يكتب الشاعر وهو يرمي وراء ظهره المقولات المبتذلة عن “تفاصيل الحياة اليومية” ولا يريد لقصيدته ان تكون نتيجة لمعادلات جافة جاهزة لا تري في الشعر الا اتكائه العاجز علي مفهوم المفارقة كمفهوم أولي لكتابة قصيدة نثر.
في الديوان ينظر محمد خير الي الشعر باعتباره وسيلته الوحيدة لاقامة “حياة موازية” وصنع التاريخ بالمعني الخاص، وهو في هذا السعي الهاديء لايثقل قصيدة بالضجيج ولابهموم لاتخصه، يكتب بخفة لانظير لها عن الألم وبخبرة من تعايش مع الجرح فصار صديقا له.
يسعي الشاعر الذي تنقل بين أنواع أدبية عديدة الي كتابة هدفها “آنسنة الاشياء” ودفها لتكون هي “الاخر البديل عن الاخرين الذين أصبحوا “جحيما”، وفي الطريق لهذه الكتابة يسأل ذاكراته ويكتب ألمها، ومن دون أدانة لما تبقي فيها.
في شعر خير الذي قرأته يشغف نادر الكثير من شجن المناجاة، كما أن جملته أقرب الي “الشجو” تعترف صورته الشعرية بفضيلة الدهشة، ويعيد نصه الاعتبار الي “الخيبة”، كما لا يخجل الشاعر من الاعتراف بالضعف ولا من التردد ولا من قدرته علي التآلف مع “الهزيمة” فالخيبة هنا تبني نصا قويا، لاينظر صاحبها الي الماضي في غضب لانه طوال صفحات الديوان ينفي عنه صفة القداسة ويدرك ان “المستقبل يعرف كيف يعتني بنفسه”.
ينشغل خير في كتاباته التي تنطلق من فضاء روحاني بناه الشاعر في مخيلته، ينشغل بفكرة “الأثر” لكنه لايقتفي اثر العابر وانما يتأمل حضوره في “الأشياء”، يكتب كأحد المؤمنين بنظريات “الفنج شو” وهي فلسفة صينية قديمة تساعد علي جلب حياة متناغمة مع المحيط، والهدف منها هو الوصول إلي التوازن والتناغم.
وفي ديوان “هدايا الوحدة” كما اعتقد الكثير من “التناغم” الاسلوبي الي جانب سعي شعري الي الطمأنينة وليس الي كتابة مطمئنة، فخلف هذا المسعي قلق واضح لايقود الي القسوة وان كان يرمي بصاحبه في الجزء الثاني من قصائد الديوان الي كتابة فيها ثقل “الحكمة” والتي تأتي أحيانا بطريقة لا تلائم السخرية المرة التي يستشعرها القاريء وهو يسعي للاحاطة بالعالم الذي بث الشاعر مفرداته كمن يوزع قطع ديكور في مشاهد “سينو غرافيج” دالة علي طبيعة التجربة التي عاشها.
تحتاج كتابة محمد خير الجميلة لان تقرأ بالحواس الخمس وتنتظر قارئا مؤهلا لتلقي “هدايا الوحدة”.