شهادة على المشهد الروائي الآني

موقع الكتابة الثقافي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

 

محمود الغيطاني

 

ربما كان المشهد الروائي المصري الآن يمور بالفعل بالعديد من الروايات والعوالم المختلفة التي لم نكن نتوقعها من قبل ،ولم تكن يخطر ببال بعضنا أنها من الممكن أن تُكتب يوما ما، وان كان هذا يدل فهو دليل على ثراء الخيال عند العديد من الروائيين ، بل ويدل أيضا على وجود مواهب روائية جديدة وجادة بالفعل فيما تكتبه فصار الأمر بالنسبة لها ليس مجرد كتابة رواية ولكنها مشروع هام قد يُفني فيه الكاتب حياته من أجل مواصلته.

 

ولنحاول أن نكون أكثر تحديدا في كلامنا، نلاحظ أن الروايات العديدة التي يذخر بها المشهد الروائي المصري الآن تكاد أن يربط بينها همّ جماعي واحد أدخله الشباب من الروائيين على الرواية المصرية – هذا الهمّ- لم يكن موجودا من قبل ولم يكن يجرؤ أحد الروائيين على التفكير فيه أو جعله محورا لرواية وهو التعري

 

 


 

وأقصد هنا التعري من كل شيء ، تعرية المجتمع ، والذات ، والآخر ، وكل ما يمكن للكاتب تعريته وإظهاره على شكله الحقيقي ، وربما ونتيجة لهذه السمة الأساسية التي تميز هذا الجيل نجد الكثير من الرفض لما يتم إنتاجه من قبل هؤلاء المبدعين ، ولعل السبب في هذا الرفض هو الصدمة التي يحدثها القارئ للمتلقي – سواء كان قارئا عاديا أو ناقدا- وبالتالي يكون رد الفعل الطبيعي في هذه الحالة هو الرفض.

 


 

ولعلنا نلاحظ كذلك أن الإبداع الروائي الآني لجيلي من الروائيين يشترك في العديد من السمات الأخرى منها اللايقين وانعدامية الأمل في أي شيء وربما أيضا اللانتماء لكل ما حولنا – سوى الانتماء للذات في المقام الأول- بل وهناك سمة أساسية ألاحظها في الإبداع الروائي الآن وهي ما أطلق عليه اللارواية ، وبالفعل فما نكتبه نحن الآن من رواية – يطلق عليها النقاد الرواية الجديدة- تتميز بأنها لارواية بمعناها الكلاسيكي أي أنها تتحدث كثيرا عن ذات المؤلف وتقترب كثيرا منه وتهتم بالكثير من تفاصيل حياته وتقترب بشكل أو بآخر من العالم الحقيقي الذي يعيشه الكاتب ، بل ومن الممكن ألا نرى فيها على الإطلاق الحبكة الروائية المعهودة في الرواية الكلاسيكية ، إلا أن هذا الأسلوب من الكتابة الروائية في حاجة ماسة وقصوى إلى اهتمام الكاتب بالمشهدية – أي الكتابة وكأنه يصور ما يكتبه- وتلك تحتاج إلى دربة خاصة ولعل من أهم الروايات التي اهتمت بذلك في الآونة الأخيرة رواية “سحر أسود” لحمدي الجزار ، ورواية “مواقيت التعري ” لهدرا جرجس، ورواية “فاصل للدهشة” لمحمد الفخراني وغيرهم من الروائيين المجايلين لي ، تلك الروايات اهتمت كثيرا بالصورة والمشهد وبالتالي كانت صدمة التلقي أكثر قسوة لدى الكثيرين ممن وقفوا أمام ما نكتبه نحن- مما يسميه النقاد “بالرواية الجديدة” – كفريقين أحدهما يشجع هذا اللون من الكتابة ويرى أنه لابد أن نبحث هذه الكتابة ودوافعها وأسبابها وسماتها الفنية وهناك الفريق الآخر الذي رفض ما نكتبه تماما وبالتالي أعطانا ظهره وكأننا غير موجودين بالرغم من الصخب الذي يصم الآذان والذي نحدثه حوله بكتاباتنا .

 


 

إلا أن النقاد الذين رأوا فيما نكتبه – كتابة جديدة- لم يحددوا لنا بعد كيف تُعد هذه الكتابة جديدة بالنسبة لهم ، هل لأننا ابتعدنا كثيرا عن الرومانسية بمعناها الكلاسيكي وبتنا نبحث في أمور وموضوعات أخرى، أم لأننا اقتربنا أكثر من ذواتنا وبالتالي عرينا أنفسنا قبل تعرية الواقع الزائف والمجتمع المتهرئ ، أم لأننا بصراحتنا القصوى في الكتابة والتي تقرب من الوقاحة أحيانا قد سببنا لهم صدمة هزتهم ؟ لعل اصطلاح الكتابة الجديدة ما زال في حاجة كبيرة إلى تحديد لماهيته وسماته حتى نستطيع إطلاق الكتابة الجديدة على ما نكتبه، ولعل هذا أيضا في حاجة إلى العديد من النقاد الذين لابد لهم أن ينكبوا على ما ننتجه من كتابات كي يستطيعوا تحديد سمات تلك الكتابة ، ولكن في ظل المتابعة النقدية الكسولة والزائفة التي نراها هنا في مصر – فأنا شخصيا لا أرى أن هناك نقدا حقيقيا أو نقادا فعليين يستطيعون متابعة ما يتم إنتاجه وكل ما هنالك مجرد محاولات لإعادة استقراء ما يُنتج- فأنا لا أتوقع أن يتم إرساء قواعد وسمات محددة لاصطلاح الكتابة الجديدة بسهولة ؛ لأننا إذا ما تأملنا الواقع النقدي لوجدنا أن النقاد أو من يطلقون على أنفسهم ذلك مهتمون في المقام الأول بنظرياتهم الأكاديمية التي يدرسونها لطلابهم وإذا ما حاولوا متابعة المنتج الروائي فإنهم يحاولون تطويع وليّ عنق النص الروائي كي يناسب نظرياتهم النقدية التي يقومون بتدريسها ، هذا من جهة ومن جهة أخرى هنالك بعض المحاولات للاهتمام بما يتم إنتاجه روائيا وان كانت محاولات خافتة ولا تخرج عن كونها إعادة قراءة سطحية للنص ، ولكننا من جهة ثالثة نرى القليل جدا من النقاد الذين يحاولون التكريس والتأسيس والمتابعة النقدية الحقيقية لمثل هذه الكتابة مثل الناقد الدكتور “يسري عبد الله” والروائي والناقد “سيد الوكيل” وان كان هؤلاء قلة قليلة جدا في مواجهة هذا التيار والزخم الروائي العاصف الذي يتم إنتاجه اليوم من أبناء جيلي.

 

 

 

أعتقد أن هذا الإنتاج الروائي الكثيف الذي نراه اليوم في حاجة إلى الكثير من الاهتمام والالتفات إليه لأنه ليس نابعا من فراغ وبالتالي لابد من الاهتمام بدوافعه وسماته الفنية.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

 

 

روائي من مصر

 


 

مقالات من نفس القسم