” شوكولاته سودا ” … متعة النظر إلى الذات في مرآة السرد

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

بعد حصول مجموعتها القصصية الأولي "البيت الأولاني" الصادرة  عن دار العين  على جائزة ساويرس الثقافية العام الماضي كأفضل مجموعة فرع كبار الكتاب ، تواصل الكاتبة أمل رضوان بناء وتشكيل عالمها السردي  في  مجموعتها القصصية الجديدة " شوكولاته سودا " والتي صدرت عن دار العين أيضا مؤخرا، وفيها تؤكد أمل  ثانية على همها الخاص ككاتبة وعلى ملامح مشروعها وسمات أسلوبها التي اتضحت في المجموعة الأولي وتأكدت في الثانية، حيث تواصل الاعتماد في كتابتها على ما تعرف وتعيش لا على ما تتخيل وتؤلف ، إذ تنسج أغلب قصصها من مفردات الواقع الحي الذي تعيشه وتلمسه بحواسها ويندرج ضمن خبراتها، فمثلا قصص مثل " النداء " تصور فيها حياة مراكبي يعيش هو وأسرته في مركب في النيل؛ فيه يأكل ويشرب ويضاجع زوجته ، وكذلك " شوكولاته  سودا " التي تنطوي على الخيانة الزوجية وهي فكرة ربما تبدو عادية ومكررة، أو الحب بالياباني " مثلا وتصور فيها عجوزين يابانيين في جلسة حب ووفاء في حديقة عامة ، وهكذا فإن معظم القصص باستثناء ( حي على الفلاح ) واقعية قابلة للتصديق تستل تفاصيلها من الواقع المعيش حولنا جميعا ، لكن تظل البطولة الحقيقية في التفات الكاتبة للتفاصيل الإنسانية الحميمة التي تقبض عليها أمل ببراعة في تلك القصص وتعيد تقديمها وسردها بعذوبة تحسد عليها ليراها القارئ من جديد مندهشا من تفاصيلها ومستمتعا بها كأنه يعيد النظر إلى نفسه في المرآة فيعجب بملامحه رغم أنه يحفظها جيدا !! ولعل قصة " ليلة الحنة "  الأكثر دلالة على ذلك ضمن قصص المجموعة ، وفي قصة  "حي على الفلاح " تجدف أمل بعيدا بشكل مفارق لروح المجموعة لتحكي عن  "الشيخ أحمد " مؤذن المسجد الذي ينخدع بصياح ديك أعور لم يميز الليل من النهار  فصاح قبل الفجر بوقت طويل ، لينهض الشيخ من فوق زوجته التي لم ترتو ليؤذن للفجر قبل موعده ، وفي تلك القصة  من الرمزية والتحليق بالخيال ما يثير الجدل والتساؤلات إذ ينسى المؤذن تحت تأثير اشتهائه لزوجته فيحرف الأذان بلا وعي فيقول : " حي على الفلاح ..حي على النكاح " ثم يفر هاربا إلى امرأته وسط ذهول الناس

أما اللغة التي تحكي بها أمل  فهي سر آخر من أسرار نجاح تلك المجموعة في النفاذ إلى وجدان القارئ إذ ترتدي القصص اللغة التي تناسبها تماما فتبدو اللغة كأنها ثوبا خيط خصيصا على مقاس الحكاية ، بلا أدني تكليف أو افتعال أو صراع أو تعسف فى اختيار المفردات أو نحت الجمل  وتركيبها حتى أن الكاتبة استطاعت تضفير التعبيرات العامية فى جسد السرد الفصيح  بلا نتوءات وبسلاسة فائقة وبشكل رائع يشير إلى دربة وحساسية خاصة فى التعامل مع اللغة بجميع مستوياتها

أجادت أمل أيضا بعض الحيل السردية  أو الألعاب إذا جاز التعبير فمثلا في قصة " عرق الثلج ص25  تقول " غفوت وانشغلت بقصتي التي بين يدي ، والقصة الأخرى التي كانت بين ساقي زوجي" وهى ترمز بمفردة  " القصة " إلى خيانة زوجها إذ تنتقل بالمعني بشكل مفاجئ وممتع في آن مستفيدة من  "القصة " التي تقرأها في الطائرة ، إلى  "قصة "  الخيانة لترجعنا إلى مركز الحدث وبؤرة الألم في لحظة بعد سرد طويل في اتجاه مخالف . ، مثال آخر يؤكد السمة أو الطريقة عندما تقول ص 85 في قصة نعمة "  سألت المياه الزائدة على الأسفلت ، ومعها بدأت مياه أخرى تسيل بين فخذي " وهنا تربط ببراعة بين مياه تتساقط من سيارة البطلة  لعطل فيها أثناء قيادة الأخيرة لها  وبين مياه تسقط بين فخذيها كعلامة فسيولوجية على الولادة .

 

وبشكل عام تعد" شوكولاته سودا "محطة هامة وصلت إليها أمل بهدوء واتزان وبتأن واضح فى سيرها نحو عالم خاص بها يدل عليها وتدل عليه فى ملكوت السرد الواسع .

مقالات من نفس القسم