حاورته: آية السمالوسي
عرف طريقه إلى الكتابة الإبداعية بعد أن بلغ الخمسين من عمره، إلا أنه، وعلى مدار عشر سنوات، لم يتوقف عن الكتابة والنشر تقريبًا، حيث يصدر له عمل كل عام.
شريف العصفوري كاتب روائي من مواليد بورسعيد. درس الهندسة البحرية بجامعة قناة السويس، ونال ماجستير العمارة البحرية من جامعة نيوكاسل ببريطانيا، ثم ماجستير إدارة الأعمال من جامعة كاليفورنيا بلوس أنجلوس. تنقل بين العديد من دول العالم مثل الجزائر وهولندا وبريطانيا والولايات
يستهل روايته الجديدة “المهاجر سين” بمشهد يصور حياة طالب جامعي في عام 1980، ويشاء له القدر أن يعايش فترة التحولات الكبرى والتغيرات الجذرية في المجتمع المصري، وما طرأ على الشخصية المصرية عقب الحرب والسلام والانفتاح الساداتي وسنوات الهجرة إلى الخليج وبداية الحلم الأمريكي. يستعرض البطل سنوات طفولته في بورسعيد أثناء النكسة، ويتذكر ما حدث من تهجير وترويع له ولأسرته ولكل سكان المدينة.
تعيد الرواية التذكير بما حدث في القاهرة من تغيرات وما جرى عليها، لكنها لا تقع في فخ النوستالجيا مصورةً الماضي باعتباره جنة، كما لم تقع في فخ الثنائيات المقولبة التي يميل إليها الجميع في التعامل مع ثنائيات مثل شرق وغرب، وماض وحاضر.
تطرقت الرواية كذلك إلى الفروق الثقافية كما يجسدها مفهوم الزواج ومؤسسته من خلال زواج البطل المضطرب والقلق من “كوين” المهاجرة ذات الأصول النرويجية.
هنا حوار مع الروائي والكاتب شريف العصفوري حول روايته الأخيرة “المسافر سين” الصادرة هذا العام عن دار المحروسة.
متى قررت كتابة خماسية، وقد بدأت بنوفيلا (رواية قصيرة)؟ لماذا يقرر الكاتب أن يكتب رواية قصيرة إذا كان بإمكانه كتابة نص واحد طويل؟
أسعار الورق مرتفعة للغاية، وسيصبح سعر الخمس أجزاء مجتمعين في مجلد واحد يتراوح بين 500 و600 جنيه، أما سعر الجزء الأول فكان 80 جنيها، 22 ألف كلمة في حجم روايات إحسان عبد القدوس، وهو سعر مناسب. بالإضافة إلى ذلك، فانا أفضل مراجعة الأجزاء واحداً تلو الآخر، بعد سماع آراء القراء في كل جزء على حدة، كما أنني أنوي تغيير شكل الكتابة في كل جزء عن الآخر في الشكل والمتن. أنا أحارب لبناء قاعدة قراء، لأن كتابتي ليست سهلة، وليست للقارئ العادي وجمهوري حتى الآن هو القارئ النوعي.
الزمن في الرواية غير متسلسل، كتبته بطريقة التشظي حيث الأزمنة متعددة وغير مرتبة. ماذا قصدت بذلك به وكيف ترى الزمن في هذه الرواية والخماسية بشكل عام؟
أفضل طريقة الاستدعاء الحر، وتيار الوعي؛ النص تأسيسي لفترة المراهقة ومطلع الشباب. في الجزء الأول الزمن دائري، بدأ في 1980 ومروراً إلى 1985، ثم عاد إلى 1968. الجزء الثاني عن عمر 30 سنة، الثالث عن الزواج الثالث عمر 40 سنة، الجزء الرابع مشاكل الحياة والصراع مع السرطان، والجزء الخامس ما بعد الموت.
ماذا عن شخصية عاطف الخائفة والقلقة، الشاب المسيحي المنبوذ لأسباب لا دخل له فيها؟ كيف ترى نموذج القبطي من داخل الرواية على ضوء صورة القبطي في الرواية المصرية بشكل عام؟
الرواية عن الإزاحة/الهجرة/الطرد. مصر طاردة للإنسان الحر، المسلم والمسيحي، ليس فقط من أجل الرفاه المادي ولكن من أجل الحرية. الحرية مشكلة عاطف وشقيقه، ومشكلة المهاجر سين لأن مصر لم تعرف الهجرة في تاريخها، وفجأة أصبحت طاردة. الكل ينتظر الهجرة، أكثر من ربع القوة العاملة. ثم إنني أريد تركيز البؤرة على كل الهجرة وليس الشخصية المحورية فقط. القبطي المسيحي الأرثوذكسي تسحقه كنيسته المتحجرة ومحيطه العدائي المسلم. قضية الطلاق والزواج في القلب من المشاكل وسأتناول قضية التعميد في الأجزاء الأخرى، ورفض الأرثوذكس تعميد الكنائس الأخرى.
البطل الذي رمزت له بالمجهول (سين) له روح تتوق إلى الحرية والانطلاق، فهاجر إلى أوروبا التي لم تكن شائعة بين المصريين في ذلك الوقت. ماذا تقصد بالمجهول؟
القصد هنا: كل المهاجرين، ليس حالة فريدة. الأسماء لا تهم، بل الظروف والقيود، خوف السلطة من الكاميرا/المرايا. أن نرى صورتنا بجد وبدون رتوش. هناك جمل كثيرة عن ملاحقة الشرطة للمصور ودفاع الناس عنه. حتى معرض الشارع في الكلية تعرضت له الشرطة في هذه الفترة، أوائل الثمانينيات. السلطة عازمة على “تعقيم” المجال الأكاديمي والفني وفصلهما عن الشارع، وتكريس التعبير المجرد عن التعبير الواقعي. صور الناس العادية في القطارات والأتوبيسات تعكس حالة من الفقر والقهر، مثل سينما عاطف الطيب. تؤلم السلطة ولا تأتي لها بالراحة.
كيف جاءتك فكرة الرواية ومتى بدأت بكتابتها؟
ظهرت فكرة الرواية في أعقاب وفاة شقيقي عماد ودفنه في الولايات المتحدة. أردت إقامة شاهد على رحلة جيله وأفكارهم والتحديات التي واجهته وتواجه أجيال المصريين الشابة، خصوصًا ما يتعلق بجاذبية الهجرة.
تتشابه الأماكن والأزمان في الرواية مع حياتك، هل يمكن أن نعتبرها رواية سيرة ذاتية؟
لا، نهائيًا؛ لكن الشخصية المحورية قريبة الشبه بشقيقي الفنان السينمائي الراحل عماد العصفوري، لكن بدون تطابق. لكن هناك شخوص حقيقية في الرواية تفاعلت مع عماد، مثل يوسف شاهين وفاروق إبراهيم.
تتكون الرواية من 107 صفحات، مقسمة إلى سبعة فصول مكثفة وسهلة متدفقة وصغيرة، هل قصدت ذلك التكثيف؟
الحوارات كلها بالعامية، الأفكار والسرد الداخلي بعامية سهلة. أحيانًا تحمل صور ذهنية صعبة. أنا شخصيًا أكره الثرثرة في الحكي والسرد، ولا بد أن يكون لكل كلمة وقعها ووزنها. السرد بلسان المخاطب، لأنني ارتاح بإيصال الأفكار والنوازع الداخلية دون عوائق أو ديالوج.
لماذا اخترت فن الرواية لطرح أفكارك؟
لتمريرها من الرقابة، والوصول لأكبر جمهور.
جاء ذكر الحروب في الرواية من الهزيمة إلى نصر أكتوبر. ما هو المشترك في هذه الحروب؟
الحرب نشاط بشري جرى تعظيمه وتقديس مآثره، لكنه مدمر ويصيب الروح البشرية بتشوهات. ليس فقط تضحيات المشتغلين بالحرب مباشرة، لكن هناك أثمان يدفعها شهود الحروب من المدنيين. تتعدد أشكال هذه التأثيرات وأثمانها. المعاناة البشرية من الحرب عميقة وتصل إلى حد انحراف الشخصية الجمعية للمجتمع. النصر والهزيمة عنوان فرعي لمن يدفع بجسده أو بأطرافه أو بهجرته. أردت من خلال الرواية تقديم منظور آخر لنوع الحروب التي شهدتها مصر.
سألتك عن الحرب لأننا نعيش على وقعها في غزة. كيف تصف ما يجري في غزة؟
ربما تلمحين من إجابتي السابقة “كفري” الواضح بالحرب كوسيلة لتحقيق العدالة والحرية. مثلًا، نعلق آمالًا كبيرة على النصر العسكري بينما لم تحقق أمريكا شيئًا يذكر باحتلالها أفغانستان والعراق. بل على العكس، أضيرت مصالح المنتصر. أنا مع الحق الفلسطيني في تقرير المصير والاستقلال، لكنني قلق من اختيارات سلطة حماس للوسائل وقلق أكثر من أهدافها. وأتألم بشدة بسبب المأساة الإنسانية التي يعانيها سكان قطاع غزة وهم يعيشون الدمار الشامل وعلى شفا المجاعة. لا توجد حلول سحرية للمشاكل المعقدة التي يخلقها واقع الاحتلال وتراكمات الصراع المستمر منذ أكثر من مائة عام. الحل الفلسطيني برأيي ليس كالفيتنامي أو الجزائري، ولكن أقربه لسيناريو جنوب أفريقيا.
أنت متابع جيد لحركة الأدب في العالم. أين موقع الكاتب العربي على خريطة الأدب العالمي؟
للأسف الشديد، ذهنيتنا الجمعية سواء المصرية أو العربية ما زالت عالقة عند قوالب عاشها العالم من عقود وتعجز عن ملاحقة الآني الراهن، مثل انشغالنا بالواقعية السحرية وتجمّد النقد عند البنيوية والتفكيكية. العالم تجاوز تلك العقد، ونحن جماعيًا لا نفهم العالم إلا من خلال “أولياء” ومشايخ طرق أدبية. هناك محاولات فردية لتجديد الشكل والمتن والتجريب، لكن واقعنا المحافظ اجتماعيًا/سياسيًا خانق إبداعيًا.
ما أسباب تقديمك صالون “العصفوري” الأدبي كل شهر؟
صالوني الثقافي هو محاولة لتسليط الضوء على القضايا الفكرية والأسئلة العميقة وراء الأدب أو تناول المعضلات الثقافية التي تشكل الذهنية الثقافية المصرية.