لم تنتظرنا القوافل
ذَهبَتْ تَنقلٌ التمر والتين والزيتون
من الدعاة للغزاة
ومن الغزاة للدعاة
وما بينهم سقط الفقراء يصلون
أو يسجدون بغير صلاة
وقد سألتْ أرملة:
أما زال
في
السموات
إله؟!
كيف لم يرسل الجن
تحمي فصائلنا
وتحارب عنا؟
كيف لم يأت للمرة الثانية
مسيحٌ
يقيم من الموت
من مات منا؟
لم ينتظرنا نخيل العراق
ونحن نَجُرُّ قوافلنا
عبر السماء التي لم تعد
تمطر الآيات
مناً وسلوي علينا
ونحن نَجُرُّ قوافلنا
عبر صحراء تنمو علي رملها الأشلاء
كل أرضٍ نمرُّ بها
تحترق
كل مملكةٍ
تخرب
كل بئرٍ
نلقي بها جرةً
تصعد مملوءةً
بالدماء
مات في يدنا البحر
وضاق الفضاء الفسيح
ونحن نَجُرُّ قوافلنا
ونحمل تاريخنا جثة
باحثين لها عن ضريح
لم ينتظرنا بأرض العراق النخيل
ولا بلح الشام
مَدَّ مَوَائِدَهُ
للذين بكوا في الخيام
وقد هاجروا مدناً
شيدتها الأساطير
وممالك قصت حكاياتها شهرزاد
هم الآن في خيم اللاجئين
يعدون أجسادهم للرحيل
جسداً جسدا
وقد شاهدوا كيف تهوي البلاد
فوق أذرعهم
بلداً
بلدا
لم ينتظرنا بأرض العراق النخيل
ولا بلح الشام يا شهرزاد
فهل حين نهبط أرضك يا مصر
سيبقي لنا
علي ضفة النيل
ملاذٌ
وماءٌ
وزاد؟!
نذبح خيلنا
بأنفسنا
ونبيع غدنا
بأمسنا
فلا يبقي لنا ذهبٌ
ولا فضة
ولا مدنٌ
ولا بلاد
تَعِبْتُ
تَعِبْتُ أنا
من حمل أجداثنا
عائدين من الفتنة الكبري
والفتنة الصغري
والنكبة الأولي
والنكبات التي بعدها لا تعد
والأناشيد التي حملتنا إلي حافة المجد
وأعادتنا
حاملين العجائز والأولاد
إلي حيث لا ملجأ
لا بلاد
تَعِبْتُ أنا
كيف لم تتعبي أنت بعد
يا شهرزاد؟
***
أحبو علي حافة الليل
غرفتها خالية
إلاً من الحلم
والحزن
والألم المتكور في كل ركنٍ
والصور الباقية
النوافذ مشرعةٌ للرياح
يعول فيها الصدى والصرير
في هذه الزاوية
كانت تنام مدججةً بالبياض
وضوء القمر
يتمشي علي نهدها، قبل أن ينحدر
فتنام جيوشٌ علي صدرها
وتميل رماح
وفي هذه الزاوية
كانت تقوم لتذرع غرفتها
عارية
وتدوس علي الصولجان، علي الإنس والجان
والماس والمرجان
علي الفرش والعرش والسلطان
تدوس علي كل شيءٍ هنا
حافية
إلي أن يحل عليها الصباح
فيصمت عنها الكلام المباح
وتستيقظ السحب الغافية
وتضيء الشموس
مفاتنها الخافية
فتلهبني بخرير الغدير
الذي يترقرق من خصرها
لتغتسل الأوراد
كم ألف ليلٍ وليلة
سأشرب من مر هذي الكؤوس
حين أفقدها
في الهزيع الأخير
وينقطع اللحن
والكون يسكن، والكون كان السرير
الذي ترتمي فوقه شهرزاد
غرفتها خالية
الستائر تبكيها
والوسائد تنعيها
ويحن إليها الحرير
وتحن الأساطير للشفتين
والحلم والسحر كالملكين المقيمين
فوق ضريح
وأنا
أرتمي أتلوي علي الأرض
أحتضن الأوتاد
أتذكر كيف اعتصرت الندي
من كمائن أغصانها
ثم أجثو علي الفرش
أحبو علي حافة الليل أو ما بقي منه لي
أتحسس موضع ساقيها
أتشمم آثار عطر ذراعيها
أنكفيء علي ربوتين بحشو الفراش
كأنهما ربوتا نهديها
أي من هاته الربوتين سأبكي
عليها
وأبكي الذي ضاع من ملكي
وحالي الذي كان يربو ويخبو
علي شفتيها
هل كنت مولاها
وولياً لنعمتها؟
أم كنت عبداً لها
أرفل في الأصفاد
أقبل كفيها
وأطيع أوامرها الناهية؟
ويناديها جسدي
فيرد عليه عواء المجاعة مثل الصدي
وكأن فم الأجساد
من كل ناحيةٍ في البلاد
جميعاً تنادي
تنادي عليها
ولكن هيهات
هيهات ترجع لي
أو لنا
شهرزاد.
…………………..
*من ديوانه الجديد “ليلة الملك الأخيرة في فراش شهرزاد“