيد كأنه (العمل). ثم ينتج عن تناوب السرد بين القدر العظيم والوحيد ظرفان، الاول؛ هناك من يختزن الغبار(ذرار الغذاء الأولي في النويات الحية للجنين والبويضة)، بينما البديل الثاني، فهو البديل الفعل العام الذي يفكر بمستويين؛ رعاية القدر العظيم، والاستحواذ على الوحدة (الفردية) في اللا (أقارب)، كما ان البديل الثاني (العام الباطني) فيتبناه الوحيد، وله خمس وظائف؛ هي:

1 ـ ان يسحب الغبار من مخازنه ويسلمه لمن يستحقه. أي المخلوق الحي او الجنين (الوحيد). 

2ـ عليه ان يزوغ من وظيفتيه السابقتين؛ رعاية القدر العظيم، والاستحواذ على اللا (قرابة). 

 3ـ ان يغير مكانه لأجل الاقتراب من الوحيد، فيسهل أمر خروج الوحيد من هيمنة والده.

4ـ يحقق رغبتي الوحيد بالغذاء والنشوة الجنسية.

5ـ ان يخلق ظرفاً جديداً لـ (القدر العظيم + الوحيد)، لأجل ان يستمر الصراع بين الموجود واللاموجود.

* من جنبة مكملة يمكن ان نتعرف على قنوات التفريغ الروائية الأساسية عبر التشكل المتصور الآتي:    

1ـ يتم خزن وتشتيت الغبار(الغذاء) عبر عديد من القنوات؛ فمثلا للبديل قناتان وللقدر العظيم قناة مزدوجة، وللوحيد قناة خماسية التصريف (التفريغ) تمثلها النقاط الخمس السابقة.

2ـ تنتمي القنوات كلها الى مهيمن واحد يجمع بعضها الى بعض بفاعل واحد هو الأصل الذي يمثله الخازن الذي يمتلك االغبار.

3ـ يتصل الغبار بالقنوات اللاحقة الكثيرة كونه متناً وآلة وقيمة تجمع الفكرة الى العمل.

ثانياً: النظير الامثولي

الوجود ليس مزحة ولا تسلية، بل ليس بإمكان الموجودات ان تلعب بالمصائر؛ الحق انه قد آن للوحيد ليكون مخلوقاً يرضى بلا احتجاج على اي تشكل لا يرغب بماهيته. بمعنى للوحيد الحق في الأمر بأي فعل سلوكي للموجودات الحية، التي عليها ان تحصل على أُمثولات لفظية؛ قد تختلق لأقدارها أقداراً عظيمة قادمة تستقل ثم تنتمي. وأن من علامات صنع النظير الانساني المثالي المقابل لـ (مجرد الكتابي) هو (ما) تصطنعه الكاتبة من نموذج يؤلف نظيراً مزدوجاً يمثل ثيماً على مستويين من الإذابة، هما /

أ ـ جمال الايكلوجيا

هي أُمثولات جمالية تعبيرية تتجه نحو مبدأ سديمية ايكولوجيا الخلق ما قبل الوجود. لننظر في الآتي:

[القدر العظيم

الخطوة القادمة من البديل تحرص أُذني على سماع قصتها من أفكاره، بالقرب منّا مساعده، بصوت عالٍ أفكار البديل تغني ” المالك للجِرار الوفيرة، قائداً للكيان الجديد… اسمع صوته الداخلي مجددا ” الآن دور القائد في أوج شبابه يجب ان يكون، دون إرادة مني أشعر انني سأنزلق أمام الملك، أو الجنود، أو لساني سيفصح عما أدبره، بعض الأوقات يعاندني لساني، يهددني، يسألني:                      “إذا بوحث بما تفعله ما رأيك”   

عين البديل اللئيمة… تتقصى جميع الجوانب لعلها تجد مفتاح المخزن الأكبر لكن لا نظرة تسعفه.

الوحيد

بعد ابتلاعي الهواء الأصفر مع الشبيه، سبل الحصول على الغبار ضاقت للغاية حتى اغلقت، لم نجد أحدا مناسبا لأتزوجه. سأتزوج الكائن ـ الذي تزوجته أول مرة. ذلك التزاوج الذي يستطيع نقض احتياجي الملح الى الغبار] ـ الرواية، ص100، ص101

في هذا المتن؛ مزدوج الروي، يُبان لنا ان الهلام الأولي، ثلاثي الشخوص، خماسي العناصر، رباعي الحدود، وقد تم تشكله كمجتمع شبيه بمجتمع المستعمرات الحشرية، لكنه متناه الصغر. لنشخص وضع هذا المجتمع الغرائبي:

1ـ عناصره الخمسة هي الكائنات الحية التي يمثله (الوحيد، ابو الوحيد، البديل، الغبار، الكائنات المساندة).                        

2ـ الشخوص الأساس هم؛ الوحيد، البديل، ابو الوحيد).

3ـ الحدود الأربعة هي أضلاع المربع المحيطية.

4ـ ان الشكل المتشكل ـ بعد 100 صفحة من التدوين فالكلمي/ الجملي ـ في الرواية يؤلف نظاماً سلطوياً رمزياً مثلما البداية الفطرية للبشرية؛ ان يكون الملك بلا مُلُك، والآخرون بلا قوة، وهكذا سيكون القانون صوراً ذاتية للحاجة.     

5ـ الحاجة منذ ان تشكلت من الغبار صار الغبار سلطة وحيدة حاسمة للسعي على مستوى السلطة والقانون.

6ـ النظام ـ برغم نشأته الفطرية ـ فقد قَيَّد سُبل السلوك بخطوات؛ الاولى ينخلق الملك بإرادة القدر الكبير ومعه مساعده، والقدر الكبير يخلق المساعد على هيئة قائد يملك جِرار الغبار.

7ـ ومن أجل استكمال الهيكل النظامي للوجود فلابد من شغيلة، فكان الجنود.

8ـ تنخلق ايكلوجيا (طبيعة) خليطة من الأحياء وغير الأحياء، لتكون هذه الطبيعة قاعدة مكانية لها وظيفة؛ ان تكون مساحة لحركة الوحيد، حدّ ان تصنع له كائناً يصلح لزواجه، وبديلاً يصلح للتعويض عن الغبار. وقد وجدا متوحدين على هيئة زوجة، هي نفسها الزوجة السابقة لمالك النظام الجديد. أي نظام سلطة الموجودات. كما ان الايكلوجيا الجديدة صارت كتلة حاملة للوجود الذي يقوده الوحيد، هذه الكتلة هي الهواء.    

ب ـ اللغوية والقدرية

لو تمعنّا بالمقطع (المشد السابق) سنجد ان جميع الملفوظات فيه هي أُمثولات مدمجة الاشارات، تذيب التعبير اللغوي بالمحاذي الملموس له من الوقائع بقدرية تخص القول، ثم الحدث، ثم الايكولوجيا اللانمطية. وهي تحقق شروط الوقائع والأحداث برموز وتهجيسات لا تحيد عن كونها بيئة متخيلة. اي بيئة لفظية. والجنبة الأخرى انها قدريّة الوجود. سنؤشر حالة واحدة نمثل بها توضيحاً لقولنا هذا. أي قدرية الاذابة بين اللفظ واشارته البعيدة. انها إذابة الغبار بالهواء؛ إذ:

1ـ ان الهواء هو من يذيب الغبار. أي يذيب عناصر التنفس من اوكسجين وهايدروجين ونتروجين وكاربون وبخار ماء وعناصر أُخرى خاملة.               

2ـ ان الألفاظ جاءت بكونها تواصلاً لغوياً بين القول الجمالي والقول القدري للوجود.

3ـ هناك توزع وتشتت ولَمٌّ يتمثلوا بعبارتين عميقتي الدلالة؛ هما /

ـ أفكار البديل تغني لـ “مالك للجِرار الوفيرة”، قائداً للكيان الجديد.

ـ ذلك التزاوج الذي يستطيع نقض احتياجي الملح الى الغبار.         

* هاتان العبارتان هما مفتاحان للنظام الحضاري الخالد، الذي نسيتهما جميع المخلوقات التي تتحمل مسؤولية الفكر والجمال، فضلاً عن انهما يمجدان المتعة المادية، كونها هي الباعث للوجود والمحفز للتزاوج الممتع الحر؛ حتى ان كان هذا الكيان صعب الاقناع بجدواه؛ دون ان يدخل المدرك الذوقي (للوحيد مثلاً)، أو مثلما ينجرف الفكر بعيداً في التجريد (كما هو حال القدر العظيم؛ في المقاطع السابقة).

ثالثاً: تتابعية الايقاع الدلالي

انني أضع هذا الفرض على أعقاب الطبيعة الاستعمالية التي شاعت في الرواية، التي تناوب فيها استعمال الجملة الاسمية وشبه الجملة كإسقاط تتابعي للإيقاع الدال على غنائية حكائية من نوع   خاص.. لنقرأ الآتي: 

[القدر العظيم  

في مدخل مضيء أمامي جهة الضلع الشرقي للمربع احدق، لم أرَ ذلك المدخل من قبل، اتجاهه شيء ما يسحبني، النور يريدني ان اعبره، لا أعرف من أين أتى! أجزائي المتبقية في المربع تسمع نداءه فتقترب.

الوحيد

لقد صرفتْ البوابات نسيجي، يبدو انها زجت به الى الخارج، أو ربما أحدهم سرقه، ووضعه في مكان المربع، البوابات لم تعترضني، في المتاهة أولاً سأبدأ البحث] ـ الرواية، ص176

أ ـ التتابع الدلالي الجمالي

لنحدد أولاً نوعية التتابع الذي شكله النص السابق، إذ أخذ نمطين من التركيب الدلالي؛ هما: التتابع في الجمل الاسمية والتتابع لشبه الجملة. ونختصر طبيعة هذين النمطين بكونها تتابع دلالي جمالي، يشبه التجريد في لوحات اشتغال فن الرسم التشكيلي. وردتْ الجمل الاسمية بإيقاعية دلالية متتابعة لأكثر من أربع جمل. بينما وردت شبه الجملة بعدد أكبر بلغ اكثر من خمس جمل. بينما احتلت الجمل الفعلية اقل من أربع جمل، مما يدل على ان ثمة قصد في الركون الى الجمل الاسمية وشبه الجملة لسببين ـ كما نخمن ـ؛ هما خلق جو ايقاعي ينغّم السرد ويبعده عن الغنائية الازاحية للشعر، والسبب الثاني ايجاد شعرية لغوية تزيح التنغيم الفكري من ماديته الى معنويته وبذلك تتناغم المتشكلات الجملية (اللغة) مع الايقاع الكوني الذي يحتفي بالمطلق؛ كأن الكون نواة من كتلة واحدة تتخلق حديثاً على وفق موسيقى لفكرة ما قبل التشكل المادي المباشر.      

ب ـ التتابع الدلالي الفكري

نرى ان التتابع الدلالي الفكري هو الأخطر في منظومة الرواية ككل. ولنا فيه تصور خاص، نعتقد ان هذا التفكير وصل بسلاسل التتابع الى منتهاها إلّا قليلاً.

في المشد السابق هذا تنتظم الدلالات على النحو الآتي:

1ـ في فكرة القدر العظيم تنفل وتنهار كقيمة لفكرة ذهنية ، لصالح قيمة المادة، خاصة القول (في مدخل مضيء أمامي جهة الضلع الشرقي للمربع احدق، لم أرَ ذلك المدخل من قبل). 

 2ـ تتبع تلك الفكرة فكرة اخرى اكثر اقترابا من تحلل فكرة القدر بالاندساس بفكرة الوجود الهلامي خاصة عبارة؛(النور يريدني ان اعبره، لا اعرف من اين أتى).

3ـ تكرار اللا معرفة يوقع على نغمة الانحلال بالاستسلام خاص عبارة؛ (أجزائي المتبقية في المربع تسمع نداءه فتقترب).       

* بتوضيح مبسط آخر؛ ان عدم المعرفة كونها نغمة فكرية لمحتوى الانهيار واستسلامها للنداء، تعطي سلطة جديدة للوحيد، لأن يتابع نغمته في كونه الباحث الدائم عن عالم آخر؛ فيه بدائل تعلو على هلام (النواة = الذرة)، وهي أقل وأصغر شأناً من الوجود الطبيعي متكامل كهيئة بشرية حقيقية. وقد تدرج التنغيم الفكري دلالياً على النحو الآتي:

1ـ نغمات التوطين للذات تأخذ بدلالاتها نحو توطين النسيج الذي سيشكل ـ افتراضاً ـ النموذج البشري، خاصة في عبارة؛ (لقد صرفتْ البوابات نسيجي، يبدو انها زجت به الى الخارج).

  2ـ تتبع ذلك نغمة جديدة تقترب كثيراً من الوجود الحقيقي إلّا قليلاً، خاصة عبارة؛ (أو ربما أحدهم سرقه، ووضعه في مكان المربع).

3ـ تصيّرت السرقة قدراً لحتمية سلبت القوة من القدر العظيم لتعطيها للوحيد، الذي بدورة أتمَّ أيقاع الوجود الكامل إلّا قليلاً، خاصة عبارة (البوابات لم تعترضني، في المتاهة أولاً سأبدأ البحث).

* برأينا؛ ان الـ (إلّا قليلاً) تعني؛ الايقاع النهائي الذي يقفل التنغيم باستحالات ثلاث هي: 

1ـ مستحيل ان يحصل التشكل الكامل بغير تدخل العقل الخلّاق المُخَلِّق المبتكر للكون.

2ـ الاستحالة الثانية هي ان الكائن الحي ـ مهما كانت درجة وجوده ـ وحتى ان كان في عالم  (الذر، “الذرة” = نواة الكون)، فمن المستحيل ان يتوقف عن البحث عن مخرج (ما) نحو عالم ما بعد الخليقة.        

3 ـ استحالة ألّا تكون نغمة ايقاع الـ (ألّا قليلاً) كونية تتبع إرادة المُقَدِّر العلوي، الذي يصيّر الكائنات بصورتها المركبة المعقدة لمرحلة ما قبل الخلق الكامل، وكائنات ما بعد الفناء الكامل.

ملاحظتان 

الملاحظة الأولى: أنني أُسجل اعتراضي على المبالغة في اعطاء دور الصدارة للجمل الاسمية وأشباه الجمل، إذ ان الغرض هو جعل الملموس أكثر قرباً وأكثر جذباً وشدّاً لقصدية استعمال النوعين المتصدرين؛ هذا الغرض لا يتحقق بالتكرار ولا بالمبالغة في استعمال الجملة الاسمية وشبه الجملة، انما ثمة ضرورات أساسية لذلك، لعل أهمها ان السرد و(ليس الحكي) من يحتاج الجملة الأسمية وأشباه الجمل كثيراً، في الوصف خاصة، بينما الروايات كلها تحتفظ بقدر كبير من الحكائية، وحركة الفعل المشهدي (الدرامي)، اللتان تحتاجان الجمل التنغيمية، كونها توقع الأثر بالسامع والقارئ، ولا يحقق هذا الغرض غير الجمل الفعلية. ثمة ضرورة أُخرى هي ان رواية (شوك وحيد) رواية رمز وتخيل عوالم، فيها الكثير من التهويم الرومانسي غير العاطفي، وهو يتطلب ان تكون الكثرة لاستعمال الجملة الفعلية بأكثر مما تحققَّ فعلاّ في الرواية.

الملاحظة الثانية: ان هذه الرواية بما فيها من تصورات وهيئات متخيلة، ومن أحداث وبيئات؛ تجعل القارئ في حيرة تأويلية وأسئلة شك معرفية، فهي ترسي قيمة فعل روائي جديد على عالم الرواية العربية. وفي هذا العالم الروائي ما يشد القارئ بغرابته وطرافته، فضلاً عما حُمِّلت من فكر. بمعنى ان مثل هذا الفعل الروائي يجعل القارئ متناسياً ومتساهلاً لأي هنة لغوية او املائية او اسلوبية، كونه سيسهو وينتفع ويحاول تحريك ذكاءه، ليحصل على المتعة الفكرية والذوقية، اضافة الى متعة اللهو الفطرية.

……………………….
[1]  ابتهال الشايب (مصر)، رواية شوك وحيد، دار النسيم، القاهرة 2025
[2]  ابتهال الشايب (مصر)، رواية شوك وحيد، دار النسيم، مصر،2024 ص4

*ناقد عراقي

 

مقالات ذات صلة

أقسام الموقع